« إرهاب الشوارع» وأساليب الوقاية - مقالات
أحدث المقالات

« إرهاب الشوارع» وأساليب الوقاية

« إرهاب الشوارع» وأساليب الوقاية

كان الهجوم بالشاحنة الصغيرة الذي قتل شخصاً وأصاب أشخاصاً عدة آخرين بجروح قرب مسجد حديقة «فينسبوري» شمال لندن خلال عطلة نهاية الأسبوع هو الأحدث في سلسلة هجمات خطيرة الأثر، ولكنها قليلة الاعتماد على التكنولوجيا، نفذها إرهابيون في المناطق الحضريّة الكبرى في بعض المدن الغربية. وقبل هذا الحادث الأخير، تم تنفيذ هجوم بشاحنة صغيرة وآخر بالطعن فوق جسر لندن وقريباً من «سوق بورو» يوم 3 يونيو الجاري أيضاً، وهو الحدث الذي مثل صدمة عامة. وكان هجوم مشابه تم تنفيذه أيضاً في «وستمنستير» قد أدى إلى مقتل خمسة أشخاص. وفي يوم 14 يوليو 2016، تمكن إرهابي من قتل 86 شخصاً في مدينة «نيس» الفرنسية، عندما اقتحم شارعاً مخصصاً للمشاة بشاحنة نقل كبيرة.

وفي الجانب الآخر للمحيط الأطلسي، عمد إرهابي خلال العام الماضي إلى قتل شخص وجرح آخرين عند محاولته اقتحام ميدان «تايمز سكوير» في نيويورك، الذي يشهد عادة حركة كثيفة للمشاة، بعد أن حذر فصيل تابع لتنظيم «داعش» الإرهابي من أنه سينفّذ المزيد من هجمات الدهس بالعربات. ووزع التنظيم ذاته على مقاتليه صوراً وخرائط لتوضيح الأساليب والأماكن المناسبة للدهس بالسيارات والشاحنات والطعن بالسكاكين في مدن مختلفة.

وتكمن المشكلة في أن معظم المدن الكبرى ليست مؤهلة بشكل جيد للتصدي لما بات يُعرف باسم «الإرهاب الحضري». وتنشغل مصالح الخدمات الأمنية منذ زمن بعيد بالدفاع عن أمن المناطق المهددة بالهجمات، إلا أن الهجمات الإرهابية بقيت لوقت طويل تستهدف المباني الحكومية والمراكز التجارية الكبرى، ونادراً ما كانت تستهدف الحياة اليومية للمواطنين العاديين. ومثلما رأينا من خلال سلسلة الهجمات الأخيرة، فقد شهدت أساليب الإرهابيين في الهجوم تغيراً خطيراً، مما يتطلب إعادة النظر في أساليب التصدي لها، بما في ذلك تكييف التخطيط العمراني مع هذا الواقع الجديد.

وقد استبدل الإرهابيون عمليات الهجوم بالسيارات والشاحنات المفخخة على المراكز المالية والمؤسسات السياسية بالأحزمة الناسفة والهجمات الفردية، وخاصة منها الهجمات الانتحارية وإطلاق النار على التجمعات البشرية الحاشدة لقتل أكبر عدد ممكن من الناس، ودهس أكبر عدد من المارة بالعربات، والهجوم بالسكاكين. ومن وجهة نظر علم التخطيط الحضري، فهذا يعني أن الجماعات الإرهابية أصبحت أكثر ميلاً لمهاجمة الأهداف السهلة والأماكن المزدحمة، وهو ما لا يمكن تجنبه والوقاية منه دون إحداث تغيير جذري في أساليب الحركة والتنقل داخل المدن.

ولسوء الحظ، لا يمكن منع هذا النوع من الهجمات في المجتمعات المنفتحة، إلا أن هناك أيضاً معايير مهمة يمكن للمدن الالتزام بها من خلال مخططات التصميم من أجل المساعدة في تجنب مثل هذه الهجمات، أو تخفيف خسائرها إلى الحد الأدنى لو تمكن الإرهابيون من تنفيذها.

ويمكن للتصميم الهندسي أن يكون مفيداً على مستويين. الأول، هو أن من الممكن أن يساعد على منع دخول العربات التي يتم إعدادها للهجوم، إلى الأماكن العامة. وقد استغل المصممون بالفعل هذه الفكرة عن طريق زيادة المسافة الفاصلة بين الشوارع والمباني وبقية الأمكنة التي يمكن استهدافها. ومن أمثلة هذه الإجراءات، إنشاء حواجز خفيّة للوقاية الأمنية.

وفي المستوى الثاني، يمكن للمصممين أن يعززوا الإيحاء بشكل واضح بأن الأماكن الحساسة والشوارع المكتظة بالمارة موضوعة تحت المراقبة المشددة، أو يخلقوا الإيحاء المقنع لمن يقترب منها بأن اقتحامها مستحيل.

وحتى تكون هذه المظاهر التصميمية فعالة، يجب أن تترافق مع الاستعداد الدائم لمواجهة كل الاحتمالات. ويمكن للنشاطات المتعلقة بالجاهزية الدائمة أن تتخذ أشكال عدة. من أهمها توجيه النصائح والإرشادات المتعلقة بأساليب التصدي للهجمات الإرهابية لأصحاب الأبنية والمراكز التجارية والمشرفين على أمن الأماكن المزدحمة مثل الملاعب الرياضية والمقاهي والمطاعم ومراكز التسوق ودور العبادة. ولا بد لوسائل التصدي للإرهاب التي يتم نصبها في الأماكن العامة المزدحمة أن توفّق بين الحاجات الأمنية والقبول الاجتماعي والسياسي. ونحن نعيش الآن أوقاتاً مملوءة بالأخطار، وستكون لطريقتنا في التعامل معها أثرها المهم على حياتنا خلال السنوات المقبلة.

 

جون كوافي

أستاذ الجغرافيا الحضريّة في جامعة «فارفيك» - المملكة المتحدة

واشنطن بوست

ترجمة صحيفة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*