في ذكرى الحكم الصادر بحقها، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، الأحد 4 يونيو/حزيران 2017 مقالاً بقلم الناشطة المصرية نانسي عقيل، التي حُكم عليها بالسجن غيابياً لمدة خمس سنوات، في القضية التي رُفعت أمام القضاء المصري ضد المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية.
وتعيش نانسي الآن في واشنطن، وتشغل منصب المديرة التنفيذية لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
ما "جريمتها"؟
تقول نانسي في المقال الذي نشر، في 4 يونيو/حزيران 2017، "اليوم هو ذكرى حُكم المحكمة المصرية بسجني لمدة خمس سنوات. و"جريمتي" العمل لحساب منظمةٍ دوليةٍ تدعم حقوق الإنسان والديمقراطية"، حسب تعبيرها.
تضيف: "مرَّت خمس سنوات منذ حزمت أمتعتي وغادرت بلادي، وكنت أظن وقتها أنَّني سأعود في غضون بضعة أسابيع. خمس سنوات، هي مدة سجني المفترضة، مضت منذ قررتُ العيش في منفاي بالولايات المتحدة الأميركية، حيث سعيتُ أن أُكمل عملي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية. ولا أستطيع الآن العودة إلى وطني الذي أحنُ إليه، بالرغم من أنَّني أُدرك جيداً أن مصر لم تعد نفس المكان الذي تركته. واليوم، تحت النظام القاسي للرئيس عبد الفتاح السيسي، يواجه المواطنون مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من القمع والكساد الاقتصادي"، حسب وصفها.
تقول: "كنت أتمنى أن تأتي كلماتي في ذكرى أحداثٍ وقعت منذ أمدٍ بعيد. لكنَّها ليست ذكرى على الإطلاق. أنا محظوظةٌ لأنِّي لم أقضِ أعوامي الخمسة الماضية داخل زنزانة سجن، لكنِّي اضطررتُ بدلاً من ذلك لقبول الحياة في المنفى، وهو ما يُعتَبَر كفاحاً في حد ذاته.
وتضيف - بحسب واشنطن بوست - "تركتُ عائلتي وعالمي كله عندما أتيت إلى واشنطن. وعند وفاة والدتي، والتي تعرضت لأزمةٍ قلبيةٍ بعد مغادرتي بوقتٍ قصير، الصيف الماضي، لم أتمكن من رؤيتها أو حتى حضور الجنازة من أجل توديعها لآخر مرة. أنا منفصلةٌ عن توأميّ اللذين يبلغان من العمر 7 سنوات، وأفتقدُ رؤيتهما يكبران يوماً بعد يوم. ولكنَّ عزائي الوحيد هو أنهما ما زالا في وطنهما".
لسنا في أمان بالمنفى
وتقول الناشطة، إن المنفى ليس بالضرورة ملاذاً آمناً للمعارضة؛ إذ "إنَّ السلطات المصرية تستمر في تهديدنا وترهيبنا نحن وأسرنا. وأُعيد العام الماضي فتح قضيتي، التي نتج عنها أحكامٌ بسجن 42 ناشطاً آخرين، مع التركيز هذه المرة على النشطاء البارزين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمجموعات التي لا تمتلك نفس القدر من الاهتمام العالمي الذي كنا محظوظين كفايةً بأن نحصل عليه".
تضيف: "حضرتُ، الشهر الماضي مايو/أيار 2017، ورشة عملٍ لحقوق الإنسان في روما، ولاحظتُ وقتها رجلاً يلتقط صوراً لي أثناء انتظاري أمام فندقي. وعندما حاولتُ مواجهته، دفعني ومضى في طريقه. وبعد بضع ساعات، نشرت وسائل الإعلام المصرية التابعة للدولة مقالاتٍ تحتوي على صور عددٍ من المشاركين بورشة العمل، في محاولةٍ لتشويه صورتنا، مُدَّعيةً أننا نتآمر ضد مصر في اجتماعٍ سري".
خالد علي
المحاكمات لم تطارد نانسي فقط؛ إذ تقول "خالد علي، مرشحٌ رئاسيٌ سابق وأحد المشاركين بورشة العمل، تم استدعاؤه للتحقيق أثناء وجودنا في روما. وبمجرد عودته إلى مصر، احتُجِزَ لمدة يومٍ بناءً على اتهاماتٍ مُلفَّقة، وهو الآن في انتظار جلسة المحاكمة في الثالث من يوليو/تموز 2017".
وصل الأمر حسب نانسي عقيل "أنه في برنامجٍ تلفزيوني عُرض مؤخراً، تساءل مصطفى بكري، النائب بالبرلمان المصري، عن أسباب سماح البلاد للمصريين بالعيش في الخارج، وأضاف أنَّنا يجب أن تتم إعادتنا إلى أرض الوطن "داخل نعوشنا".
وأشارت إلى أن الصحفيين والنشطاء والباحثين لم يخضعوا لمحاكماتٍ عادلة، وتعرضوا للسجن والملاحقة القضائية دون ذنبٍ ارتكبوه.
وقالت: "مؤخراً، حجبت السلطات المصرية أكثر من 21 منصةٍ إعلامية في مصر، من بينها مدى مصر، المنبر الإخباري المصري الأكثر استقلالاً ومهنية، حسب تعبيرها، كما أصدرت السلطات قانوناً قاسياً بخصوص المنظمات غير الحكومية، يُجرِّم حزمةً ضخمةً من أعمال المجتمع المدني.
ماذا بعد إغلاق جميع المنافذ السلمية للتعبير؟
تقول نانسي محذرة: "في النهاية ستقودنا جميع هذه الأفعال إلى السيناريو الذي نُحاول جميعاً أن نتفادى حدوثه، خنق جميع المنافذ السلمية للتعبير عن الظلم والتفاعل مع الحكومة".
ولفتت إلى أن الحكومة تدَّعي أنَّها شنت هذه الحملة القمعية كجزءٍ من الحرب على الإرهاب، وكجزء من جهودها لاستعادة الاستقرار والرخاء الاقتصادي. لكنَّها في الواقع محاولةٌ يائسةٌ للتغطية على الانهيار المتسارع للاقتصاد وسياسة الحُكم المُحبِطَة وانخفاض مستويات الأمن. وتقول: "بحسب التقارير الأخيرة، أُبلِغَ عن 795 حادثة إرهابية في مصر عام 2016. وخرجت ثلاث مجموعاتٍ إرهابية للعلن العام الماضي 2016، بينما لا يزال المنتمون لتنظيم (داعش) نشطين في مصر. وتسبَّب الهجوم الأخير للتنظيم على المسيحيين الأقباط الشهر الماضي في زيادة أعداد ضحايا العنف الطائفي إلى 90 شخصاً عام 2017 فقط.
وتضيف: "في الوقت نفسه، أصبحت المؤشرات الاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ. ارتفعت الأسعار على مدار عام 2016، مع معدل تضخمٍ وصل إلى 24% مع نهاية العام. ويعاني العديد من أبناء الطبقة المتوسطة المصريين للحفاظ على مستوى معيشتهم. أما ذوو الدخل المنخفض، فبالكاد يُمكنهم تغطية نفقاتهم".
الفوضى
تقول نانسي عقيل: "لا أحد منَّا يرغب في رؤية مصر تسقط في هاوية الفوضى، لكنَّنا في الوقت نفسه نرفض الجلوس في مقاعد المتفرجين لمشاهدة حالة التدهور المستمرة على يد النظام الحالي".
وشدَّدت على أنه لا يجب على مصر أو المجتمع الدولي أن يتقبلوا الحكمة التقليدية التي تُبرر جميع أشكال القمع والفشل تحت اسم مكافحة الإرهاب، مؤكدة أن جميع التحليلات الجادة تُظهِر أنَّ هذه سياسةٌ فاشلة، يتبعها نظامٌ ليس لديه ما يقدمه.
وقالت: "يجب أن نستمر في توثيق الانتهاكات والضغط من أجل أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم، والأهم من ذلك هو تثقيف أنفسنا وتعلُّم السياسات البديلة ووسائل الحكم الفُضلى. فالمعارضة ليست غايةً في حد ذاتها. بل يجب أن نسعى للتوصل إلى حلولٍ للمشاكل القائمة".
تعود نانسي لمحنتها الشخصية قائلة: "منذ خمس سنوات، شعرتُ بالوحدة والعزلة. ومع رؤيتي للمزيد من أصدقائي الذين انضموا إليّ في المنفى هرباً من الاستبداد المتزايد في بلادنا، أصبح رد فعلي حلواً تعتريه المرارة. إذ أبتهِج برؤية الوجوه المألوفة التي اشتقتُ إليها، من نشطاء وعلماء وفنانين يشاركونني نفس الأهداف والأحلام من أجل مصر أفضل.
وتستدرك قائلة: "وعلى الرغم من شعوري بالارتياح لرؤيتهم في أمان، لكنَّني أحبس أنفاسي عند التفكير في أولئك المحتجزين داخل البلاد في انتظار مصيرٍ تُشير جميع التطورات الأخيرة إلى كونه شديد الخطورة".
وتقول بأسى: "وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، بدأتُ أشعر أنَّ المنفى هو مثواي الأخير، وليس مجرد محطةٍ مؤقتةٍ على طريق العودة إلى الوطن".
وتختم مقالها قائلة: "لا نملك خياراً سوى العمل من أجل مستقبلٍ أفضل لمصر. لم نفقد الأمل تحت حكم مبارك الذي كان العالم كله يدعم نظامه القمعي، ولن نستسلم للنظام الحالي. ونتمنى ألا يتخلى عنَّا العالم أيضاً".