قطر.. قصة شيخين "سروري" و"إخواني" - مقالات
أحدث المقالات

قطر.. قصة شيخين "سروري" و"إخواني"

قطر.. قصة شيخين

كيف اجتمعت شخصية #محمد_سرور الذي عرف من خلال تياره السروري أو ما يسمى بـالسلفية السياسية، مع منافسه يوسف_القرضاوي بجماعته الإخوانية في دولة قطر، رغم ما تمتاز به الشخصيتان من اعتداد وزهو بالنفس، حيث يرى كل منهما في نفسه "مرشدا للأمة" أي بما هو أبعد من الجماعة والتنظيم.

يعد المصري "الإخواني" يوسف القرضاوي الأقدم حضوراً والأكثر تأثيراً في أوساط النخب السياسية القطرية الحاكمة، من زميله السوري محمد السرور الذي شاع فكره في الأوساط الشعبية القطرية.

وفد القرضاوي إلى قطر ضمن موجة النزوح الإخوانية إلى دول الخليج في زمن جمال_عبد_الناصر عام 1961،  ليتحصل لاحقا على الجنسية القطرية.

وكما قال القرضاوي في مذكراته التي نشرها على صفحته الإلكترونية متناولا نشاطه في قطر: "منذ أول خطاب ألقيته  في المدرسة الثانوية بمناسبة انفصال سوريا عن مصر، وكان هذا الخطاب ذا طابع سياسي، كما كان درس جامع الشيوخ ذا طابع ديني، عرف أهل قطر شيئا عن هذا القادم الجديد، وبعد فترة قليلة دعاني الشيخ ابن تركي إلى إحياء ذكرى الإسراء والمعراج في المدرسة الثانوية، كلما جاءت مناسبة دينية أو وطنية أو اجتماعية دعيت إلى المشاركة فيها".

ولم يكن ليمضي أول رمضان للقرضاوي في قطر حتى تمكن من تثبيت أركانه في أوساط النخب السياسية القطرية،  وهي الفئة التي لطالما استهدفتها جماعة الإخوان المسلمين متبعة إرشادات البنا نفسه في ذلك، وكما قال القرضاوي: "فلما جاء أول رمضان علي في قطر دعاني ابن تركي إلى مسجد الشيخ خليفة بن حمد ولي العهد نائب الحاكم المقام أمام قصره الذي فيه سكنه ومكتبه، فكنت أذهب لأصلي العصر بالشيخ، ثم ألقي درساً في تفسير آية أو شرح حديث، أو الحديث عن موضوع معين بمناسبته، مثل الحديث عن غزوة بدر أو فتح مكة أو ليلة القدر (...)، وكان الشيخ خليفة نفسه حريصا على حضوره باستمرار لا يتخلف عنه إلا لمرض أو عذر، وفي هذا المسجد تعرفت على عدد من الأصدقاء الذين كانوا حريصين على حضور الدرس، منهم الشيخ سلمان بن جاسم الذي حضر من أم قرن، والشيخ خالد بن حمد، أحد إخوة الشيخ خليفة الذي توطدت علاقتي به حتى أمست صداقة حميمة، وثيقة العرا، وكان يحضر من الريان القديم".

تابع القرضاوي رئيس الاتحاد_العالمي_لعلماء_المسلمين تباهيه بالحظوة التي امتاز بها عن باقي العلماء القطريين  خاصة والعرب عامة، وبعلاقاته مع المسؤولين القطريين التي عززت من أركانه في قطر قائلا: "كان الترتيب الذي وضعه ابن تركي أن أذهب إلى المسجد نصف الشهر ثم يبدلني ويأتي بشيخ آخر بقية الشهر من باب التنويع، وفعلا بعد أسبوعين أرسل واحدا آخر، وألقى درسا، وفي نفس اليوم اتصل الشيخ خليفة بالشيخ ابن تركي، وقال له: لماذا غيرت القرضاوي؟ قال له: أردت أن أنوع وقال: لا، أنا لا أريد تنويعا، ولا أريد عالما غير القرضاوي"، وعدت ثانية إلى مسجد الشيخ خليفة، ثم تغير إلى مسجد الريان بعد أن نقل الشيخ قصره إلى الريان، وبعد أن أصبح هو حاكم قطر، ثم تغير مسجد الريان إلى مسجد داخل القصر، لا يأتيه إلا الخاصة، بناء على توجيهات رجال الأمن، ولكن بقي حرص الشيخ على حضور الدرس بصفة دائمة، وإنصاته إليه.. وظل هكذا حتى تولى ابنه الشيخ حمد الحكم أي حوالي 36 رمضانا، تخلفت فيها رمضانا واحدا عن هذه الدروس".

الدولة العميقة للإخوان في قطر لم تكن فقط من خلال اختراق الأسرة الحاكمة والتغلغل بين أذرعها وإنما كان أيضا عبر استدعاء القرضاوي نفسه لكافة أصدقائه وزملاء السجن من جماعة الإخوان المسلمين، وتوفير عقود العمل لهم في قطر، تكثف بسببه نشاط ودعوة الجماعة السياسية الحركية من خلال استحواذهم على المناشط الدعوية في المساجد وكذلك في المدارس والكليات الشرعية في الجامعة القطرية قال في ذلك القرضاوي: "كان لي نشاط آخر بجوار درس العصر، هو صلاة التراويح، فقد اقترح الأخ أحمد العسال، وكنا نسكن متجاورين أن أؤمهم في صلاة التراويح بجزء من القرآن كل ليلة، كما كنا نفعل في رمضان الثاني بالسجن الحربي، بحيث نختم القرآن آخر رمضان، وأن تقام هذه الصلاة بالمسجد المجاور لنا، ومعنا بعض الإخوة الأزهريين مثل الشيخ عبد اللطيف زايد والشيخ محمد مهدي والشيخ عبد المحسن موسى والشيخ سيد رجب".

وتابع: "بدأنا الصلاة بصف أو صف ونصف في هذا المسجد الصغير، وما هي إلا أيام حتى ازداد عدد المصلين، خصوصا من المصريين والفلسطينيين والباكستانيين والهنود".

يشار إلى أن من بين الأسماء الإخوانية التي استقطبها القرضاوي، كان حسن عيسى عبد الظاهر، والذي اشتهر ببحثه الذي تناول فيه "أبو الأعلى المودودي" (الأب الروحي لحركات الإسلام السياسي ومنظر مبادئ الحاكمية والجاهلية)، والذي يعد أول بحث عنه بعد وفاته وكان بعنوان" أبو الأعلى المودودي وجهاد نصف قرن في الإسلام".

وكان قد عرف عبد الظاهر الذي استقر به المقام في قطر سنة 1978، بعد اعتلائه منبر جامع إسحاق" وجامع حصة السويدي، حتى توفي بالدوحة في جمادي الثانية 1434.

ولم تكن لتمضي سنوات قليلة حتى بدأت الجماعة بقطاف ثمارها، وذلك بحسب يوسف القرضاوي: "ازداد العدد والإقبال مع بروز الصحوة الإسلامية المعاصرة في أواسط السبعينات من القرن العشرين، فانتقلنا إلى جامع الشيوخ وهو أكبر المساجد وأوسعها".

 

السرورية في المشهد القطري

اشتهر محمد سرور الذي توفي بالدوحة 11 نوفمبر 2016 بالتيار الذي حاول أن يزج بين تيار السلفية والإخوانية القطبية تحت مسمى التيار "السروري" الذي اشتهر به في منطقة الخليج.

صعدت السرورية الحركية في قطر من خلال زيارات سرور المتكررة إلى الدوحة، والتي بدأ بتدشينها في السبعينات الميلادية حتى شاعت وزاحمت جماعة الإخوان المسلمين، وإنما في (الأوساط الشعبية) بحكم العباءة السلفية الأكثر انسجاما مع المجتمع القطري.

عقب انشقاق سرور عن جماعة الإخوان_المسلمين بفرعها السوري، في أواخر ستينيات القرن الماضي، بعد أن انتسب إليها تنظيميا في سنة 19533، دأب وعبر تياره ومدرسته طوال عقود على مزاحمة الجماعة واستقطاب الإخوان خليجياً وعربياً.

اللافت بالأمر أن إطلاق اسم "السرورية" على تنظيم محمد سرور جاء من قبل جماعة الإخوان أنفسهم، فبحسب ما قاله سرور في أحد لقاءاته بدأ إطلاق هذا الوصف على تلامذته من قبل الجماعة على سبيل الازدراء في العام 1968.

ونتيجة لخلافات سرور مع جماعة الإخوان المسلمين وخشيتهم من تمدد تياره في منطقة الخليج، لم يستقر في مكان واحد، فبعد أن خرج من الكويت بضغوط من جماعة الإصلاح الإخوانية، انتقل للعيش في مدينة لندن ومكث فيها ما يقارب الـ 30 عاما، عاد بعدها إلى الأردن عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لينتقل مرة أخرى وبعد عدة أعوام إلى لندن، وفي العام 2010 عاد ليقيم في الأردن لثلاث سنوات قبل أن يختار قطر محطة أخيرة له.

في 2013، استقر محمد سرور بقطر بعد أن قدم من الأردن وبترحيب كبير تم استقباله من قبل المسؤولين  القطريين. لم يكن استقرار سرور في الدوحة وبصفة دائمة في السنوات الثلاث الأخيرة فقط من حياته ليكون عائقا أمام تمدد تياره وترسيخ أركان مدرسته في قطر، وإنما على العكس من ذلك، ظل دور وتأثير سرور في قطر من خلال زياراته المتكررة، وذلك منذ مطلع السبعينات الميلادية، استطاع خلالها بناء قاعدة شعبية عريضة لتياره ومدرسته السرورية بين أوساط المتجمع القطري.

ولاتساع التيار_السروري الذي يعد الأكثر انتشاراً بين أوساط العامة في قطر، وبهدف مغازلة السلفيين في بقية الدول الخليجية من جهة أخرى، أعلن حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق في ديسمبر 20111 عن افتتاح أكبر جامع في الدوحة وإطلاق عليه اسم جامع" محمد بن عبد الوهاب".

هذا الجامع الذي سعت الدوحة من خلال ما أطلقت عليه من اسم التأكيد اتباعها النهج والخط السلفي لم يتول الإمامة فيه غير أعضاء بارزين في جماعة الإخوان المسلمين منهم الشيخ الموريتاني محمد الحسن بن الددو الذي عينته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية خطيبا لجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب في جمعة 6 يناير 2012، إلى جانب الشيخ المصري الإخواني عبد التواب هيكل وأحد الأصدقاء المقربين إلى القرضاوي.

القاعدة الشعبية التي نجح سرور في تحقيقها كانت وبلا شك مثار قلق بالنسبة للقرضاوي الإخواني، فلطالما شكل سرور مصدر قلق لدى جماعته السابقة، إلا أن عزاء القرضاوي نفسه كان لنجاحه ومن معه في الولوج إلى صناع القرار في قطر واختراق مؤسساته كافة.

واللافت أنه على الرغم من أهمية الاسمين في بحر حركات الإسلام السياسي واجتماعهما في ذات المدينة "الدوحة"، إلا أن كلا الرجلين لم يحرص على الالتقاء والاجتماع طوال كل هذه السنين، باستثناء لقاء وحيد يتيم جمع بينهما وبشكل عارض في إحدى المناسبات الرسمية قبل بدء الثورة السورية.

شدة الخلافات ما بين سرور ورفاق الأمس "جماعة الإخوان" سبق وأن تطرق لها في لقاءات متلفزة له جاء منها: "عندما كنت أحارب حربا شديدة من رفقاء دربي لا أقول لك إن الجماعة كانوا شرسين وأنا على مستوى راقٍ ممتاز، كلنا غلطنا على بعض بغض النظر عن حجم الغلط".

هذا ولا يقتصر الجفاء والبرود ما بين الإخوان والسرورية، إلى جذور الانشقاق وتحديد الهوية فقط، وإنما إلى الاختلاف المنهجي الذي استحدثه سرور في مدرسته الجديدة والتي جمعت ما بين السلفية الحركية والقطبية.

فمن جانب تنتقد السرورية بعض التطبيقات الإخوانية والقصور في الجوانب الفقهية والعقدية، منها ما هو متعلق بالمرأة والاختلاط والديمقراطية والعلاقة بإيران، ومن جانب آخر شعور الإخوان أن التيار السروري خرج عنهم، إضافة إلى ما تراه الجماعة في السلفية من جمود وابتعاد عن متطلبات العصر وضرورة تطعيمها بالتصوف.

إلا أنه ونتيجة للمتغيرات والمعطيات السياسية في المنطقة وبالأخص فيما يسمى "الربيع العربي"، اقترب التيار السروري إلى الفكر الإخواني أكثر فأكثر وكان المثال الأبرز في ذلك سلمان العودة، وأحد أبرز تلامذة محمد سرور، حيث قال يوسف القرضاوي في لقاء له لدى سؤاله عن العودة: "من أقرب أحبائي ويعتبرونه على منهج القرضاوي".

قطر والشيخان والثورات

استقرار محمد سرور في الدوحة القطرية في العام 2013 إلى جانب القرضاوي، يأتي في ظل أهمية الرمزين في أوساط التيارين السروري والإخواني، اللذين تمتد أذرعهما في مختلف الدول العربية والإسلامية.

وبهدف فرض الحضور القطري بمختلف الملفات السياسية أمام المجتمع الدولي، عمدت الدوحة إلى توظيف ورقة الجماعات الراديكالية، بفرعيها الإخواني والسلفي الجهادي (السروري)، بما في ذلك تشكيلاتهما المسلحة في مناطق الصراع.

لعب كل من القرضاوي وسرور أدوارا بارزة منذ اللحظات الأولى لبدء الثورات في المنطقة العربية ابتداء بتونس وليبيا واليمن ومصر، المواقف كانت واضحة وصريحة من خلال ظهورهما على مختلف الساحات بالدعم المالي والمشورة وتوجيه الفصائل والكوادر المسلحة في مناطق الصراع.

فبينما شدد القرضاوي في كلمة ألقاها بندوة نظمها الاتحاد في الدوحة في مارس 2013 عن علاقة الحاكم بالمحكوم، على أن ما يقوم به الشباب العربي ليس من الفتنة في شيء لأن الإسلام يأمر بإزالة "الظلم الذي يمارسه الحكام في أبشع صفاته"، مضيفا: "أن الظلم وإضاعة حقوق الناس يجيزان للشعوب الخروج على حكامها".

وقال:" السلفية المتعصبة" والصوفية اتفقتا على تسفيه الثورات العربية عبر الترويج لما سماها "ثقافة سامة تربط الفتنة بالخروج على الحكام".

في المقابل، كان لمحمد سرور أيضا دور بارز في التحريض والتأييد لما وصفه بثورات الشعوب، وكما جاء في لقاء أجري معه في 2011 عبر إحدى الفضائيات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، اختص جزءا كبيرا منه في تحذير السعودية من امتداد الثورات إليها، ومطالبا بالإفراج عن الموقوفين أمنيا على ذمة قضايا التكفير والتطرف. بالمقابل وصف سرور الثورة السورية بكونها إرادة إلهية قائلا: "هذه الثورة أرادها الله تعالى".

كان التنافس ما بين التيارين في سوريا جلياً وواضحاً كما لايزال حتى اليوم، فبينما شكلت (القرضاوية – القطرية) ثقلاً في الائتلاف والمجلس الوطني السوري إضافة إلى علاقات وثيقة مع تيار فيلق الشام في إدلب وريف حلب.

كان تأثير (السرورية-القطرية) ظاهرا على معظم الفصائل ذات التوجه السلفي الحركي كأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرها.

ووفقا لما يراه مراقبون ومحللون، فإنه وحتى حين تطبيق المجتمع الدولي لتحذيراته صوب الدوحة بإيقافها دعم الجماعات الراديكالية، ستبقى قصة شيخين جمعتهما قطر وفرقتهما أطماع السياسة والخلافة، بذرة لولادة جماعة أشد فتكا وتطرفا، أشبه ما يكون بتوأم سيامي مشوه.

العربية نت

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث