غزوة تكفير الأقباط - مقالات
أحدث المقالات

غزوة تكفير الأقباط

غزوة تكفير الأقباط

سحر الجعارة

(والله، والله، والله، إن المشايخ الذين يقولون للمسيحيين واليهود: «أنتم مؤمنون» ضللوهم، وما خدموهم، هيفرحوا منهم الآن ويوم الصراط سيقولون هؤلاء قالوا لنا أنتم مؤمنون، لو قالوا لنا أنتم غلط كنا فكرنا)!!. هكذا أقسم الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، محذرا المشايخ من التقاعس عن حربه المقدسة على الأقباط، أو التخلى عنه فى «موقعة التكفير»!.

ثم غمد «عبدالجليل» سيفه المسمم فى قلوب المسيحيين: (من ناحية العقيدة لازم تعرف إنها «فاسدة»). وتابع ضرباته القاتلة: (يوم القيامة مش كانوا بيقولوا عيسى الله، ينتظروا عيسى بقى يخلصهم)!.

ما الداعى لشن تلك الحرب الهمجية الآن، والرجل كان يفسر الآية 90 من سورة «آل عمران»، على قناة «المحور»، فى برنامجه «المسلمون يتساءلون»، هل هو «تكليف» بإشعال نيران «الفتنة الطائفية»، أم أنه رغبة فى مزيد من الشهرة والثروة، لرجل احترف «بيزنس الفضائيات» بداية من قناة «أزهرى»؟.. أم أنه لم يعد قانعا بكل ما حققه من مكاسب ومناصب وقرر ضرب النظام بأكمله ممثلا فى السعى نحو تشكيل «مجلس قومى لمواجهة التطرف والإرهاب»، وتقنين الفتاوى؟

أم أن بداخله «غلا مستعرا» لأنه لم يحصل على منصب «المستشار الدينى لرئيس الجمهورية»، والذى يشغله الدكتور «أسامة الأزهرى».. أم أن كل العوامل تجمعت ليسقط «عبدالجليل» فى أكثر من جريمة أهمها: (تكدير السلم والأمن الاجتماعيين، وزعزعة الاستقرار، ونشر الفتنة الطائفية).

فبعد إهدار دم المسيحيين، والتحريض على قتلهم بتهمة «الكفر» و«فساد العقيدة» يستمر «عبدالجليل» بكل صلف وتعنت فى بث الكراهية، ويرد على النائب «محمد أبوحامد» مرحبا بمحاكمته بتهمة «ازدراء المسيحية»، معلنا أنه لن يتراجع عن موقفه مدى الحياة: (لن أعتذر عن أن غير المسلمين ليسوا مؤمنين، هذه عقيدة ومستعد أن أدفع روحى ثمنها)!.

ومثل «حية ناعمة» يقول «سالم» إن كلامه لا يبيح «الدم»، وعليك أن تقبل تناقضاته وتطاوله على عقيدة الآخر، باعتبار أن «ثقافة داعش» تنتشر وتتوغل وتصل إليك من كل مكان، مغلفة بسيلوفان (التعايش مع الآخر فى ظل الإنسانية التى تستوعب كفره)!.

لا أريد صب المزيد من البنزين على النار، بذكر تخاريف «سالم» المضللة، ولكن حالة «التربص» بأقباط مصر واضحة، حتى ولو بطرح «خيالات» حول الآخرة، فقد زعم أن سيدنا محمد، «عليه الصلاة والسلام»، سوف يتزوج السيدة «مريم» العذراء فى الجنة، وهى رؤية منسوبة إلى دار الإفتاء المصرية، (الفتوى رقم 37869)، لتلتهب مشاعر الأقباط، وهم ينزعون صفة «البتولية» عن السيدة «العذراء» دون مبرر إلا الطعن فى عقيدة الأقباط.

الغريب أن المجتمع الذى هلل لإقصاء «عبدالجليل» عن المنابر، وطالب بمقاطعة قناة «المحور»، قد أصبح بداخله يتبنى نفس الآراء ويناقشها ولو همسا، من كثرة الإلحاح بها على عقول البسطاء، بدءاً من «شيخ الأزهر» وصولا إلى «عبدالجليل» وبينهما عشرات السلفيين ممن بنوا سمعتهم وشهرتهم على تكفير الأقباط.

لقد أصبحت النزعة لتكفير «الآخر» حتى لو كان مسلماً اجتهد وفكر، بديلاً عن «العبادات»، فالبعض يكذب ويزنى ويسرق ويترك «أركان الإسلام»، ثم يجلس بكل غطرسة وتعالٍ ليردد الآية الكريمة: (إن الدين عند الله الإسلام)، «آل عمران: 19»، مجتزأة من سياقها، وكأنه يكفر باقى الأديان الإبراهيمية التى اشترط دينه الإيمان بها، متناسيا قول المولى تعالى: (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْـزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْـزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) «آل عمران: 84».

فما الذى قدمته أنت للإسلام غير استحلال الأموال والأعراض والأرواح؟.. ما هى «الصورة الذهنية» التى ثبتها عند الآخر؟.. إنها لوحة دموية من القتل والخراب والتنكيل بالجثث وخراب الأوطان وسبى النساء من جماعة «الجهاد» إلى «داعش».

فهل يختلف «عبدالجليل» وجماعته من المكفرين عن هؤلاء؟.. إنهم «الأصل» فى كل الشرور، هم من يتولون غسل الأدمغة، وتخصيب التربة، وجمع التبرعات، ونشر «الدعوة إلى العنف».. إنهم يحددون الهدف وجدول الأعمال وأحيانا التوقيت فلا يتبقى إلا أن يفجر الإرهابى نفسه طمعا فى الجنة التى وعدوه بها.

«سالم عبدالجليل» نموذج فج على اتجار الفضائيات بكل شىء حتى العقيدة، على تسيب الدولة واستهتارها بالأرواح، على غياب الدستور والقانون والعدالة، على فشل المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية فى خلق خطاب دينى معتدل.. وكأنه لوحة رخامية تشير إلى قبر «كانت هنا دولة»!.

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث