بقلم الأخ رشيد
تابعتُ كغيري من المغاربة الصّدمةَ الّتي وقعت للشيخ زغلول النّجار الّذي اعتاد أن يُروِّج لادعاءاته دون رقيب أو حسيب. لكن -لسوء حظِّه هذه المرّة- تصدّى له شبابٌ من خِيرة شباب المغرب الحبيب، فطالبوه بالدّليل والحُجّة. طالبوه بالمراجِع وألّا يُطلق الكلام على عواهنه، فبُهت الشّيخ زغلول ممّا حدث، وأطلق سهامَه تجاه السّائلين مُتّهِمًا إياهم بتُهَم شتّى منها "المُخالَفة للعقل". بعد ذلك تجرّأ أكثر فقال عنهم إنَّهم "حفنة من الأشرار!" في الحقيقة شَعرتُ بالفخر حين تصدّى الطلبة المغاربة لهراء الشّيخ وحين طالبوه بالحُجّة والدّليل على ما يقول. ولعلّي كنتُ من أوائل الّذين أشاروا إلى تعمُّد الشّيخ زغلول النّجار الكَذِبَ في مواضعَ كثيرة سأذكر منها موضعيْن في هذا المقال على سبيل المثال لا الحصر.
واحدة من الأكاذيب الّتي كرَّرها الشيخ النّجّار، مِرارًا وتكرارًا، دون أن يجد من يُوقِفه عند حَدِّه هِيَ حين ادَّعى أن ديفيد بيدكوك رئيس الحزب الإسلاميّ البريطانيّ قال له شخصيّا بأنَّه قد اعتنق الإسلام بسبب سُورة القمر. فحسب رواية الشيخ، كان بيدكوك يُشاهِد برنامجًا تلفزيونيًا يتكلَّم فيه عُلماءٌ من ناسا "اعترفوا" بأنَّهم وجدوا ما يُثبت أنَّ القمر انشقَّ، فانتفض ديفيد بيدكوك وأعلن إسلامه لأنَّه وَجَدَ أنَّ القرآن سَبَقَ وتحدَّث عن ذلك. اتصلتُ بنفسي بالسّيد ديفيد بدكوك هاتفيًّا وسألتُه عن صِحّة ذلك، فاكتشفتُ أنَّ الرّجل يقول بأنَّه لم يدخل في الإسلام بسبب سُورة القمر، بل بسبب عدم وجود الرّبا في الإسلام. كما اكتشفتُ أنَّ الرّجُل لم يُكمِل حتى تعليمه الثّانويّ. وحين سألتُه عمّا يُروِّج له الشّيخ زغلول النّجار فقال إنَّها "كذبة بيضاء"! اتّضح بعد ذلك أنَّه لا يُوجد برنامج من الأساس، ولا وُجود لرواد الفضاء الّذين اعترفوا بهذا الإعجاز، ولا وجود لقِصّة زغلول النّجار أصلًا، فهِيَ قصة مُخترَعة ألفها الشّيخ من الألف للياء، فإذا كانت هذه مُجرَّد كذبة بيضاء، فكيف تكون الكذبة السّوداء إذن؟!
الجميل أنَّ الشّيخ زغلول النّجار يُوثِّق كَذِبَه ويُفصِّله بأدّقِ التّفاصيل في موقعه الّذي تجدونه على هذا الرّابط:
https://goo.gl/NVH9Ra
أمَّا حديثي مع ديفيد بيدكوك فتجدونه في هذا الرّابط:
https://youtu.be/R4Y6kAXjB0M?t=45m59s
الكذبة الأخرى الّتي ما زال يُروِّج لها الشّيخ زغلول النّجار في كُلِّ مكان بما في ذلك في مُحاضرة فاس الأخيرة، هي أنَّه يدّعي أن الدّكتور مُوريس بوكاي أَسلم بسبب اكتشافه أنَّ مُومياء فرعون "مرنبتاح" تدُلُّ على أنَّه مات غَرقًا، وأنَّ بوكاي فَحْصها في فرنسا حين تَمَّ بعث المومياء هناك لإجراء أبحاث عليها، فوجد أنَّ اكتشافه مُطابِق لما قاله القرآن، سبحان الله، الله وأكبر، ولا حَوْل ولا قُوّة إلا بالله! يُمكنكم قراءة مقال كامِل للشيخ زغلول النّجار في جريدة الأهرام المصريّة يُكرِّر فيه نَفْسَ الكلام في نَفْس الموضوع بتفاصيل مثيرة:
http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/11/14/OPIN1.HTM
ويُمكن مُشاهدة ما قاله عن هذه القصة أيضًا في مُحاضرته في فاس حيث أعاد نَفْس الشّيء مع بعض التّوابل: https://youtu.be/7tqs90i41Vo?t=1h14m37s
طبعًا كلام الشّيخ زغلول عبارة عن كَذِب مُركَّب، ولا أدري أيَّ لوْنٍ لهذا الكذب! وإليكم النبأ بالتّفصيل:
أَوَّل أكذوبة أنَّ موريس بوكاي لم يُعلِن إسلامه في أيٍّ من كُتُبِه أو أيٍّ من فيديوهاته على الإطلاق، وأنَّ ادّعاء إسلامه هو مُجرَّد ترويج وتلفيق. لقد كان موريس بوكاي على علاقة بالمملكة السّعوديّة، فبدأ يكتب مادِحًا الإسلام، ولكنه هو شخصيًّا لم يعتنق الإسلامَ في يَوْم من الأيام. كان بوكاي مثل الكثير من الأقلام المأجورة الّتي اشترتها أموال النّفط فصارت بين عشيّة وضُحاها تمدح الإسلام وتُمجِّده دون أن تعتنقه.
أمَّا الأكذوبة الثّانية فهِي أنَّ بوكاي قد أسلم بسبب مومياء الفرعون "مرنبتاح" والغريب أنَّ مومياء مرنبتاح لم تُغادِر مِصر أبدًا، أمّا المومياء الّتي بعثت لفرنسا فهي مُومياء رمسيس الثّاني وليست مومياء مرنبتاح! ولم تُرسَل مومياء رمسيس الثّاني بغرض فحصها وإنَّما بغرض ترميمها بسبب التّلف الّذي أصاب أجزاء منها، ولم يعثر موريس بوكاي فيها على أيِّ شيء يُوحي بغرقِها. أمَّا مومياء مرنبتاح فهِيَ الأخرى لا يُوجَد ما يوحي بموْتِ صاحبها غَرَقًا، بل المُؤكَّد أنَّه مات مَوْتًا طبيعيًّا، وقد فَصَّلتُ الموضوع في حلقة كاملة لمن يُريد العودة إليها على هذا الرّابط وهِيَ بعنوان "موريس بوكاي والشّيوخ": https://www.youtube.com/watch?v=KZqguB9rGFk
لكن زغلول النّجار يستغل فرصةَ أنَّ أحدًا لا يُراجِع كلامَه، فيبيع الكَذِب والوهْمَ للناس في مُجلّدات ومقالات وبرامج ومُحاضرات تُدِرُّ عليه دخلًا وفيرًا حتى صارت هِيَ مصدر رِزقه الرّئيسيّ.
هذه المرّة وَقَفَ بعضُ الطّلبة المغاربة فسألوا الشّيخ، والسّؤال بِدعةٌ عنده لأنَّ الّذي اعتاد عليه الشّيخ هو السّمع والطّاعة، المفروض أن يهزَّ المستمعون رؤوسَهم بالمُوافقة والتّسليم! لا يدري شيخُنا أنَّ عصْرَ التّلقين قد انتهى وجاء عصر المعلومة. اليَوْم كُلّ شيء موجود على الانترنت خُصوصًا على الشّيخ "غوغل". لكن الشّيخ زغلول النّجّار ما زال يعيش في الماضي ويعتقد أنَّه ما زال بإمكانه أن يخدع النّاس دون أن تكون لديهم الجُرأة على مطالبته بالدّليل. لكن هيهات، لقد تغيَّرت الظّروف يا شيخ الإعجاز، ولم يَعُدْ النّاس ينظرون للشيوخ تلك النّظرة القديمة، لم يعودوا يُسمّونهم العلماء، لم تَعُدْ لحومهم مسمومة، لقد اكتشفوا الخدعة فرفعوا عن شيوخ الإسلام الحصانة!
إنَّ ما حَصَل للشيخ زغلول النّجار ينبغي أن يُدوَّنَ بمداد من ماء الذّهب لأنَّه يُعَدُّ الدّليل الملموس على فترة تاريخيّة جديدة في تعامُل الشّباب مع الشّيوخ. إنَّها لحظة تاريخيّة حين يتحوَّل الشّيخ الّذي كانت الجرائد والفضائيّات تُطلِق له العنان لكي يبيع أوهامه، يتحوَّل في لحظة إلى مُجرَّد مادة للسخريّة على مواقع التّواصُل الاجتماعيّ، ومادّة للفيديوهات و"الشّيرات" و"اللايكات". لعلّ الشّيخ لم يكن قد استفاق بعد من هَوْل الصّدمة حين وصف شباب المغرب بأنَّهم حفنة من الأشرار! لعلّه مازال يعتقد أنّ مُعارضيه هُمْ مُجرّد "حفنة" وأنَّهم "أشرار". لا يعلم المسكين أنَّ مُعارضيه بالملايين على الفايسبوك وتويتر، وأنَّهم ليسوا أشرارًا كما وَصَفَهم، بل هُمْ الأخيار بحَقّ لأنَّهم لا يتاجرون بالكَذِب ولا يُسوِّقونه على أنَّه إعجاز. دعوني أقولها صراحة: لقد انتهى إعجاز زغلول النّجّار، وجاء إعجاز الشّباب الأخيار.
About the Author
الأخ رشيد:
إعلامي، وكاتب، درس العلوم الاقتصادية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المغرب، ثم درس الإعلاميات، بعدها حصل على الإجازة في مقارنة الأديان، وحصل أيضا على ماجستير في العلوم السياسية. قدم الأخ رشيد منذ 2006 برامج تلفزيونية، خاصة برنامج "سؤال جريء" الذي تجاوز 550 حلقة، والآن يقدم برنامج بكل وضوح، وكتب ثلاثة كتب لحد الآن: إعجاز القرآن: دراسة وتحليل، داعش والإسلام: من منظور مسلم سابق، مستقبل الإسلام: أركان الإسلام الخفية.