رصيف22:
شهد المغرب في الأيام الأخيرة جدلاً واسعاً بسبب تصريحات منسوبة للوزير المغربي المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بن عبد القادر، زعم فيها أن اللغة العربية "ميتة وليست لغة علم"، وهذا ما دفع بالكثيرين إلى الدعوة لإقالته و"بدء نضال إصلاحي لتعميق عناصر الهوية المغربية".
ونسب للوزير المغربي قوله، في 24 آب/أغسطس خلال لقاء في تطوان (شمال المغرب) حول الإدماج الاجتماعي للشباب، إن "اللغة العربية لغة ميتة لم يتم تحديثها منذ 14 قرناً، ولا يمكننا اليوم استعمالها في تدريس المواد العلمية".
فضلاً عن اعتباره "اللغتين الفرنسية والإنجليزية ‘ثروة‘ يجب توزيعها بشكل عادل بين كل المغاربة".
جدل "الفرنسة" مستمر
جاءت تصريحات بن عبد القادر في إطار الجدل الواسع والنقاشات الحادة بشأن “ فَرْنَسَة التعليم" في البلاد والتي لم ينهها إقرار مجلس النواب المغربي، مساء 22 تموز/يوليو الماضي. والمقصود بفرنسة التعليم مشروع قانون يقضي بتدريس بعض المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية في المراحل التعليمية المختلفة.
وعلى الرغم من دفاع الحكومة المغربية الحالية باستماتة عن "فرنسة التعليم" بداعِ تطوير التعليم وتأهيل الطلاب بشكل أفضل لسوق العمل، وتصويت غالبية النواب على مشروع القانون المقترح لفرضها رسمياً، فإن تصريحات تتضمن مثل هذا التقليل من شأن اللغة العربية التي تعتبر اللغة الأولى للبلاد وفق الدستور المغربي، لم يسبق أن صدرت عن مسؤول حكومي.
دعوات للإقالة والاعتذار
وبرغم أن الوزير بن عبد القادر سعى إلى نفي التصريحات المنسوبة إليه، مشيراً إلى أنه "لم يقل إن العربية لغة ميتة، بل قال إن مناهج تدريس اللغة العربية ميتة"، وهذا ما دحضته مواقع محلية على ألسنة أشخاص حضروا المناسبة التي قيلت فيها، برغم هذا النفي، طالبت المنظمة العربية للتعريب والتواصل المغربية، في 27 آب/أغسطس، حكومة سعد الدين العثماني بإقالة الوزير ودفعه إلى تقديم "اعتذار" للمواطنين "احتراماً لمشاعر المغاربة".
وكانت المنظمة قد اعتبرت، في بيان، تصريح بن عبد القادر "تطوراً خطيراً في مسار التضييق واستهداف اللغة العربية التي هي أهم أساسات الهوية الوطنية، وأهم ركائز الوحدة الوطنية المجتمعية"، مشددةً على أنه أيضاً "أحد أشكال خطابات الكراهية والاستعلاء والتحقير للمواطن المغربي وللغته الوطنية".
كذلك لفتت إلى أن وصف الوزير للعربية بأنها من "الجاهلية تطور غير مسبوق في الحرب على مقومات الأمة وإجهاز على مضامين الدستور، وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان المغربي اللامادية والمعنوية، والتي تندرج ضمن العهد الدولي لحقوق الإنسان، الذي وافق عليه المغرب والذي يُلزم الدول الموقعة باحترام الحقوق اللغوية والثقافية للمواطن".
وأوضحت أن إطلاق هذا الوصف على اللغة التي كتب بها الدستور وتصاغ بها القوانين والتشريعات والقرارات الرسمية "اعتداء خطير تجاوز كل الحدود في إطار الهجوم المتزايد على اللغة العربية من عدد من الفاشلين سياسياً وفكرياً وأيديولوجياً".
"ظاهرة" و"مصيبة"
غير أن مدير مؤسسة إحياء للتنمية الأخلاقية والفكرية المغربية حماد القباج، اعتبر، في 27 آب/أغسطس، إقالة أو استقالة الوزير غير كافية، مشيراً إلى أن الأمر يستدعي جهوداً إصلاحية لتعميق الانتماء لدى المسؤولين والمواطنين على السواء.
وكتب في منشور عبر حسابه على فيسبوك: "المطالبة بإقالة أو استقالة مثل هذا الوزير من حق كل مواطن غيور على هويته يحترم دستور دولته ويحب أن تكون دولة حق وقانون"، متابعاً "سواء ترك هذا الرجل المنصب أو تمسك به... النضال الإصلاحي يجب أن يرصد هذه الظاهرة المصيبة".
وأضاف شارحاً ما وصفه بـ "الظاهرة المصيبة" بقوله إن "نجاح المستعمر (الفرنسي) في صنع نخب تدين بالولاء للغته وهويته ويَضْعُف ولاؤها لهويتها ولغتها... نخب تعشق الكلام بلغته والعيش بنمطه والهيام بثقافته... فإذا ذكرت لغتها وثقافتها وحضارتها تمعّر الوجه واشمأزّ القلب".
وشدد على أن "هذا الصنف المستلَبُ من أهل وطننا يخدم مصالح الخصم السياسية والاقتصادية أكثر مما يخدمها الخصم نفسه، وقد يضر بوطنه ومواطنه في سبيل استفادة الآخر ومصالحه، فهو قد يكره ابن وطنه ويعشق عدو وطنه".
ونبه إلى أن "التفكير الإصلاحي وبناء الوطنية الصادقة يستلزمان وضع حلول لهذه المعضلة، فمجد الأمة وأوطانِها وتحررها وقوتها السياسية والاقتصادية مرهون بوجود قيادات من النخب تقود المجتمع يغلب فيها الولاء الكامل لأركان هويتها الخمسة: الدين والتاريخ والأرض واللغة والانتماء الحضاري".
وسبق أن علق القباج على تصريحات الوزير المغربي، في 25 آب/أغسطس، قائلاً: "لم يؤسفني من حال الوزير أنه مستلَبٌ تابعٌ لدرجة جعل فيها من نفسه خادماً للغة الآخر ومصالح الآخر، كارهاً للغة أمته ووطنه ودولته"، مردفاً "لكنني أسفت للغاية لأن وزير الإدارة المغربية يجهل الحقائق المتعلقة بلغته الوطنية الدستورية".
وتابع: "يجهل أنها لغة حملت العلم للبشرية طوال تسعة قرون (من البعثة المحمدية إلى زمن ابن خلدون)، ونقلت ما سبق من العلوم وطورته وأعادت إنتاجه وولّدت منه وأبدعت واخترعت واكتشفت إلى درجة جعلتها لغة العلم التي يُقتبس منها ويستضاء بها".
وختم: "يؤسفني أن يكون وزير في الحكومة المغربية بهذا القدر من الجهل والاستلاب".