د.إلهام مانع
هذه حكاية حقيقية.
حدثت وتحدث من جديد.
أقصها علَيكما عزيزتي القارئة، عزيزي القاريء، كي نجد لها حلا.
بعض وقائعها دونتها في كتابي القادم، داعش التي فينا، Der Alltägliche Islamismus، الذي سيصدر باللغة الألمانية في الثاني من ابريل القادم.
وبعضها قَصها عَليّ ابَطالها وبطلاتها.
والبعض الأخر تحدثت عنها بعض وسائل الأعلام الأجنبية الناطقة بالعربية.
حكاية من هرب بحثاً عن الأمان خارج وطنه.
منهم من لاذ بنفسه وأسرته بعيداً عن النيران والحروب.
منهم من خرج بحثاُ عن فرصة عمل.
ومنهم من هرب بحثاً عن الأمان الفكري والعقيدي. بحثاً عن أوطانٍ جديدة تقبل بالإنسان كما هو.
في كل الأحوال، عندما خرجوا اختاروا أن يذهبوا إلى بلدان اساسها قيم التنوير والليبرالية الفكرية. احترام الرأي المخالف، واحترام حرية التفكير والعقيدة.
لكن ما يحدث في بعض مراكز اللجوء، وفي بعض مراكز تعليم اللغة للاجئين يظهر أن البعض منهم لا يدرك أن سفره لم يكن جغرافياً فقط. بل سفراً فكرياً وقيمياً.
فمن خرجَ، خرجَ من نطاق فكري لا يحترم حرية العقيدة والفكر والإختلاف إلى نطاقٍ آخر، يؤمن بهذه الحريات ويصونها.
دعوني احَدثكما إذن عمن هربت من منطقتنا العربية، بحثاً عن حرية تصونها من القريب.
ولأن التمييز الذي تعرضت له يتم الترويج له وتبريره بأسم الدين، فإنها وجدت نفسها تطرح الكثير من التساؤلات عن الدين.
لم تجد لها أجابة شافية، فبحثت عن أجوبة اخرى، والنتيجة أنها لم تعد مقتنعة بالدين الإسلامي.
حقها. شأنها. قرارها.
عندما تركت بلدها ظنت أنها تركت القيود الفكرية إلى غير رجعة.
ظنت أنها ستكون حرة.
تقول ما تفكر فيه. كما هو.
لكنها وجدت نفسها مكبلة بتلك السلاسل في تعاملها مع اللاجئين واللاجئات، ممن يدرسن معها في مركز تعليم اللغة.
البلد هي ألمانيا.
واللغة هي الألمانية.
عندما تحدثت عن رأيها في الدين، ثم أخذت موقفاً اعتبره زملائها مناهضاً للدين، بدأت تتعرض إلى مضايقات كثيرة.
معظم من يدرس معها أخذ منها موقفاً معايداً.
يسخرون منها.
يغمزون ويلمزون لها في الطالع والخارج.
ثم تحول الأمر إلى هجوم علني، سموها “الكافرة”. “الملحدة”.
ووصل الأمر ان أحد زملائها هجم عليها وحاول أن يعتدي عليها بالضرب.
كل هذا لأنها قالت إنها لاتؤمن بالإسلام.
والغريب أنهم وهم يهاجمونها، يستمرؤون لعب دور الضحية. هم الضحية في رأيهم، لأنها غير مقتنعة بدينهن، وتقول ذلك علانية.
لم تجد صاحبتنا الحماية التي بحثت عنها.
وجدتها في دولة قدمت لها حق اللجوء فور التأكد من تفاصيل التمييز والأذى الذي تعرضت له في موطنها الأصلي.
وهي نفس الدولة التي تمكنها الآن من إكمال دراستها.
لكن في مركز تعليم اللغة، تلك الحماية كانت قاصرة.
قاصرة لأن المسؤولين والمسؤولات في المركز ليست لديهم خبرة في التعامل مع هذا النوع من القمع الفكري.
الحل كان من وجهة نظرهم هو تحويلها إلى مركز آخر لتعليم اللغة.
والحل يظهر لنا أن المشكلة لم يتم حلها اصلاً.
بدلاً من مواجهة المعتدين عليها، ووضع النقاط على الحروف بشرح واضح أن مثل هذه الأساليب القمعية لا مكان لها في ألمانيا، وأن نفس القيم التي تحمي حقهم في حرية العقيدة، هي التي تصون حقها في الإختلاف، اعتبروا أن إبعادها سيوفر لها الحماية ويهُديء الوضع.
وضع مشابه حدث لمِفكرنا المغربي الشاب قاسم الغزالي هنا في سويسرا. لكن حكاية ماحدث له دونتها في كتابي ومن زاوية مختلفة.
حديثي إذن اوجهه لمن مارس القمع الفكري على صاحبتنا.
أعرف أنهم قادرون وأنهن قادرات على قراءة كلماتي بالعربية.
في الواقع هذا هو السبب في كتابتي لهذا المقال.
أقول لهم ولهن:
كما تُدين تُدان. هناك مبدأ إنساني نجده في كل الثقافات والأديان. عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك. وكما تصر على عقيدتك، عليك إحترام عقيدة غيرك. وما تؤمن به، القيم التي تحملها، شأنك. لا تفرضه على غيرك. فإذا كنت مقتنعاً ان دينك هو الأًصح، غيرك له الحق أن يقول “إن هذا الدين كان سبباً في قهري”.
رأي مقابل رأي. وأن جرحك.
لا احد يقول لك أن تؤمن بما يقوله من يخالفك الرأي.
لكن عليك ان تحترم حق من يخالفك الرأي في التعبير.
وإذا وجدت صعوبة في قبول ذلك، اقترح عليك أن تذهب إلى دولةٍ تطبق معايير القمع الفكري الذي تمارسه على غيرك اليوم.
والمؤلم أنك تعرف كما أنا، أن هذه الدول المستبدة لن تقبلك.
لأن نفس القيم التي تحمي حقك في اللجوء، وحريتك في ممارسة العقيدة، هي التي تصون حق من يختلف عنك.
رجوتك إذن أن لا تكون مستبداً في بلدٍ يحترم حقك في الحرية.
كن إنساناً.