فرنسا والإسلام.. خسائر الجدل - مقالات
أحدث المقالات

فرنسا والإسلام.. خسائر الجدل

فرنسا والإسلام.. خسائر الجدل

باسكال بونيفاس

من التاسع والعشرين من أغسطس إلى الثاني من سبتمبر، عُقد في باريس «أسبوع السفراء» الذي بات موعداً سنوياً تقليدياً في فرنسا، حيث يشكّل هذا الأسبوع مناسبة لإلقاء خطابات مؤطِّرة لسياسة فرنسا الخارجية وعملها الدولي: خطابات لرئيس الجمهورية، ولرئيس الوزراء، ولوزير الخارجية والتنمية الدولية.

فرنسوا أولاند ألقى آخر خطاب له خلال ولايته الرئاسية الحالية. ولئن كانت حصيلته الاقتصادية والاجتماعية موضوعَ خلاف وجدل إلى حد كبير، فإنه مما يُحسب له نجاحه وإنجازاته في السياسة الخارجية، حيث عرف كيف يتعاطى مع الإرهاب والأزمات المختلفة: اتفاق مينسك، مؤتمر المناخ العالمي، التدخل في مالي، المصالحة مع البلدان التي تضررت من أسلوب الرئيس السابق (والمرشح الحالي) نيكولا ساركوزي. وإجمالا، يمكن القول إنه كان كان يبلي بلاء حسناً دبلوماسياً وعسكرياً على حد سواء، عندما تدعو الضرورة. وإذا كان «أولاند» قد استهل خطابه بالإشارة إلى المكانة الخاصة التي تحظى بها فرنسا في العالم، فإنه لم يستمر في الحديث بشكل عام. والواقع أن أولاند لا يحب أبدا أن يحصر نفسه في إطار نظري، ويعتقد أن براغماتيته تحمي حريته، ولكن هذا منعه في الوقت نفسه من رسم صورة شاملة عن فرنسا والعالم.

وهكذا، وعلى غرار ما درج على القيام به منذ 2012، تطرق أولاند للملفات الدولية الكبرى فبدأ بالإرهاب، ثم عرّج على النزاعات المختلفة التي يعرفها العالم: من الحرب الأهلية في سوريا إلى الأزمة الأوكرانية. كما أبدى حزما وصرامة تجاه بريطانيا، حيث اعتبر خروجها من الاتحاد الأوروبي أمراً لا رجعة فيه، وشدّد على ضرورة الإسراع في إتمام الاتفاق حول ارتفاع حرارة الأرض، الذي وُقع في باريس في ديسمبر 2015. وأخيرا، أعطى طابعا رسميا لنهاية المفاوضات حول الاتفاقية العابرة للأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وفي ختام خطابه، قدّم أولاند تقييما عاما لصوت فرنسا في العالم، وهو أمر يبدو مخالفا لما درج عليه، ولكنه قام به لأسباب سياسية داخلية. وهكذا، أشار في خطابه ضمنياً إلى مكانة الإسلام في فرنسا فقال: «إن التخلي عن قيمنا لن يمثل تراجعاً عن دولة القانون فحسب، ولكن أيضاً خطراً بالنسبة لتماسكنا ووحدتنا الوطنية، كما أنه سيشكّل على الخصوص ضرراً بالنسبة لتأثيرنا الدولي. ففرنسا تكون قوية عندما تكون هي نفسها، وليس عندما تتغير. وهكذا، وعلى الرغم من اللاتسامح والكراهية والظلامية، فإن فرنسا لم تتخل عن أي شيء يشكّل هويتها».

صحيح أن كل السفراء الحاضرين تقريباً تحدثوا، سواء في المجالس الخاصة أو العامة، عن الخسائر والتداعيات التي نجمت عن الجدل الذي أثير حول المسلمين، والحجاب، ومؤخراً البوركيني، على صورة فرنسا في العالم، حيث بات يُنظر إلى فرنسا في البلدان الغربية على أنها بلد غير متسامح، بينما بات ينظر إليها في البلدان المسلمة على أنها بلد تسوده الإسلاموفوبيا. ولا شك أن صورة شرطيين حول امرأة ترتدي البوركيني في أحد الشواطئ كان لها تأثير كارثي بشكل خاص، حيث أجمع السفراء، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية، على عواقبها الوخيمة بالنسبة لسمعة فرنسا ومكانتها في العالم.

وفي خطابه الختامي، عاد وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية جون مارك إيرولت لتناول هذا الموضوع فقال مخاطباً السفراء: «إن بعضكم كانوا شهوداً على التأثير المدمر في الخارج للانفلات الذي عرفته حياتنا السياسية. ولذلك، فإنه من الضروري الآن أن نسارع إلى استعادة بعض الهدوء والسكينة.. إن خطر الحظر هو الوصم والتشويه ثم الرفض والنبذ في النهاية. وهذه ليست هي فرنسا! فعندما تنبذ فرنسا، فإنها لا تحل أي مشكلة، وخاصة تلك المتعلقة بالاندماج. كما أنها لا تبقى منسجمة مع نفسها». غير أنه إذا كان لا أحد قد جهر بالأمر وعبّر عنه صراحة، فإن الجميع يعلم أن الانقسام حول هذه النقطة لا يوجد بين الحكومة والمعارضة فحسب، وإنما داخل الحكومة نفسها: بين رئيس الوزراء من جهة، ووزير الشؤون الخارجية ووزير الداخلية من جهة ثانية.

والواقع أنه من المعروف على فرانسوا أولاند ميله للاختصار والتلخيص، غير أنه في ما يتعلق بهذا الموضوع، سيتعين عليه، في حال أثير هذا الجدل من جديد، أن يبت فيه بشكل واضح وعلني حتى يُسمع ذلك بوضوح في فرنسا والخارج على حد سواء.

المصدر: الاتحاد الأماراتية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث