هل نتركهم؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل نتركهم؟

هل نتركهم؟

حلمي النمنم

التكفير ليس حكماً بالرفض والإدانة على عقيدة الآخر أو المختلف فقط، ولكنه حكم على حياته بالإعدام، إذ إن الكافر، من وجهة نظر المكفراتى، جاحد ويجب أن يقتل، وقد يصدر الحكم من المكفراتى على المخالفين له فى الاعتقاد والديانة، كما يفعل الإرهابيون مع المواطنين المصريين المسيحيين، وقد يصدر التكفير بحق من يعتنق نفس الديانة، ولكن يختلف فهمه وتصوره لها عن فهم المكفراتى، وهكذا وجدنا أحد كبار الصحابة، الخليفة الثالث، عثمان بن عفان، الذى تزوج ابنة رسول الله، ولما ماتت تزوج بابنة الرسول أيضاً، وهو من قال فيه الرسول «تستحى منه الملائكة»، قُتل لأن قاتليه اتهموه بالكفر، ومنعوا دفن جثمانه فى مقابر المسلمين، كان عثمان بن عفان، الخليفة الراشد الثالث، وكان جل الصحابة موجودين، وكان لهم رأى مسموع وحجة فى الأمور الدينية، لكن فئة من طالبى المال أو المشتاقين إلى مواقع السلطة كفروه وشنوا بحقه حملة تشويه، ثم حاصروه فى بيته، ومنعوا عنه حتى ماء الشرب، واقتحموا بيته، متسلقين، وطعنوه، ولما همت السيدة نائلة زوجته بالدفاع عنه وحمايته، بتر أحدهم يدها، فضلاً عن تجاوزات أخلاقية بحقها، تحدثت عنها بعض المصادر التاريخية.

جاء بعده الخليفة الرابع- على بن أبى طالب، وهو من هو، ابن عم رسول الله، ورباه الرسول فى بيته، ونام فى الفراش النبوى ليلة الهجرة، معرضاً حياته للخطر، ومع ذلك قتله غدراً عبدالرحمن بن ملجم، لأن عليا بنظر ابن ملجم ومن هم على شاكلته لم يحتكم إلى كتاب الله، وهكذا كفروه ثم قتلوه، وحدث الشىء نفسه، وإن كان بصورة أكثر بشاعة مع حفيد النبى، صلى الله عليه وسلم، سيد الشهداء الحسين بن على، رضوان الله عليه، باختصار حين نكون أمام التكفير، فنحن بالضرورة أمام مشروع قتل وإرهاب، قد لا يمارس المكفراتى القتل بنفسه، ولكن المؤكد أن خلفه ميليشيات أو ذئاب منفردة، سوف تقوم بتحويل فتوى التكفير إلى جريمة قتل.

د. عمر عبدالرحمن كفر نجيب محفوظ، وترك لغيره مهمة التنفيذ، صدرت فتوى التكفير بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وظلت الفتوى قائمة، إلى أن تمت محاولة الاغتيال فى أكتوبر 1994، على يد شاب، تبين أنه لم يقرأ كلمة واحدة لنجيب محفوظ، فقد صدرت إليه الأوامر من جماعته، حدث الشىء نفسه، من قبل، مع د. فرج فودة، سنة 1992.

حتى لو صدرت فتوى مضادة للتكفير، فإنها لا تسقط الفتوى الأولى، إلا إذا كان الشخص نفسه هو الذى قام بالتراجع عن فتواه، أو الجهة ذاتها، لو كانت الفتوى صادرة عن جهة معينة، رسمية أو غير رسمية.

ولعل هذا الإدراك هو ما دفع الأزهر الشريف إلى رفض إصدار فتاوى بالتكفير، حتى لو كانت بحق الدواعش، هم إرهابيون.. قتله، ويحب أن يحاكموا بهذا المعنى، وأن نتعامل معهم على هذا الأساس.

كانت فتاوى التكفير نائمة فى بطون بعض الكتب الصفراء، وتدل على زمن الخوارج وعقلياتهم، مرحلة باتت فى ذمة التاريخ، نتابعها بأسى كباحثين، حتى أطل علينا الإسلام السياسى فى العصر الحديث ممثلاً فى جماعة الإخوان، والتى قام مؤسسها حسن البنا بإنشاء التنظيم الخاص لممارسة القتل وتصفية من تكفرهم جماعته، وكان ما كان من اغتيال أحمد ماهر والخازندار والنقراشى، وصولاً إلى الشيخ محمد حسين الذهبى ومحاولة اغتيال د. على جمعة من جديد.

والآن نحن أمام حالة من المواجهة للإرهابيين، تقوم بها القوات المسلحة وقوات الأمن، وهناك المواجهة الاجتماعية والفنية والفكرية والدينية، ولابد من المواجهة القانونية، بإصدار التشريعات التى تواجه أولئك الذين لا يملون من تكرار تكفير الآخرين، سواء كانوا من المسلمين المخالفين أو غير المسلمين من المصريين، وتبث بعض الفضائيات تصريحاتهم بالتكفير دون رادع من القانون والتشريع حتى يومنا هذا، هؤلاء نعرفهم جميعاً، وقد لا يحملون أحزمة ناسفة ولا يقتلون بيدهم، لكن فتاواهم هى التى تدفع إلى القتل.. فهل نتركهم؟!

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*