ماذا بقي من "القاعدة" بعد 22 عاماً من المواجهة؟ - مقالات
أحدث المقالات

ماذا بقي من "القاعدة" بعد 22 عاماً من المواجهة؟

ماذا بقي من "القاعدة" بعد 22 عاماً من المواجهة؟

منير أديب:

 

مرّت 22 عاماً على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، حيث نجح ما يُعرف بتنظيم "القاعدة" في ضرب برجي التجارة العالميين في نيويورك، فضلاً عن استهداف وزارة الدفاع الأميركية. وبعيداً من تفاصيل ما حدث في هذا اليوم المأسوي، كيف يمكن أن نقرأ السياسات الأميركية في محاربة "القاعدة"؟ وكيف أصبح هذا التنظيم بعد عقدين من المواجهة الأميركية؟

قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان في العام 2001، بهدف توجيه ضربة لـ "القاعدة"، الذي أعلن مسؤوليته عن أكبر عملية إرهابية تعرّضت لها البلاد، ولكنها فشلت في استهداف زعيم التنظيم أسامة بن لادن، إلاّ بعد 10 سنوات من الاحتلال وتحديداً في أيار (مايو) من العام 2011. وما حدث للزعيم الأول للتنظيم حدث لزعيمه الثاني أيمن الظواهري، فالاستهداف حصل في تموز (يوليو) عام 2022.

الولايات المتحدة التي احتلت أفغانستان قرابة عقدين من الزمن، لم تستطع الوصول إلى الظواهري إلاّ بعدما خرجت منكسرة باتفاق مع حركة "طالبان"، التي أسقطت حكمها قبل أكثر من 20 عاماً؛ فمن خلال عملاء واشنطن تمّ تحديد مكان إقامة الظواهري الذي بدأ يتحرّك بأريحية، وهنا تمّ الاستهداف، وهذا فشل أميركي في مواجهة قيادات "القاعدة" يعكس فشلاً أكبر في مواجهة التنظيم، الذي بات الأقوى في قارة أفريقيا.

ويُشار إلى أنّ تنظيم "القاعدة" لم يعترف بمقتل زعيمه أيمن الظواهري، ولم يختر خليفة له، كما أنّ حركة "طالبان" شكّكت في أن يكون الظواهري قد قُتل، أو علمها بوجوده.

كل التقديرات تُشير إلى أنّ تنظيم "القاعدة" بدأ يتصدّر المشهد الجهادي، وأنّه أخطر بكثير من تنظيم "داعش"، الذي تصدّر المشهد الجهادي لسنوات طويلة منذ إعلان دولته في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014، ولعلّ انشغال واشنطن في مواجهة "داعش" أثّر كثيراً على محاربة "القاعدة"؛ ومواجهة واشنطن للتنظيم كانت خجولة، فلا يزال "القاعدة" يملأ السمع والبصر في كل مناطق الصراع الملتهبة.

نجح تنظيم "القاعدة" في توجيه ضربة قوية للولايات المتحدة الأميركية قبل 22 عاماً، استهدف من خلالها برجي التجارة العالميين، كما استهدف مبنى وزارة الدفاع الأميركية، وفي هذا دلالة على محاولة كسر أنف الدولة العظمى، حيث تمّ توجيه الضربة لمصدَرَي قوتها الاقتصادية والعسكرية.

وبعيداً من الألم الذي شعرت به الدولة الكبرى من تنظيم "القاعدة"، أدّى ذلك إلى ردّ فعل تمثّل في غزو كل من أفغانستان والعراق، ورغم ذلك خرجت من الأولى من دون أن تحقّق أي انتصار، سواء على = "طالبان" أو حتى "القاعدة"، بينما كان من ثمار غزوها للعراق نشأة ما سُمّي بـ"الدولة الإسلامية" في العراق، والتي باتت نواة لدولة تنظيم "داعش" في ما بعد. وبالفعل نجح في احتلال مدينة الموصل وإقامة دولة التنظيم، حيث لم تتحرّر المدينة إلاّ بعد ثلاث سنوات وتحديداً في العام 2017، حتى أنّه لم يكن تحريراً كاملاً، إذ بقيت خلايا التنظيم تُهدّد الأمن، ولا تزال حتى الآن.

كانت أحداث 11 أيلول 2001، والتي تمرّ ذكراها الآن، فارقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، التي تغيّرت بطبيعة الحال بعد هذه الأحداث، وبات تقدير وتقييم الأحداث مختلفاً في ما بعد هذا الحدث الكبير، سواء في النظرة لبعض الأنظمة السياسية في المنطقة العربية، أو في استراتيجية التعامل مع التنظيمات المتطرّفة.

ما تعيشه المنطقة العربية من اضطرابات سياسية على مدار العقد الماضي تتحمّل الولايات المتحدة جزءاً من مسؤوليته، وهي التي سعت إلى تمكين التنظيمات الدينية من الحكم في بعض العواصم، اعتقاداً منها أنّ ذلك سوف يقلّل من درجة كراهية هذه التنظيمات لواشنطن، أو على الأقل سوف يُغيّر مؤشر الكراهية والقتال إلى العدو القريب (الأنظمة الحاكمة) في هذه البلدان، بدلاً من العدو البعيد (أميركا).

فالسياسات الأميركية المضطربة في منطقة الشرق الأوسط راهنت على التنظيمات الدينية أو على الأقل استخدمتها، ولعلّها من قبل استخدمت "القاعدة"؛ فقد دعمت المقاتلين العرب أو ما عُرف بالمجاهدين العرب، الذين شكّلوا نواة "القاعدة" في ما بعد، بهدف القضاء على الدب الروسي، القوة العظمى التي كانت تنافسها.

بعد انتهاء هدف واشنطن من الحرب الأفغانية، والتي خسرت فيها روسيا، ظلّ المقاتلون العرب الذين شكّلوا بعدها ما عُرف بـ"القاعدة"، بعدما توافرت معهم ولديهم بيانات لكل المقاتلين أو قاعدة بيانات خاصة بهم، وهنا كانت بداية "قاعدة الجهاد"، المسؤولة واشنطن عن نشأتها، أو لنقل أنّها تشكّلت على عينها.

وبعيداً من الدعم الأميركي لهؤلاء المتطرّفين، والتي لم تستوعب واشنطن خطرهم بصورة كبيرة، لم يكن لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة أي آلية لمواجهة هذا الخطر، سواء بعد انتهاء الحرب الأفغانية أو بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001.

الاستراتيجية الأميركية تحتاج إلى مراجعة في ما يتعلّق بمواجهة خطر التنظيمات المتطرّفة، ومواجهة تنظيم "القاعدة" على وجه التحديد؛ صحيح أنّ تنظيم "القاعدة" لم يسع إلى إقامة دولة له ولن يسعى، فهذا أمر مؤجّل وفق تصورات دينية، وهذا لا يُقلّل من خطره ولا يمنعه، ولكنه يدعونا إلى مزيد من التفكير في خطر التنظيم بعد 22 عاماً من المواجهة المتواضعة والخجولة.

لا بدّ أن تتذكّر واشنطن في ذكرى الألم الذي يُوافق 11 أيلول، أنّ "القاعدة" تُهدّد أمن قارة أفريقيا بأكملها، وأنّ سياستها في القارة لا تدعم جهود مكافحة الإرهاب، وحتى الجهود المبذولة في هذه المساحة متواضعة، ولم تنجح في تفكيك التنظيم أو حتى في القضاء عليه.

النهار

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث