من اليمن، حسين الوادعي يكتب: تأملات حول موقف المسلمين من العلمانية - مقالات
أحدث المقالات

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: تأملات حول موقف المسلمين من العلمانية

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: تأملات حول موقف المسلمين من العلمانية

حسين الوادعي:

 

لماذا يهاجر المسلمون المضطهدون إلى أوروبا وليس إلى أي دولة من الدول الإسلامية؟

إننا نسمع الكثير من الكلام حول مادية العلمانية وتغييبها للجانب الروحي وتحويلها للعالم إلى عالم جاف خال من المعنى والمثل العليا. لكن هل هذا الكلام صحيح؟ أم أن العلمانية “ثورة روحية”تحرر العقل والفكر والضمير؟

كيف نفسر هذا التدفق الإسلامي للعيش في ظل نظام مادي جاف كما يزعمون؟

خلال الأربعين عاماً الأخيرة تجمعت في البلدان الأوربية كافة الاتجاهات الإسلامية من إخوان وسلفيين وجهاديين وصوفيين وسنة وشيعة. وقد أتاحت لها العلمانية الأوروبية أن تمارس عباداتها وتبني مؤسساتها وتمارس نشاطها السياسي بمنتهى الحرية. أي أنها حظيت بكافة الحقوق التي كانت محرومة منها في بلدانها الأصلية.

تعايش المسلمون في أوروبا مع الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها. وكان واضحا أن العلمانية الأوربية لم تقمع الدين أو تعاده أو تحظر عليه النشاطات العامة؛ كما كان الخطاب الديني المتخوف من العلمانية يؤكد مرارا وتكرارا. لكن الذي حصل أن العلمانية أتاحت لكل الزهور أن تتفتح، بشرط احترام الآخرين وعدم محاولة فرض أي رأي بالقوة.

رغم ذلك، لم يغير الخطاب الإسلامي موقفه من العلمانية!!

لنا أن نتخيل كيف كان سيكون حال المسلمين لو كانت الدول الأوروبية تتبنى المسيحية كمبدأ رسمي وترفض مبدأ العلمانية وتقمع أي ممارسة علنية لأي ديانة أخرى غير الديانة الرسمية وتنظر لأبناء الديانات الأخرى باحتقار أو كمواطنين من الدرجة الثانية

لقد صاروا ينعمون يوميا بالحريات الدينية في الإطار العلماني، بينما كانوا مقموعين ومحرومين من أبسط حقوق التعبير في الدول التي تصر دساتيرها على أن «دين الدولة هو الإسلام». ومع هذا، لا زالوا يتغنون بالدولة الدينية ويلعنون العلمانية وويلاتها!!

كانت الحقيقة واضحة وبسيطة؛ فالعلمانية هي التي جعلت الأقلية الإسلامية أقلية مرفهة ومتمتعة بالحقوق الأساسية للمرة الأولى في تاريخها.

لكن المثير للدهشة أن المسلمين في أوروبا يثورون ضد المبدأ الذي كفل لهم الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية، ولا زالوا يلعنون العلمانية وهم يعيشون ويعملون ويبنون مساجدهم ويصلون ويتزوجون ويمارسون السياسة تحت مبادئها المتسامحة.

ولنا أن نتخيل فقط كيف كان سيكون حال المسلمين لو كانت الدول الأوروبية تتبنى المسيحية كمبدأ رسمي وترفض مبدأ العلمانية وتقمع أي ممارسة علنية لأي ديانة أخرى غير الديانة الرسمية وتنظر لأبناء الديانات الأخرى باحتقار أو كمواطنين من الدرجة الثانية غير مرغوب فيها في كل الأحوال.

تتجلى أبرز جوانب الثورة الروحية للعلمانية في تمييزها بين حياة الإنسان الخاصة التي يحق له أن يعيشها كما يشاء، وهي تتعلق غالبا بالأشياء التي يختلف فيها مع الآخرين (المعتقدات والقيم والديانات)؛ وبين بعده العام كمواطن، وهو البعد الذي يتعلق بما هو مشترك بين الجميع (المواطنة والمساواة).

هذا الفصل هو الذي يجنب المجتمع مخاطر القمع وفرض الآراء والمذاهب والديانات. وهذا يثبت لنا أن العلمانية ليست «اللادينية»، ولكنها «الحيادية الدينية» في التعامل مع كل المذاهب والانتماءات الدينية والسياسية على قدم المساواة، والحياد تجاهها دون تعصب أو انتصار لمذهب على آخر.

رغم ذلك، لا زالت العلمانية كلمة ملعونة في القاموس الإسلامي، وهذا الموقف جدير بالتامل والبحث. فلماذا يكره المسلمون الغرب والعلمانية الغربية ولكنهم يستميتون للعيش في ظلالها؟

هذا هو سؤال المليون دولار كما يقولون!!

والسؤال يتحول الى صرخة احتجاج في ظل سقوط الوطن تحت ضربات ميليشيات الطوائف وحركات الهويات الدينية المغلقة.

ماريانا

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث