" مبادئ الجمهورية" الفرنسية.. بين حماية المسلمين والتعدي على حقوقهم "خيط رفيع" - مقالات
أحدث المقالات

" مبادئ الجمهورية" الفرنسية.. بين حماية المسلمين والتعدي على حقوقهم "خيط رفيع"

" مبادئ الجمهورية" الفرنسية.. بين حماية المسلمين والتعدي على حقوقهم "خيط رفيع"

الحرة / خاص - دبي:

 

بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا، وموجة المواقف المتبادلة بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ودول إسلامية عدّة، أقرت الحكومة مشروع قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، وسط مخاوف وشكوك حول إمكانية استغلاله لقمع المسلمين في البلاد.

القانون الذي حمل إسماً عاماً بعض الشيء، كان معروفاً بـ"مكافحة النزعات الإنفصالية"، ومن ثم عُدّل بـ "النزعة الإسلامية المتطرفة"، ليصل إلى عبارة لا تستفز الرأي العام الإسلامي، لاسيما بعد حملة المقاطعة التي تعرضت لها فرنسا، بعد خطاب ماكرون للتنديد بحادثة مقتل المدرس الفرنسي، صامويل باتي، والتي اعتبر فيه أنّ "الإسلام يمرّ في أزمة".

"ليس ضد الإسلام"

ودافع رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، عن  القانون الذي يلقى بعض الانتقادات الحقوقية والدولية، أبرزها من تركيا التي تعارض القانون بشدة، ومن المبعوث الأميركي للحرية الدينية، سام براونباك، الذي أعرب عن قلقه بشأن طابعه "القمعي".

وقال كاستيكس، بعد اجتماع مجلس الوزراء، إن "هذا القانون ليس نصاً ضد الأديان ولا ضد الديانة الإسلامية بشكل خاص"، مؤكداً أنه "وعلى العكس قانون للحرية وقانون للحماية وقانون للتحرر في مواجهة الأصولية الدينية"، بحسب وكالة "فرانس برس".

مضمون مشروع القانون

ويتضمن مشروع القانون حوالى 50 بنداً، أبرزها التشدد في فرض قيود على ما يتم نشره عبر الإنترنت من خطابات تتصف بطابع الكراهية، فضلاً عن حظر المدارس "السرية" التي تروج لـ"أيديولوجيا متطرفة" مع فرض قيود على التعليم في المنازل.

وشدد القانون على شروط الشفافية المالية للجمعيات الإسلامية، بما فيها ضرورة قبول هذه الجمعيات لـ"قيم الجمهورية الفرنسية" قبل حصولها على أي تمويل، فضلاً عن تغريم الأطباء في حال أجروا اختبارات كشف عذرية للفتيات، ورفض منح الإقامة للمرتبطين بأكثر من زوجة.

ظروف إقراره 

وتم إقرار مشروع القانون بعد مقتل باتي، وثلاثة أشخاص في حادث طعن منفصل في كنيسة بمدينة نيس، فضلاً عن إصابة شخصين بجروح بحادثة طعن بالقرب من مكاتب مجلة شارلي إيبدو

ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، يأتي المشروع استجابة لمخاوف الفرنسيين من عمليات إرهابية ينفذها إسلاميون متطرفون. كما أوضح فردريك دابي من معهد "إيفوب" لاستطلاعات الرأي، أنّ  "87  في المائة من الفرنسيين يعتبرون أن العلمانية مهددة و79  في المائة منهم أن التطرف الإسلامي أعلن الحرب على الفرنسيين".

شكوك ومخاوف

ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن إمام مسجد مدينة ليون الفرنسية، كامل قبطان، قوله "لا ثقة لدي، مفهوم الانفصالية مزعج للغاية، من الذي ينفصل، نحن نسعى إلى الإندماج، هناك عواقب لقانون يتناول الإكراه أكثر من الدمج".

وشدد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، محمد الموسوي، وفقاً للصحيفة، على "عدم اتخاذ أحكام مسبقة بحق المسلمين وخلط الدين بالسياسة، في وقت نلتزم فيه بقوانين الجمهورية".

وكان وزير الداخلية، جيرار دارمانان قد أعلن عن حملة لتفتيش حوالى 76 مسجداً في فيديو نشره عبر حسابه في موقع "تويتر"

بدوره، شدد الصحفي الجزائري، المقيم في فرنسا، علاء الدين بونجار، في حديث لموقع "الحرة"، على أنّ "حصر مبادىء الجمهورية وتعزيزها على مبدأ العلمانية وحصره على مغالات وانحراف ديانة بعينها وهي الإسلام،  قد يؤدي إلى تجاوزات وعدم وضوح وقعت فيه الحكومة الفرنسية خلال تخبطها في تسمية القانون".

ولفت بونجار إلى أنّه "في فرنسا قوانين عدّة تتحدث عن التطرف الإسلامي، الجهادية، الأمر الذي يطرح التساؤل حول السبب وراء وجود قانون خاص يتحدث عن الممارسات الإسلامية"، وسأل: "ما علاقة تعدد الزوجات بالإسلام السياسي أو التطرف الإسلامي؟ قد يكون الشخص متزوجاً من أكثر من إمرأة وغير متطرف".

"قانون خاص بالإسلام والمسلمين"

واعتبر أنّه "في حال تم إقرار القانون بشكل كامل، فنحن أمام نصوص خاصة بالإسلام والمسلمين، ما يفتح المجال للاعتبارات الشخصية والتجاوزات"، متسائلاً "كيف يمكن التفريق بين شخص يمارس دينه بإيمان وبين شخص لديه مشروع إسلامي متطرف؟ خيط التفرقة رفيع جداً، وهنا تكمن خطورة تسهيل استهداف المسلمين".

ودعا بونجار "الحكومة الفرنسية إلى سنّ قوانين لجميع المواطنين، ومن غير المنطقي وضع قانون ينظم حياة المسلمين والإسلام، وكأنّ الفرنسييين المسلمين أو من أصول عربية، هم من الدرجة الثانية"، مضيفاً أنّ "العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، وبالتالي لا يحق للدولة التدخل في تنظيم الديانات".

لا داعي للخوف

في مقابل المخاوف التي تحدث عنها بونجار، شدد رئيس منتدى أئمة فرنسا، حسن الشلغومي، على أنّ "الخوف من مشروع قانون تعزيز مبادىء الجمهورية في غير محلّه، ولا داع له، إذ أنّه يضرب مبدأ المظلومية الذي يعتمد عليه بعض المسلمين والخطباء، وبالتالي  من يخشى القانون هم أتباع التطرف والإرهاب".

واتهم "تركيا بقيادة حملة لضرب الرئيس الفرنسي"، وقال: "الدستور الفرنسي يحمي حرية العبادة والاعتقاد والمسلم المؤمن لا يخاف القانون".

وعن البند الذي يكرسّ حظر تعدد الزوجات في مشروع القانون، قال الشلغومي: "من غير المنطقي تحميل الحكومة الفرنسية نفقات أطفال من زيجات عدّة".

حقوق المهاجر

كما  أكّد الباحث الحقوقي، المقيم في فرنسا، أيمن عبد النور، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "الصيغة النهائية لمشروع قانون مناهضة الإنفصالية وتعزيز قيم الجمهورية تؤكّد أنّه جاء لحماية العلمانية، إذ ذكر في البند الأول منه أنّ قيم الجمهورية هي الأساس وتعلو فوق الأديان".

وأضاف: "لا يمكن لمهاجر في فرنسا أنّ يطالب بتغيير قوانين وقيم البلد الذي يستضيفه، لاسيما إذا وصل حديثاً ولم يندمج فيها ولم يتعلم لغتها حتى"، مشيراً إلى أنّه "بموجب القانون، كل شخص يحرّض ضد دين أو عرق معيّن، تتم معاقبته، وبالتالي الخوف من القانون يجب أنّ يكون لدى من ينشر أفكارا عدائية متطرفة".

ولفت إلى أنّه" لا يوجد استهداف للإسلام ولا حتى لأي دين آخر"، بل هناك تكريس مبادىء الدولة فقط".

وعن تسمية القانون، أقر عبد النور أنّ "المشروع تضمن خطأ في البداية، فمن غير المنطقي وجود عنوان حول أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية ولكنهم من دين أو عرقية معيّنة"، مشدداً على أنّ "إزالة كلمة الإسلام أو المسلمين من اسم القانون لا علاقة له بمواقف الدول العربية والإسلامية، بل جاء بتنسيق مع المجلس الإسلامي الفرنسي لضمان عدم اتخاذ حكم سلبي منه قبل قراءته".

"قانون يحمي المسلمين"

كما ربط الباحث الاجتماعي، المقيم في فرنسا، محمد مشيك، في حديث لموقع "الحرة"، مشروع القانون بالأحداث الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا، قائلاً إنّه "منذ عام 2015 إلى اليوم، سقط أكثر من 250 قتيل في فرنسا بسبب هجومات إرهابية متطرفة تدعّي الإسلام"، معتبراً أنّ "هذا السيناريو خلق ضغوطات من اليمين الفرنسي على الحكومة لوقف نزيف الدم، والعمل على طرد الراديكاليات الاسلامية والجمعيات المتطرفّة".

وأضاف أنّ "هناك جمعيات متطرفّة تعمل من دون رقابة وتجلب الشخصيات المتطرفّة الى المساجد، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز دور الجهادية السلفية، التي ساهمت في ازدياد العمليات الارهابية من حادثة شارل ايبدو إلى ما بعد قتل مدرّس التاريخ".

وأعرب مشيك عن تأييده لـ"أي قانون يحمي المسلمين وتحريرهم من قبضة المتطرفّين لأن الأكثرية من المجتمع الإسلامي في فرنسا يريد عيش حياة كريمة محترمة، وتحت سقف قانون الجمهورية الفرنسية".

غايات إنتخابية

سياسياً، قال بونجار: "قد يكون هذا القانون لخدمة حسابات سياسية شعبوبية وحتى انتخابية"، موضحاً أنّ "ماكرون انتخب على أساس برنامج ليبرالي ولكن مع ممارسة الحكم انحرف خطه يميناً، واقترب من اليمين المحافظ الشعبوي بغرض استمالة جانب من ناخبي اليمين الذين يحبون الحديث عن الأمن والعلمانية، والأجانب والإسلام، فجميعها مواضيع كان يحتكرها اليمين المتطرف".

وأضاف أنّ "للعهدة المقبلة ماكرون مضطر للاستمرار في خط اليمين المحافظ، لأنه قطع كل تواصل مع اليسار ومبدأ الوسطية الذي أوصله إلى الحكم .

وحذّر إمام الجامع الكبير في باريس، المحامي شمس الدين حافظ، من أنّ "قانون الانفصالية قد يكون مجرد مسألة انتخابية"، مشدداً على أنّ "المسلمين لا يريدون أن يكونوا رهائن لوضع الأقلية الواقعة في فخ الطائفية والمنعزلة"، بحسب صحيفة "لوفيغارو".

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث