سامي لبيب:
نعيش فى وهم إسمه الحضارة الإسلامية القديمة وكيف كانت ثرية وعظيمة وارفة الظلال ولا أعرف ماذا يعنى أصحاب تلك المقولة سوى أنهم يروجون لأكذوبة كبرى لم تحمل أى تمظهر يدل عليها بل بالعكس سيكون حضورها وإستقرارها مدعاة للسخرية والجمود والتخلف .
- الغزو الإسلامي عندما غزا مصر والشام والعراق لم يكن يحمل معه إلا السيوف والدروع ومقاتلين على ظهور الخيول فمن أين جاءت الحضارة الإسلامية ؟! فلم نرى الغزو مصاحباً معه أو لحقه مجموعة رائعة من العلماء والمفكرين والفنانين , ولم نرى تقنيات ورؤى ونظم متقدمة صاحبت الغزو وأضافت شئ للشعوب التى تم غزوها كما فى الحملة الفرنسية على مصر التى لم تتجاوز الثلاث سنوات فقد حمل الفرنسيون معهم علماء وتقنيات كالطباعة وتركوا ورائهم فك شفرة اللغة الهيروغليفية وكتاب وصف مصر وبالطبع لم يكن هذا لجمال عيون المصريين ولكن لتسهيل غزوهم ومأموريتهم العسكرية .
لنسأل ثانية : هل إستحضر الغزو الإسلامى لمصر أى مظهر من مظاهر العلم والتطور والتقنية والفنون سواء فى قدومه أو عند إستقرار أحواله .
- العاشقون لتراثهم يحاولون ترويج مقولة الحضارة بوجود حياة ذات مقومات وسمات حضارية بعد الغزو الإسلامى وهؤلاء الساذجون هم متغافلون عن أن شعوب هذه البلاد تمتلك مقومات حضارية فلم يهاجر شعب مصر تاركاً وطنه للغزاة بل ظل الصانع والزارع والمبدع والفنان المصرى متواجداً منتجاً ولم ينسى صنعته وحرفته وفنه وتراثه الحضارى الضارب فى أعماق الأرض ليبدأ التعلم من الغزاة الذين لا يمتلكون شيئا فى الأساس ليقدموه .. ظل الفلاح المصرى يزرع ويحصد وظل الصانع يصنع ويبنى وبقى الفنان ينتج فنا فهم ليسوا بحاجة لأحد أن يعلمهم وخصوصا أن الغازى الوافد فى حالة إفلاس وخواء ولا يعلم من أمور الزراعة والصناعة والإبداع شيئا .
- نجد مثال الفنان المصرى الذى أنتج أعظم فنون الرسم والتصوير والنحت والعمارة منذ فجر التاريخ فأدواته حاضرة وتمرسه فى فنه ليس بمُستحدث فهو يمتلك أدواته وخبراته ليأتى الغزاة ويحجموا هذه الطاقة الفنية الرائعة من ثقافة شعب ويحرموا أى تعاطى مع أى مظهر من مظاهر الفنون ويضطهدوا المبدعين تحت دعوى أن التصوير والنحت حرام , فلا يجد الفنان المصرى إلا الرضوخ أمام القوى البدوية الغاشمة ولكن فى أعماقه فن يريد أن يظهر فيحصره فى رغبات الغزاة فيتحايل ويقدم فن الزخرفة لينال رضاهم ويعبر عن موهبته .
من أسوأ تمظهرات الغزو الإسلامى لمصر أنه قضى على إبداع وفن وأصالة شعب احس وأدرك لغة الخط واللون لينتج فناً مازال يلقى هوى وعشق أصحاب الذوق التشكيلى بينما الأحفاد الآن يكاد ينقرض فيهم هذا الحس الفنى الجمالى فلم يعد يتذوق الفن التشكيلى وليرسم أطفالنا رسومات ساذجة وبشر كعلب السردين فقد ضاع الحس والرقى التشكيلى لحضارتنا المصرية القديمة وحل مكانها التحريم والإستهتار بالفنون .
- المصرى هو الذى زرع وطور زراعته وصناعته ومعماره بخبراته المختزنة فى داخله , فالذى بنى وشيد وصنع هو مصرى يحمل فى أعماقه وذاكرته ميراث من الفكر والمعرفة فلم يجد صعوبة أن يكمل ويستمر ويطور حسب ميراثه من الخبرات والتجارب ولكن مع إستمرار القهر والسحق الإسلامى للحضارة تضاءلت وإنقرضت روحه الإبداعية لنصل لما نحن فيه الآن .
- يتم إنساب حضارة شعب إلى الغازى تعسفاً وزوراً بلا أى بادرة واحدة تعطينا أن القادمين من الصحراء حملوا معهم أى خبرات فى الزراعة والصناعة والفنون .. لم نرى عالم واحد قادم من جزيرة العرب بل كل من يصنفوهم بعلماء الحضارة الإسلامية هم مواطنون من ذات البلاد الوارثة لإرثها الحضارى .. لم نشهد إبداع وإبتكار واحد تم تقديمه من الغزاة ليضيف للمصريين بل بالعكس كان حضور الغزاة وإستيطانهم فى مصر مدعاة لأن يتسلل نهجهم وثقافتهم البدوية الرافضة للتغيير والداعية للسكون والإنبطاح وعدم إعمال الفكر إلى جمود حضارة المصريين وإنقراضها .
- التعسف فى إستخدام اللغة العربية والمحو المجحف والقاسى للسان المصرى ولغته هو إلغاء هوية شعب لم يستطع أى مستعمر وغازى أن يمارسه على مدار التاريخ , ومن هنا لنا أن ندرك خطورة وبشاعة هذا المسخ والسحق للهوية المصرية وسرعة إستجلاب التخلف لشعب مصر ., فأن تلغى لغة ولسان شعب وتمحيها فأنت تمحى ثقافته وتلغى تاريخه ووعيه من الذاكرة وهذا ما حدث بالفعل لتجد شعب فقد ذاكرته ليلغى مع تأصيل اللغة الجديدة أى إرتباط له بماضيه وتاريخه وتجاربه وخبراته القديمة .
تعالى انظر إلى شعب مصر حالياً لتجده على جهل مطبق تماما بتاريخه القديم وهذا الشأن تم تأسيسه مع بداية الغزو الذى ألغى من الذاكرة بالتدريج اى علاقة بتاريخه القديم بل إزدراه وتنصل منه , والتاريخ هنا لم يكن أحداث وذكريات بل علوم وفنون وصناعة وعمارة وفلك وطب وتراكم خبرات ليتخلف المصريين ويبدأوا المشوار من الأول , ولكن للأسف فالقادم الغازى لم يقدم شئ لذا عليهم أن يجتروا من إرثهم أو يبدأوا من جديد فى مناخ مفلس ألغى حرية التفكير والإبداع .
- هل لنا أن نتوقف مليا أمام مسخ الثقافة والهوية المصرية بكل بشاعة فماذا يضير الغزاة العرب من إحتفاظ المصريين بلغتهم ولسانهم ؟ ,فليس من الضرورة أن تكون مسلماً وأن يكون لسانك عربياً , ولكنه ذكاء وخبث الغزاة فليسحقوا الهوية المصرية ويمسخوها مسخ كامل حتى لا يكون هناك أى صلة بالتراث الثقافى القديم وتتهيأ الشخصية المصرية بالخضوع والإنبطاح أمام ثقافة جديدة على أطلال ثقافة وحضارة قديمة تم مسخها وتشويهها بكل إجرام وشراسة .
* إزدواجية لا تخلو من زيف .
- عندما نتناول الغزو العربى الإسلامى سنتلمس تعاطينا الفاسد فى قراءة التاريخ .. فنحن إما لم نقرأه ولا نعلم عنه شيئا ً أو إنتقل إلينا من النخب المثقفة المؤدلجة مشوهاً بغلاف من الزيف والمزاجية فى تقديمه ليتشوه الوعى ويترسخ فيه أن الفساد والقبح يمكن أن يكون صلاحاً وجمالاً فقد إختلت البوصلة !
نحن عندما نُقيم أى غزو إستعمارى لبلادنا على مر التاريخ قديماً أو حديثاً فمن المؤكد أننا نستنكره وندينه ونستقبحه كونه صاحب أطماع توسعية مارس معها الهمجية والقسوة وإغتصاب الحقوق ولنا كل الحق فى أن نعتبره همجى وذو أطماع وهيمنة , ولكننا فى ذات الوقت لا نعتبر الغزو الإسلامى لمصر والشام والعراق والمغرب إستعماراً بل "فتحاً مبينا ً" نشيد به ولا نتورع عن إقامة إحتفالية له فى ذكراه , بل نطلق أسماء الغزاة على أبنائنا وشوارعنا ومياديننا ومدارسنا مانحين إياهم أكاليل المجد والفخار .. فلماذا لا نقيم نفس هذه الإحتفالية للغزوات الإستعمارية السابقة أو للغزو الامريكى للعراق فعلى الأقل هم رحلوا .!!
- نحن نمتلك هذه الإزدواجية الغريبة التى تجعلنا نقبل حدث وتاريخ بشع هنا ونرفض حدث بشع هناك فلا نُقيم التاريخ برؤية ومسطرة واحدة , لذا من لا يقرأ التاريخ ويقيمه تقييماً صحيحاً فقد سمات التجربة ووقع فى معايير مغايرة لتتشوه الصورة فى النهاية مُنتجة حالة من الإزدواجية والتشوه الفكرى تمنح حالة متخلفة بالضرورة فقد إنقلبت الصورة وإختلت المعايير وتشوهت منهجية البحث .. لنجد أنفسنا أمام منهج تفكير فاسد عشوائى إزدواجي النزعة ضل بوصلته ليفقد التاريخ معناه ويخرج الإنسان من الباب الملكى للحضارة لتتولد قدرة غريبة على تجرع ذل الحكام ولعق نعالهم طالما هم على نفس هويتنا الدينية !
- المقدس هو إشكالية ثقافتنا البائسة فنحن نطوع وعينا وإدراكنا وفق نهج المقدس فلا نتجاوزه ولا يقف تقديسنا للمقدس عند حد النصوص بل من فرط انبطاحنا أمامه قدسنا شخوص وأحداث وتاريخ !! فالغزو العربى الإسلامى لبلادنا أخذ مسحة من المقدس فمر بتجربته الدامية وأصبح مقبولاً بدلاً من أن يُدان كما ندين الغزو الرومانى والتتارى والإنجليزى والفرنسي والأمريكى الذي إستعمر بلادناً قديما وحديثاً فنمجده ونستطيبه ونمجد الغزاة من أمثال عمرو بن العاص ومعاوية وخالد بن الوليد وتلك القافلة من الغزاة الأوائل ولا مانع أن نطلق أسمائهم على أبنائنا ومدارسنا ومعاهدنا وشوارعنا .!
عدم القدرة على تجاوز المقدس والتعاطى معه بعقلية متفتحة جعل التصلب والتحجر هو نصيبنا فى الحياة فلا تسأل لماذا نحن متخلفون فنحن نفتخر بجلادينا ومغتصبينا لأنهم يحملون نفس هويتنا .!
- عدم التقييم الموضوعى والمصداقية والشفافية فى التعاطى مع التاريخ يجعل بنية التخلف قائمة وقادرة على إنتاج نفسها فنستقبل أى منهج أوحاكم مُستبد طالما يتلحف بالمقدس ويستثمر الراية والهوية لنستعذب الطغاة دوماً ويخرج علينا من يروج لهم ويحثنا عن عدم الخروج عن طاعة الحاكم .
عندما يُحتفل ويُحتفى شعب بمستعمريه ويمجد سيرتهم فلن يكون صعباً عليه أن يَحتفى بطغاته , ولا تكون مشاهد الإحتفالات الصاخبة بعيد ميلاد صدام حسين والقائد الفاتح معمر القذافى وجمال عبد الناصر بمشاهد غريبة وشاذة صعبة التفسير فنحن تجرعنا بنشوة تاريخ المستعمرين والطغاة الأوائل وإعتبرناهم أبطالاً , فماذا نتوقع بعد هذا الإعداد فى مركز تدريب الخضوع والإنبطاح أن نفعل , فلم يعد هناك مصداقية أو وعى .
- قد يقول قائل مازال يعيش فى بانوراما المقدس أن الغزو الإسلامى لبلادنا كان يحمل رسالة نبيلة فى نشر الدين الإسلامى الذى ننعم به لنسأله هنا عن منطقية قبول أن يتم نشر فكرة ومعتقد عن طريق الغزو والحرب والقهر .. فإذا كنا بصدد رسالة أو قضية فكرية تريد الحضور والإنتشار فما معنى غزو البلاد وشن الحروب وقتل البشر وسبي النساء كى يؤمنوا !!.. فالإيمان فكرة تريد القبول بحرية وبدون قهر وإلا فقدت مصداقيتها ومعناها لتتحول من فكرة إلى مصالح وغايات تتلحف بالمقدس .
لن تجد فى مقولة أن هذا العصر كانت سماته إنتشار الأفكار قسراً وقهراً لها منطقية وتبريراً مقبولاً لأن التاريخ لا يمنح هذا الإدعاء أى مصداقية , فسنجد فلسفات وأديان ونحل إنتشرت من قديم الأزل دون أن يحمل أتباعها سيوفاً ودروعاً وإذا كان هناك من فعل فلا يجب أن تتكأ رسالة إلهية على هذا النهج المُفعم بالقهر .
إذا كنا لا نقبل بفكرة نشر الأديان والمعتقدات تحت أسنة الرماح ونرى قبحها فى واقعنا المعاصر فبالضرورة يمكن إسقاط هذا الأمر قديماً فنحن أمام فكرة إيمانية تطلب قناعة الإنسان بحرية دون قهر سواء حديثاً أو قديما ً .
* لمحة تاريخية عن الغزو الإسلامى وإفلاسه من الحضارة والتحضر .
- الإدعاء الذى يتستر به الغزو الإسلامى وراء عباءة نشر الدين غير صحيحة ومزيفة , فلا الغزاة يعنيهم قضية نشر الإسلام بل هى يافطة فقط للغزو والنهب كما رفع الأمريكان بيافطة مقاومة الإرهاب عند غزوهم للعراق لتخفى مصالح إستراتيجية محددة .. من خلال بحثنا هذا سننقب فى كتب التراث والتاريخ لنبدد هذه الفكرة المغلوطة ونكشف أن الغزو كان إستعماريا ناهباً بإمتياز .
- لن يتحمل هذا البحث تناول كل تاريخ الغزوات الإسلامية العديدة لذا سنقتصر بحثنا على الغزو الإسلامى لمصر لنتلمس من خلال الأحداث والمشاهد مقاصد الغزاة العرب .. كما لا يعنينا فى هذا البحث حجم الإضطهاد والتعسف الذى مارسه الغزاة العرب على شعب مصر من إضطهاد دينى يصل إلى حد الإذلال والمهانة والتمييز الفج , كما لن يعنينا بعض الروايات المنثورة عن حسن معاملة أقباط مصر و ترحيبهم بالغزو الإسلامى كمخلص لهم من الإضطهاد الرومانى , أو بعض القصص الأخرى المتوارية عن نضالهم ضد الغزو فكل هذه الأمور تكون واردة بالطبع سواء إضطهاد أو قبول أو مقاومة , فلن يخرج الغزو الإسلامى عن أى قوى عسكرية فى ذلك العصر من إذلالها لسكان البلاد الأصليين وفرض الجزية والضرائب عليهم وسبى النساء , ولكن مضمون البحث أن نضع الغزو الإسلامى فى سياقه التاريخى والموضوعى والتقييمى ونزع الغلالة التى تغلفه والتى تمنحه أكاليل المجد والفخار فهو لا يزيد ولا ينقص عن أى غزو وإحتلال فى مراميه التوسعية الناهبة لخيرات الشعوب .
- غزاة بلا مصحف .!
قبل التطرق لمشاهد وتاريخ الغزو الإسلامى سنجد أنفسنا أمام إشكالية وملابسات تطرح نفسها من خلال مشهد تاريخى محدد سيُبدد فكرة نشر الدين الإسلامى بين الشعوب , فالغزو الإسلامى لمصر كان فى عهد عمر بن الخطاب وبقيادة عمرو بن العاص ولم يكن حينئذ فى يد الغزاة نسخة من المصحف حتى يقدموها لشعب مصر كبيان لرسالة جديدة تطلب الإيمان والقبول , فقد تم تجميع المصحف لاحقاً فى عهد عثمان بن عفان !!
مقولة أن الغزوات الإسلامية كانت لنشر الدين الإسلامى ليس لها ما يمنطقها , فمن أساسيات الدعوة أن يتم تقديم المصحف لكى تتطلع عليه شعوب هذه البلاد مصحوباً بمتطوعين من الدعاة للتبشير بالدين الجديد قبل الغزو لتكون القوة العسكرية هنا مُبررة بدعم المؤمنين الجدد من بطش الحكام الوثنيين ... ولكن هل هذا حدث ؟!!.. هل تم تسريب حفنة من المصاحف والدعاة قبل الغزو الإسلامى لتنخرط شرائح من الشعب المصرى فى الإيمان بالإسلام وتنتشر بؤر المؤمنين مما يستدعى الحجة بحمايتهم وتقديم الدعم لهم وتشجيع الغير مؤمنين على إعتناق الدين الجديد !! .. بالطبع لم يحدث لأنه ببساطة شديدة لم يكن هناك مصحف فى يد الغزاة ولم يكن هناك دعاة بل جنود يحملون سيوفاً ودروعاً تأمل فى الغنائم والسبى , وقادة يأملون فى الجزية والخراج لتظهر الملامح الحقيقية لهذا الغزو بدون رتوش فهو إستعمارى توسعى ناهب بدون أى هالات تستره .
* أهداف الغزو - البعد الإسترتيجى للسلب والنهب
- لو حاولنا أن نفتش فى صفحات التاريخ للبحث عن ملابسات الغزو الإسلامى لمصر سنجد أن الهدف من الغزو ينحصر فى محورين واضحين للعيان تغيب فيه قصة نشر الدين الإسلامى فى مصر فهو يبقى مبرراً فقط للغزو ولا يزيد عن ذلك وحتى من يعتنق فهو يرغب فى الإنعتاق من الجزية والتعسف .
- المحور الأول ذو بعد فج يبغى النهب والغنائم بلا أى مورابة كما سنرى , والمحور الثانى إستراتيجى ,فمصر تعتبر مركز وقلب العالم القديم ومازالت حتى الآن لها نفس هذه الأهمية الإسترتيجية وغزوها سيتيح للمسلمين التمدد شرقاً وغرباً بإخضاع مدن الشام الشمالية وبلاد المغرب مما يعنى إختراق الإمبراطورية الرومانية التى كانت تسيطر على مصر والشام والمغرب وتشكيل ما يشبه فكى كماشة لتقويضها وتحجيمها ومن ثَم الأمل فى إختراق أوربا مستقبلاً لنهبها .. كما أدرك الغزاة أن ضم مصر إلى دولة الإسلام سينعش إقتصاد المسلمين وينال فى الوقت نفسه من البيزنطيين الرومان بحرمانهم من مصدر رئيسى لتوريد القمح حيث كانت مصر المصدر الرئيسى لتمويلها .
- عندما نقول أن الغزو العربى لمصر لم يكن معنيا بنشر الدين إلا كراية تبرر الغزو أو قل إستخدام هذه الراية لتحقيق عملية إبتزاز ونهب لخيرات مصر فلنا ما نؤكده من المشاهد الذى اتحفنا بها الإختراق العربى لمصر , فالأمور واضحة الغاية والهدف هو الحصول على خيرات مصر فلم تختلف عن نفس نهج الغزوات الأولى فى الصدر الأول من السلب والغنائم والسبى لتتسع الدائرة فقط من نهب قافلة أو قبيلة إلى نهب شعب .
- حرص الغزاة على فرض الجزية على المصريين وإرسالها إلى دار الخلافة فى الحجاز سيجعلنا هنا نسأل فى البداية عن معنى فرض الجزية فنحن أمام غزاة دخلوا عنوة لبلد آمن فكيف يفرضون عليها الجزية فإذا كانت الحرب فى الإسلام تعنى الدفاع وليس الإعتداء كما يروجون , فإن فرض الجزية تحق عند هزيمة المعتدى فى حرب دفاعية للمسلمين فحينئذ يتم إلزام المُعتدى بدفع الجزية جزاءاً على عدوانه على المسلمين , أى هى بمثابة غرامة حربية كما يحدث فى عصرنا الراهن حيث تُطلب تعويضات من العراق لصالح الكويت على ما أصابها من خسائر فى إجتياح جيوش صدام لها .. هذا إذا أرادوا أن يجعلوا نهج القتال هو للدفاع ولكن المشهد ليس فيه أى دفاع فهو غزو وإحتلال لتتبدد كل الشعارات .
ثم هل لنا أن نسأل مرة أخرى عن معنى إرسال الجزية إلى دار الخلافة وما مدى إستحقاقها لها , فالجزية يمكن تفهمها أنها ضرائب مستحقة نظير الدفاع وتسيير أمور البلاد كما يحاولون التخفيف من قبحها , فما دخل دولة الخلافة وهل طلب المصريين الدفاع عنهم , هذا يثبت أن الغزو الإسلامى لن يخرج عن كونه قوى إستعمارية حرصت على الإبتزاز والنهب , ولكن كما ذكرنا أنه يستوى مع أى قوى إستعمارية أخرى فى ذلك العصر , ليبقى ما يعنينا فى أن نخلص المشهد من إزدواجية التقييم ونزع الرومانسية الزائفة عنه .
- حتى ننزع الرومانسية وأى محاولة للتبرير لنفضح النهب الإستعمارى , فكتب التراث تذكر لنا أن عمر بن الخطاب لم يرحب كثيرا بإسلام الأقباط تحت القهر ليرى أن هذا سيحرمه من موارد الجزية السخى .!
- يذكر الطبرى أنه عندما حان عام الرمادة طلب عمر بن الخطاب مضاعفة كميات القمح المرسلة للمدينة من خراج مصر أضعافا وقال: " أخرب الله مصر في عمار المدينة وصلاحها، فعالجه عمرو وهو بالقلزم، فكان سعر المدينة كسعر مصر"! (هوامش الفتح العربي لمصر نقلا عن كتاب تاريخ الطبرى) .
- ينشر لنا المقريزى مكتوب من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص : " من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ..سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإني قد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلى بثنيات الطرق وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين ولم أقدّمك إلى مصر لأجعلها لك طعمة ولا لقومك ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك فإذا أتاك كتابي هذا فإحمل الخراج فإنما هو فيء المسلمين وعندي من قد تعلم قوم محصورون والسلام "!
فكتب إليه عمرو بن العاص: " بسم اللّه الرحمن الرحيم لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص سلام عليك فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو أما بعد: فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أحيد عن الحق وأنكث عن الطريق وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيراً من أن نخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه والسلام."
- عندما تولى عثمان بن عفان بعد مقتل عمر بن الخطاب ، أراد عثمان أن يكون عمرو بن العاص على الحرب وأن يكون عبد الله بن سعد على الخراج ( أى الضرائب والجزية ) فرفض عمرو قائلاً : " أنا إذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها "!! ( المقريزي) مشبهاً بذلك مصر بالبقرة الحلوب التي تدر الخيرات على العرب فلا يرضى أن يقتصر دوره على مسك القرون أى الإدارة العسكرية ولا يكون له من الحظ جانب .
- في نفس السياق يقول ابن عبد الحكم : "أن بعض الأقباط ذهبوا لعمرو بن العاص طالبين أن يخبرهم ما على أحدهم من الجزية فيصير لها"، فأجاب عمرو: "لو أعطيتني من الأرض إلي السقف ما أخبرتك ما عليك. إنما أنتم خزانة لنا إن كُثّر علينا كثّرنا عليكم وإن خُفف علينا خففنا عليكم " .
- يضيف لنا عمرو محمد بن يوسف الكندي في كتاب "أمراء مصر" : ( كتب عبد اللّه بن الحبحاب صاحب خراجها إلى هشام بن عبد الملك بأنّ أرض مصر تحتمل الزيادة فزاد على كل دينار قيراطًا فانتقصت كورة تنو ونمي وقربيط وطرابية وعامة الحوف الشرقيّ فبعث إليهم الحر بأهل الديوان فحاربوهم فقتل منهم بشر كثير وذلك أول انتقاض القبط بمصر وكان انتقاضهم في سنة سبع ومائة ورابط الحرّ بن يوسف بدمياط ثلاثة أشهر ثم انتقض أهل الصعيد وحارب القبط عمالهم في سنة إحدى وعشرين ومائة فبعث إليهم حنظلة بن صفوان أمير مصر أهل الديوان فقتلوا من القبط ناساً كثيرة وظفر بهم وخرج بَخْنَسْ رجل من القبط في سمنود فبعث إليه عبد الملك بن مروان: موسى بن نصير أمير مصر فقتل بخنس في كثير من أصحابه وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائة وخالفت القبط برشيد. فبعث إليهم مروان بن محمد الجعديّ لما دخل مصر فارًا من بني العباس بعثمان بن أبي قسعة فهزمهم وخرج القبط على يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة أمير مصر بناحية سخا ونابذوا العمال وأخرجوهم وذلك في سنة خمسين ومائة وصاروا إلى شبرا سنباط وانضم إليهم أهل اليشرود والأريسية والنجوم فأتى الخبر يزيد بن حاتم فعقد لنصر بن حبيب المهلبيّ على أهل الديوان ووجوه مصر فخرجوا إليهم فبتهم القبط وقتلوا من المسلمين ) .
- المؤرخ ابن عبد الحكم يقول في كتابه فتوح مصر : " لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط من راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم امرأة ولا صبيّ - وعن هشام بن أبي رقية اللخميّ: أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر: إن من كتمني كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته وإنّ قبطيًا من أرض الصعيد يقال له: بطرس ذكر لعمرو: إن عنده كنزًا فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه: هل تسمعونه يسأل عن أحد فقالوا: لا إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه ثم كتب إلى ذلك الراهب: أن ابعث إليّ بما عندك وختمه بخاتمه فجاء الرسول بقُلَّة شامية مختومة بالرصاص ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوب فيها: ما لكمَ تحت الفسقية الكبيرة فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء ثم قلع البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين أردبًا ذهبًا مصريًا مضروبة فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد ( علق رأسه عند باب مسجد عمرو بن العاص) فأخرج القبط كنوزهم شفقًا أن يبغي على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس." !!
- تزداد بشاعة النهب والهوس فى السلب إلى حد طلب الجزية عن الأموات !!.. لنجد عمر بن عبد العزيز يكتب إلى حيان بن شريح:" أن يجعل جزية موتي القبط على أحيائهم !! - فعمر كان يرى أن أرض مصر فتحت عنوة وأن الجزية إنما هي على القرى فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم وإن موت من مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئًا.!! بل نجد عمر بن عبد العزيز يخطو خطاً غريباً فيرسل إلى حيان بن شريح: أن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة فإن الله تبارك وتعالى قال: " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " التوبة 5 وقال: " قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون " التوبة 29.!! المقريزى عن كتابه الخطط أرى أن توصية عمر بن عبد العزيز بإستحقاق الجزية عمن يسلم ليس تعنتا وظلماً لا يوجد ما يبرره بل هو يخالف آية الجزية ولكن كانت غايته أن يبقى الأقباط على ملتهم لإستمرار دفع الجزية ولا تسأل هنا عن نشر الإسلام حتى ولو قهرا .ً !!
- ما نخلص اليه أن الغزو أو ما يقال عنه فتح مبين كان لأسباب سياسية توسعية بحتة تبغى التوسع والهيمنة والنهب لتتخفى وراء راية الإسلام الذى تم رفعها كشعار يبرر الغزو , فالغزاة كانوا مهمومون بالهيمنة وفرض الجزية وإقتسامها وتوريدها للباب العالى , ففي كتاب للخليفه الراشد عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص يتساءل فيه عن سبب إنخفاض خراج أرض مصر فيقول فيما قال " أما بعد , فإني قد فكرت في أمرك والذي أنت عليه , فإذا أرضك أرض واسعه , عريضة رفيعه , قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوه ...." ويسترسل في وصف غنى مصر وقوة أهلها الى أن يصل الي بيت القصيد فيقول لعمرو بن العاص " لست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك ".
- يرد عمرو بن العاص موضحاً سبب تناقص الخراج هو أن الملوك السابقين كانوا " أرغب في عمارة أرضهم منا مذ كان الإسلام , وذكرت أن النهر يخرج الدر , فحلبتها حلبا قطع ذلك درها" وتتوالى الرسائل كما أوردناها سابقا مبينةُ حرص الخليفة عمر بن الخطاب على الإيراد الذي يجب تحصيله دون النظر الى مايجب إنفاقه على صيانة الترع والمصارف وغيرها من الأمور الذي أدى فيما بعد الى تناقص خراج مصر .
إن الغزاة العرب لم يهتموا بأعمال الصيانه والتطوير والإصلاح لقصر مدة حكمهم والحرص على جباية الخراج وإرساله للخليفه الى أن جاء فى مرحلة لاحقة الطولونيين والأخشيديين وأتخذو من مصر مستقراً لهم ولأولادهم ليقوموا بالإصلاحات المطلوبه ليس حباً فى التعمير ولكن لأن الصيانة تعنى إستمرار تدفق البقرة الحلوب فى العطاء .. فيقول لنا المقريزى كيف إستلم أحمد بن طولون مصر وخراجها 800 ألف دينار وقام بالإصلاحات اللازمه فوصل الخراج الى 4 مليون و300 ألف دينار.!
* ابن خلدون يفضح الغزو ومقولة الحضارة الإسلامية .
- إذا كنا عرضنا نبذات عن تاريخية ومنهجية الغزو الإسلامى لمصر فلا يجب إغفال رصد باحث ومؤرخ وعالم الإجتماع الفذ ابن خلدون فهو راصد بشفافية حقيقة الغزو الإسلامى لمصر , فهذا العالم كتب الكثير في وصف أخلاق وطبائع العرب البدو في عصره ,فلا ينفي فقط بُعد البدو عن الحضارة وعدم امتلاكهم لها وانما ايضا عدم علاقة الشرع بالعقل , الامر الذي لم يفهمه الكثير من مسلميي العصر الحديث حتى الان.
- يقول ابن خلدون في هذا الصدد واصفاً أحوال قبائل البدو الغازية: " لم تكن لهم معرفة بالعلوم لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة ولأن القوم عندئذ لم يعرفوا امر التعليم والتأليف والتدوي"، وبصدد الحالة الحضارية للعرب في ذلك الوقت فيقول في الفصل السادس والعشرونفى كتابه مقدمة ابن خلدون، ص149 ، في أن العرب اذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب :( العرب أمة وحشية، أهل نهب وعبث، وإذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب، يهدمون الصروح والمباني ليأخذوا حجارتها أثافي للقدور، ويخربون السقوف ليعمروا بها خيامهم، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد، وأنهم أبعد الناس عن العلوم والصناعات ).. ابن خلدون هو الذي لاحظ عدم وجود علاقة بين الاسلام والحضارة حيث يقول: " العقل معزول عن الشرع وانظاره" ( مقدمة ابن خلدون ص 892).
- الغريب أن ابن خلدون الذي عاصرهم يصف لنا طبائع العرب الفاتحون بشكل يختلف تماماً عن ماتعلمناه بالمدارس فيقول: (طبيعتهم انتهاب مافي أيدي الناس، وأن رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون اليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع انتهبوه. لايكلفون على أهل الاعمال من الصنائع والحرف أعمالهم ولايرون لها قيمة ولا قسطا من الأجر والثمن. ليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض أنما همهم مايأخذونه من أموال الناس نهباً وغرامة. وايضا فهم متنافسون في الرئاسة وقل ان يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان اباه او اخاه أو كبير عشيرته إلا في الاقل وعلى كره من اجل الحياء، فيتعدد الحكام منهم والامراء وتختلف الايدي على الرعية في الجباية والاحكام فيفسد العمران وينقض ). "مقدمة ابن خلدون" .
وقال: ( إن العرب لا يلُّمُّهُم إلاَّ دين و لا يجتمعون إلا بإِيمَانْ. فإذا تخَلَّى الدِّين عنهم أو تخَلُّوا هُمْ عن الدين، فإنَّ المَوْجَةَ الصَّاعدة ترْتَدُّ، و الأمة المُستَجْمَعَة تصبح متفرقه، و الذين و حدتهم يد الله ستوزعهم يد الشيطان. والنفس العربيه، نفس مصابة بالفردية، بالمفاخرةِ، بأشياء أخرى كثيره, قال الله تعالى فيها " لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله الف بينهم" من كتاب " المقدمه"، لإبن خلدون.
- كان ابن خلدون قد اشار الى ان الفتح العربي لمصر بقيادة عمرو بن العاص قاموا بحرق مكتبة الاسكندرية العامرة عام 640 م، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، وظلت حمامات الاسكندرية تستخدم الكتب كوقود لمدة ستة اشهر! . يقول:" وكان الجنود الذي صحبهم عمرو بن العاص في فتواحاته في مصر من البدو القح الذين لم تهذبهم الحضارة والمدنية بعد، ومن ثم فإنهم لم يقدروا الكتب والمكتبات حق قدرها" (مقدمة ابن خلدون) كذلك فعل سعد بن الوقاص بذخيرة الفرس الفكرية حيث احرق كتبهم او اغرقها بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، لمخالفتها لنصوص الشريعة الاسلامية , وحتى صلاح الدين الايوبي سار على خطى عمر بن الخطاب فأمر بتدمير المكتبات الفاطمية , وقام جنوده بنزع جلود الكتب ليصنعوا نعال منها كذا صلاح الدين الايوبي فعل بمكتبات الشام نفس مافعله بمكتبات مصر" (د. شعبان عبد العزيز خليفة، مكتبة الاسكندرية والحريق والاحياء) .
- من كل ذلك لايجوز الاستنتاج أن تربع الغزاة البدو على ـكتاف الحضارات الجاهزة التي تغلبوا عليها ونهبوها، لايعني ان الاسلام هو الذي بنى الحضارة وإلا لكنا رأينا حضارة تنتج عنه في بلاده الاصلية في الجزيرة العربية , إلا إذا كانت ثقافة الموت والتمييز والاخضاع هي الثقافة المعنية .
- أن العرب فاقدون للعلم بطباعهم ويؤكد هذا العديد من علماء المسلمين ، فيقول القاضي صاعد بن محمد الاندلسي:" واما علوم الفلسفة فلم يمنحهم الله عز وجل شيئا منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به، ولاأعلم أحد من صميم العرب شهر به إلا أبو يوسف يعقوب بن أسحاق الكندي وأبو محمد الحسن الهمداني" .( كتاب طبقات الامم )
* الخلاصة .
- إن الغزو الإسلامى لم يكن لنشر دين بل هو صاحب بعد توسعى سياسي اقتصادى لا يخفى عن الأذهان والذى تفضحه كتب التاريخ وأرى أن هذا لا يؤخذ عليه منفرداً , كونه شريعة المستعمرين على الدوام فى النهب والسلب والهيمنة على مدار كل العصور , فالحكم البيزنطي الروماني في مصر كان في غاية القسوه من ناحية الخراج والضرائب الرومانيه , وكان في منتهى القسوه كذلك في إضطهاد الأقباط المسيحيين حتى أن التقويم القبطي المصري يبدأ بعام الشهداء الذى جرت فيه مذابح هائلة لأقباط مصرعلى أيديهم , لتبقى قضيتنا فى إعتبار الغزو الإسلامى بكل بشاعته فتحاً مبيناً وجهاداً عظيماً نفخر به ونقبل نعال الغزاة ولا نتورع أن نقيم إحتفالية بمناسبة غزوهم ونهبهم بل نطلق أسماء الغزاة المخضبة أياديهم بالدماء وقهر وإذلال الأجداد على أبناءنا ومعاهدنا وشوارعنا !! هنا يتولد خلل كبير ضاعت فيه كرامة وفقد العقل قبلها البوصلة والمصداقية ليتأسس منهجية تقبل نعال المستبدين والطغاة .
- قضيتنا المطروحة لتقييم الغزو الإسلامى لمصر ليس المقصود منها نصب محاكمة له فهو تاريخ مضى وولى ولا يزيد عن أى غزو فى ذلك الزمان بل قد يكون أقل قسوة ووطأة من الإحتلال الرومانى لمصر وإن إختص الغزو الإسلامى ببشاعة تفرد بها عن أى غزو آخر فى محو هوية مصر ومسخها تماما , فلم يحدث على مدار التاريخ أن تغير لسان المصرى وثقافته وفقد جذوره كما حدث على يد الغزو العربى , لتبقى قضيتنا فى إجترار التاريخ المظلم وتجميله ومكيجته لنؤسس لمفاهيم الزيف والنفاق .
- عموما نحن نطلب أن يتم التعاطى مع التاريخ بمصداقية وبمنهجية شفافة قادرة على تقييم التاريخ بصورة موضوعية لأن زيفنا فى التعاطى مع التاريخ خلق لدينا منهجية إزدواجية فاسدة تتيح أن نتقبل سياط جلادينا ونقبل نعالهم طالما هم يتدثرون بالمقدس .. لقد ضلت البوصلة وتشوهت المعايير فهل نندهش لماذا نحن متخلفون , فنحن أمة بلا وعى وعندما تستدعى التاريخ فتقلبه وتزيفه , حينها لا تقول لماذا نحن متخلفون فكل المعايير والمفاهيم مختلة ومشوهة .
- المغفلون الخانعون المزيفون لن يصنعوا حضارة بل سينتجوا التخلف فقد ضلت بوصلتهم , فلا وعى ولا إدراك بل الزيف والإزدواجية والمذلة وتقبيل نعال الغزاة لينتقل نهج لحس نعال حكامنا وملوكنا وأمراءنا فقد قبلنا نعال الغزاة بصدر رحب فهل من الصعب أن نقبل نعال بنى جلدتنا الذين يحملون نفس هويتنا ويحكموننا بالمقدس .. لقد إصبح للإذلال والنخاسة منهج يحتفى به فلا تأمل فى نهضة أمة .
* الثقافة المدمرة .
لم يكتفى الغزو الإسلامى بإفلاسه الحضارى ليترك إرث ثقافى مُدمر ومُخرب فى الشعوب التى إحتلها وإستوطنها تتمثل فى :
- محو الهوية واللسان والإرث التاريخى لتلك الشعوب ليحدث بتر لتاريخ تطور الشعوب مع عدم وجود بديل حضارى جديد .
- لم تكتفى الامور بقطع الصلة بتاريخ وإرث حضارى عظيم بل بإحتقاره وإزدراءه تحت مسمى وثنيته لذا تجد أجيال من المصريين يحتقرون ويزدرون ويتنصلون من ماضيهم كون تاريخهم وثنى غير موحد .
- تأسست ثقافة تحتفى بالغازى وتمجده وتمجد رموزه المستبدة الطاغية وتعتبر هذا تاريخ مشرف عظيم ليصاحب هذه الرؤية المشوهة حالة إزدواجية , فالمصرى يلعن ويستاء من المستعمرين والغزاة بينما يفتخر ويمجد الغازى والمستعمر العربى .
- سرت مفردات ثقافية مدمرة فى الكيان المصرى تحترم القاهر المستبد , وتمجد النقل قبل العقل , وتقصر العلم فى علوم الدين , وتنفر من الفلسفة والتأمل , وتمجد ثقافة الآخرين على تاريخها وثقافتها .
- لو حاولنا سرد الآثار السلبية للغزو والثقافة الإسلامية فقد نحتاج لوقت طويل لنكتفى بهذا القدر , ليبقى أن نتوقف ونتأمل فى هذا الإرث الثقافى الماضوى محاولين التحرر من قبضته وزيفه وقهره وتخلفه متبنين ثقافة العصر لعلها تفلح فى نجاتنا من براثن التخلف والدونية .
-نحن للأسف نتمرغ فى التراث لأننا مفلسون وياليت هذا التراث أنتج حضارة وإنسانية لتدور الدائرة الجهنمية بإجترار التراث والتاريخ القميئ ليعيد إنتاج حاضرنا المتخلف .
دمتم بخير وعذراً على الإطالة بالرغم أننى لم أفى هذا البحث حقه .
- "أجمل ما فى الإنسان هى قدرته على مشاكسة التاريخ فهو لم يرتقى ويتطور إلا من قدرته على مشاكسة ومراجعة ماضيه ومعاندة كل المسلمات والقوالب والنماذج , وأروع ما فيه هو قدرته على السخرية من أفكاره وقوالبه فهذا يعنى أنه لم يخضع لصنمية الأفكار فكل الأمور قابلة للنقد والتطور .. عندما نفقد القدرة على المشاكسة سنفقد الحياة " .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.