بسبب التمييز الديني: مواهب مصرية مسيحية حبيسة الكنائس - مقالات
أحدث المقالات

بسبب التمييز الديني: مواهب مصرية مسيحية حبيسة الكنائس

بسبب التمييز الديني: مواهب مصرية مسيحية حبيسة الكنائس

فاتن صبحي:

 

ظهرت موهبة بيشوي عماد الفنية في الكنيسة. حاز، وهو طفل في مرحلة التعليم الابتدائية، على الجائزة الأولى في مسابقة الرسم في مهرجان الكرازة الذي تقيمه كل عام الكنيسة في شبرا، في العاصمة المصرية القاهرة.

هذه الجائزة كانت دافعه الأكبر لاحقاً ليختار دراسة الفنون التطبيقية، قسم الديكور، فبرع فيها وانطلق إلى عالم الاحتراف خارج نطاق الكنيسة وحتى مصر، ووصلت تصاميمه إلى دول عدة من بينها الإمارات والهند وإيطاليا.

يقول بيشوي (26 سنةً) لرصيف22: "لولا الكنيسة ما وجدت طريقي نحو الفن، ولا تطورت موهبتي، لكن الخروج للعمل خارج الكنيسة يستلزم نفساً طويلاً للحفاظ على الأخلاقيات الدينية وفكر الكنيسة وعدم الانغماس في أفكار غريبة عن المعتقد المسيحي".

يمدّ يديه ويزيح ستاراً مفترضاً وهو يتابع: "بدايتي مع الفن كانت مع فرقة الأنطوني التي قدّمت فعالياتها على مسرح الكنيسة. عملت في التأليف والإخراج والتمثيل وتصميم الملابس والديكور، ولكن ظلّ قلمي يجذبني نحو الرسم، حتى اكتشفت أنني موهوب في التصميم، واستثمرت ذلك في نطاق عملي في مجال الديكور كمصدر رزق خارج الكنيسة".

لم يقطع بيشوي صلته بالكنيسة، ويشجع الموهوبين داخلها على دراسة الديكور واستغلال طاقاتهم إلى أبعد مدى، بدلاً من دفنها في الخدمة الكنسية، حسب تعبيره. ويضيف والابتسامة على وجهه: "أقيم دورات تدريبيةً لهم، وأساعد بعضهم في مشاريع التخرج".

تمييز على أساس ديني؟

سرعان ما تختفي ابتسامة بيشوي وهو يتذكر المعوقات التي واجهها شخصياً وسيواجهها تلامذته: "ترفض أسر مسيحية كثيرة احتراف أبنائها الفن، بسبب الخشية على التقاليد والدين، وتحثهم على دراسة الطب والهندسة على اعتبار أنهما الأرقى والأكثر استقراراً".

يؤشر بذلك إلى العزلة التي يغلّف بها المسيحيون في مصر أنفسهم. فعلى الرغم من الجو الشعبي العام الموحي بالتآلف مع المحيط المسلم، إلا أن حصر أنشطتهم الثقافية والترفيهية داخل كنائسهم دون الخروج بها إلى المحيط الأوسع، يدل على وجود حالة من عدم الاندماج، يعللها البعض بمعاناة الفرد المسيحي من التمييز على أساس ديني في نطاق فرص العمل، وكذلك في عالمَي الفن والرياضة.

ويعتقد البعض أن هذا التمييز هو ما يدفع الكثيرين من أبناء الكنيسة للتشبث بمؤسستهم الدينية، رهبةً من الاندماج خارج سياقها، والاكتفاء بالأنشطة داخلها من دون "محاولة تغيير واقعهم والدخول في معركة للدفاع عن حقوقهم كمواطنين، من أجل توفير مناخ ملائم لانفتاح الأجيال القادمة".

ومن الأمثلة على التمييز التي يسوقها مسيحيون تواصل رصيف22 معهم، مطالبات على مدار عقود بانضمام المسيحيين إلى الفرق الرياضية المصرية، لكن دون نتائج، حسب ما يقولون. ويذكرون أن الكنيسة اضطرت في العام 2022 إلى تأسيس نادٍ رياضي يحمل اسم "عيون مصر"، تمهيداً لتأسيس فريق كرة قدم تحت رعاية الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة الأنبا رافائيل، من أجل خوض مباريات الدوري المصري العام لكرة القدم في الدرجة الرابعة، "بناءً على رغبة عائلات مسيحية كثيرة أراد صغارها الانضمام إلى فرق كرة القدم الأخرى، لكن حُجِبت الفرص عنهم".

وبنظرة سريعة إلى واقع الأمر، نجد أن لاعبين مسيحيين قلة برزوا في الأندية المصرية، مثل جرجس مجدي الذي يلعب حالياً في صفوف نادي "إنبي"، وسبقه هاني رمزي، لاعب النادي "الأهلي" في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، قبل أن يخرج للاحتراف في فرق أوروبية، وقبلهما شارك اللاعب محسن عبد المسيح في صفوف فريق "الإسماعيلي"، مطلع ذلك العقد.

لكن هذا لا يُعدّ مقياساً للتمييز وفقاً لآخرين خارج البيت المسيحي، إذ يعتبرون أن حضور المسيحيين في مجالات الرياضة والفن والثقافة وسواها متوافق مع نسبتهم السكانية التي حددتها إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2012، بنحو خمسة ملايين و130 ألفاً، أي 5.7% من إجمالي عدد سكان مصر وقتها.

تلك الإحصائية كانت قد أغضبت المسيحيين، وكثيرون منهم اتهموا الجهات الرسمية بإخفاء المعلومات الصحيحة بشأن أعداد المسيحيين "بهدف زيادة التهميش"، وقالوا إن العدد الحقيقي يتراوح بين 15 إلى 18 مليون مسيحي، وفقاً لأسقف شبرا الخيمة الأنبا مرقص، وكذلك بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني، في حوار لصحيفة سعودية عام 2018.

من جانب آخر، يرى العلمانيون المسيحيون، في معرض تعليقهم على واقع العزلة التي يعيشها أبناء جلدتهم، أن على الكنيسة المصرية تحمّل دورها في دفع أبنائها للمشاركة والتفاعل مع المجتمع المحيط، ويحمّلونها المسؤولية عن عزلتهم بسبب الأنشطة الداخلية التي تقيمها لهم داخل أسوارها، مما يعني المزيد من الانغلاق.

ويضربون مثلاً بتأسيس الكنائس فرقاً مسرحية قوامها مواهب مسيحية من تأليف وإخراج وتمثيل وموسيقى وغناء وحتى المكياج والديكور، وإنشاء الكنائس الكبيرة مسارح تُعرض على خشبتها الأعمال.

ويلفتون إلى أن الكنيسة اهتمت باستقطاب مواهب في مجالات أخرى كالرسم والرياضة وحتى التكنولوجيا، وكثيرٌ من الكنائس لديها مراكز للكمبيوتر، تكتظ خلال فترة الإجازة الصيفية، وتنظّم مسابقةً سنويةً يرعاها بطريرك الكنيسة المصرية البابا تواضروس الثاني.

يُذكر أن عدد الكنائس في مصر، بحسب إحصائية أُعدّت في العام 2013، يبلغ 2،626 كنيسةً، وقد تزيد عن ذلك قليلاً في الوقت الحالي، وهي مقسمة بين طوائف عدة، إذ تمتلك الأرثوذكسية 1،326 منها، بينما البروتستانتية 1،100، في حين أن للكاثوليك 200 كنيسة.

تمييز أم تحريم؟

يقيم باسل رمسيس (37 سنة) في حي عزبة النخل شمال القاهرة، ويعمل حالياً في مجال المقاولات. ظهرت موهبته في التمثيل خلال مرحلة الدراسة الابتدائية داخل فصول مدارس الأحد في الكنيسة بتشجيع من القساوسة، وبعد تخرّجه واستقراره في مجال العمل، قرر استغلال موهبته الفنية، والتحق بفرقة مسرحية خاصة قدّمت عروضاً على مسرح الكاتدرائية الكبرى في العباسية.

بعدها، شارك بدور كبير في عمل مسرحي عنوانه "صحينا ياسينا"، من إنتاج وزارة الثقافة، وشارك في فرق لبعض النجوم، منهم بدرية طلبة، وكذلك في ورشة تمثيل للفنان فريد النقراشي، وهو ممثل وأستاذ التمثيل في جامعة حلوان وواعظ في الكنيسة.

يقول لرصيف22 إن "فرص المسيحيين شبه معدومة، فالتمييز على أساس الدين واقع لا يمكن إغفاله، وأذكر موقفاً حدث لي في 2013، إذ عُرض عليّ دورٌ في فيلم من بطولة النجم حمادة هلال، وفي أثناء حديثي مع المخرج والمساعد شاهدا وشم الصليب على معصمي، فبدت على وجهيهما الصدمة وسألاني إن كنتُ مسيحياً، وعندما أجبتهم بنعم، قالا بسخرية: لا نستطيع الاستعانة بك، لأننا من الإخوان المسلمين، وظننت أنها مجرد مزحة، لكن تم استبعادي بالفعل".

يهزّ رأسه بانفعال، ويضيف مؤكداً: "المسيحي فرصه أقلّ من الآخرين في المجتمع، وعلى الجبهة الأخرى فإن الكنيسة لا تشجع على العمل في الفن الخالي من الصبغة الدينية، كونه مدخلاً إلى الانغماس في الشرور، وشخصياً واجهت هجوماً كبيراً فور إعلاني عن رغبتي في الالتحاق بمجال الفن، وأحد القساوسة المهاجرين في أمريكا، اتصل بي وقال لي محذراً: انتبه لنفسك يا بني، الناس المشتغلون في الفن ليسوا جيّدين".

لم يقتصر الأمر على ذلك بل وصل إلى أن هدده كاهن إحدى الكنائس بمنعه من دخولها وممارسة العبادات فيها، لأنه أراد تأسيس فرقة مسرحية خاصة، وسعى إلى الحصول على إذن من الأسقف بذلك، وفقاً لروايته.

يقول بأسف: "نحن أمام شعارات جوفاء، سواء من المجتمع الذي يدّعي غياب التمييز الديني، أو الكنيسة التي تدّعي أنها تشجع أبناءها على مزاولة الأنشطة داخل مجتمعهم، كذلك الحال بالنسبة إلى الأهالي الذين يخشون على أبنائهم من المحيط، ويدفعونهم للتنفيس عن مواهبهم داخل الكنيسة فقط ولا يُسمح لهم حتى بمجرد التفكير في الاتجاه للنشاط في أي فرق خاصة".

لا يكون التمييز أو انعدام الفرص، في الغالب، وراء تقوقع المواهب المسيحية في الكنائس، بل يضاف إليهما محرّك دينيٌ قد يحدّد وجهتها، وهذا تحديداً ما تقوله جاكلين يوسف (47 سنة)، من البدرشين في الجيزة: "أنا موهوبة في الترانيم، وقد منحني الله صوتاً جميلاً. كيف استغله في غير شكر الله على هذه النعمة؟".

وتضيف لرصيف22: "لا أحرّم الفن، ولكن استخدامه في أمور خارج خدمة الدين والعقيدة أمر غير محبب. كما أنني مرتّلة في الكنيسة، فكيف إذاً ألقى ترحيباً وسط نجوم الفن، حتى وإنْ تخصصت في الغناء الوطني أو للأطفال؟ كما أن المجتمع لن يمنح الفرص للمسيحيين. إنهم يمنحوننا فرص العمل للعيش فقط وما زلنا نناضل من أجلها ولن نجد أكثر من ذلك".

جاكلين التي درست الإعلام تعتقد أنه ينبغي عليها أن تكون متمردةً على إيمانها حتى تجد فرصةً فنيةً، وترفض ذلك، مفضّلة البقاء ضمن إطار حفلات الكورال في الكنيسة، لأنها ترى أن ذلك يمنحها النجاح الحقيقي ولا يُفقدها أبديتها.

"لا هذا ولا ذاك"، يقول توني ألفريد (34 سنة)، نافياً أن يكون للتمييز أو التحريم الدور الأكبر في عدم بروز مواهب مسيحية كثيرة خارج الكنيسة، فهو يعزو ذلك إلى تراجع الدور المدرسي في اكتشاف المواهب وصقلها، وفقاً لتصوره.

توني يعمل منسق أنشطة ومؤتمرات في المجتمع المدني، ويقيم في حي شبرا، بدأ التمثيل حين كان في الصف الثاني الابتدائي في فرقة الكنيسة، واستمر في ذلك لغاية المرحلة الجامعية، ثم أخذ يتردد مع زملائه على مكاتب شركات الإنتاج بحثاً عن فرصة احترافية، لكن دون جدوى، ليعود بعدها إلى الكنيسة ويؤسس فيها فرقة الأنطوني، ويصبح مخرجاً وممثلاً فيها. وقدّمت فرقته عروضاً في مهرجانات "الهناجر" و"ساقية الصاوي" و"المسرح العربي" و"أوبرا ملك" و"آفاق" ومسرح "الهوسابير" و"متروبول".

يقول لرصيف22: "الشاب المسيحي تظهر موهبته في الكنيسة، لأنها توفر له المسرح، لكون المدارس لم تعد تقوم بهذا الدور. ففي الماضي، كان المسرح المدرسي منجماً للمواهب، وكذلك حصة الموسيقى، ثم الجامعة التي كانت تحتضن الأنشطة والفعاليات، لكن ذلك كله لم يعد الآن كالسابق".

ومن الجدير بالإشارة إليه أن العديد من الكنائس الكبيرة فيها مسارح لتقديم العروض الفنية، وبعضها أسس مساحات خضراء لممارسة الرياضة خلال فترات الإجازات المدرسية، أشهرها الكاتدرائية المرقسية في العباسية حيث موقع كرسي البابا، والكاتدرائية الكبرى في الإسكندرية، وكنيسة الأنبا أنطونيوس في شبرا، وكذلك بعض الأديرة القريبة من الأحياء السكنية، مثل دير الأنبا برسوم في حلوان، وكنيسة قصر الدوبارة في ميدان التحرير وسط القاهرة. أما بالنسبة إلى الكنائس الصغيرة التي لا تتوافر فيها مسارح فتقدَّم العروض فيها أمام المذبح، وهو مكان العبادة وتلاوة الصلوات.

يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية سعيد صادق أن تشجيع الكنيسة على اكتشاف المواهب ملأ الفراغ الذي أحدثه تخلّي المدارس عن ذلك. ويقول لرصيف22: "ليس انغلاقاً، بل هو غيابٌ للبدائل".

ويتابع: "الكثير من أصحاب المواهب في الأوبرا خرجوا من الكنيسة وعزفوا موسيقى، وقدّموا أغاني غير دينية، ولم يهتموا بآراء الكنيسة في ما بعد في هذا الشأن. هل الفنان المسيحي يقلقه رأي الكنيسة في احترافه الفن والنجومية؟ أعتقد أن الموهوب الحقيقي لن ينظر إلى النقد الديني".

مجرد وهم؟

"البعض لا يجهد نفسه في البحث عن فرصة، وإنجاح موهبته خارج الكنيسة، ويتذرع بالتصنيف الديني أو بأن التمثيل داخل الكنيسة أمان وحماية". هذا ما تقوله الممثلة المسرحية مريان سامي (43 سنةً) لرصيف22، مستندةً إلى تجربتها في البحث عن فرصة فنية لدى الفرق الخاصة، مع أن بدايتها كانت داخل كنيسة في شبرا خلال المرحلة الإعدادية.

تحكي أن المسرح استهواها حينما حصلت بالصدفة على دور صغير، "ووجدتُ حلمي في التمثيل منذ ذلك اليوم. دخلت المسرح ولم أخرج منه". تدور بمرح حول نفسها وكأنها في مشهد تمثيلي، وتواصل: "ظللت في مسرح الكنيسة طوال فترة الدراسة، وبعد التخرج والزواج والإنجاب التحقت بفرق خاصة. الكنيسة لم تكن لديها ملاحظات على احترافها التمثيل، في حين أن أسرتها تقبّلت ذلك على استحياء. وها أنا ومنذ عشر سنوات، أعدّ التمثيل مهنةً أتقاضى عنها أجراً، ولم أعد إلى مسرح الكنيسة حتى أفسح المجال للمواهب الصغيرة".

تنفي أن تكون قد عانت من التصنيف الديني خلال بحثها خارج جدران الكنيسة عن فرصة، وتقول عن ذلك: "التصنيف الديني غير موجود في مصر، وهو مجرد وهم!"، لكنها في الوقت ذاته لا تنفي صعوبة الحصول على فرصة للظهور بسبب ما تصفه بـ"الشللية".

وبحسب كتاب "الفنون الأدبية" (1936)، يقول أنيس المقدسي (1885-1977)، إن فن التمثيل المسرحي بدأ في مصر مع الحملة الفرنسية عام 1798، لكنه كان مقتصراً على الفرق الأجنبية، إلى أن جاء عام 1870، وهو العام الذي بدأ خلاله المسرح الشامي ينتشر في مصر، على يد سليم النقاش ويوسف الخياط وسليمان القرادحي و"أبو خليل القباني" وجورج أبيض. والنجم الراحل نجيب الريحاني من مواليد مصر ويحمل الجنسية العراقية من والده والديانة المسيحية وتزوج من الفنانة بديعة مصابني ذات الأصول الشامية.

فُتحت أبواب الفن بعد تلك الحقبة أمام العديد من الموهوبين من الأرمن المسيحيين في مصر، ومنهم الراقصة كيتي والطفلة فيروز ولبلبة ونيللي التي التصق اسمها بفوازير رمضان، وكذلك الفنانة ليلي مراد وشقيقها منير مراد، وكانا يهوديين.

وكانت الفرصة في بدايات السينما سانحةً للنساء لاقتحام عالم الإنتاج والإخراج، وعلى رأسهن الفنانة آسيا والمخرجة عزيزة أمير وفاطمة رشدي وبهيجة حافظ. ومن الوجوه المسيحية المصرية المعروفة في الوسط الفني سناء جميل وجورج سيدهم وسهير البابلي وهالة صدقي، ومن النجوم الشباب هاني رمزي وماجد الكدواني وإيهاب صبحي وفريد النقراشي. كما برز عدد من المخرجين المسيحيين من بينهم ساندرا نشأت وبيتر ميمي.

مارتين إسحق (43 سنة) التي درست علم النفس وتجيد التمثيل تنفي بدورها أن يكون الأمر متعلقاً بالتمييز، بل يتعلق بالفرص واستغلالها، حسب ما ذكرت، وتقول لرصيف22 إن "فنانين مسيحيين كثراً حصلوا على فرص كبيرة وأصبحوا نجوماً لشباك التذاكر".

ظهرت موهبة مارتين حين كان عمرها ست سنوات، وحصلت على دور كبير بعد إعلان كنيسة الأنبا أنطونيوس في شبرا عن حاجتها إلى مواهب جديدة تشارك في عمل مسرحي، وخلال العروض قابلت بعضاً من نجوم التمثيل المسيحيين الذين أشادوا بموهبتها، ووعدوها بعروض احتراف، "لكن ذلك لم يحدث أبداً"، تقول بشيء من الحزن.

أستاذ التمثيل والإخراج المسرحي في جامعة حلوان، النجم فريد النقراشي، يعتقد أن المسرح الكنسي يؤدي دوراً مهماً للناشئين في ممارسة الفن، لكنه في الوقت ذاته لا يُعَدّ ذلك بديلاً من الاحتراف خارج جدران الكنيسة. ويقول لرصيف22: "خلال دوري كواعظ في الكنيسة، ألتقي بشباب لديهم طموح للتواجد في الوسط الفني والشهرة والظهور، ولكن من دون أي رغبة في بذل الجهد في دراسة الفن، ولو حتى من خلال الورش ليحترفوا الفن بممراته الصحيحة، لذا أظن بأن الاستسهال هو أكبر عائق".

ونفى النقراشي فكرة غياب الفرص أمام المواهب المسيحية لاعتبارات دينية، وأكد أن الوسط الفني مفتوح للجميع أياً كانت هويتهم ومعتقدهم وحتى جنسيتهم، ولكن المعركة في القدرة على إثبات الموهبة وسط كمّ كبير من المنافسين، لا سيما خريجي المعاهد والكليات والورش الفنية المتخصصة، مما يستلزم جهداً كبيراً.

ويرى كذلك أن "المبدأ الأهم والأشمل للشباب المسيحيين في الحياة عموماً، ضرورة الاندماج في المجتمع وممارسة حقوقهم الطبيعية واستبعاد فكرة أنهم مرفوضون أو مهمَّشون، والتعامل مع ذلك على أنه حقيقة مسلَّم بها. فحتى وإنْ كان في المجتمع بعض المتعصبين، فهذا لا يعني أن المجتمع بأكمله كذلك، وينبغي ألا يؤدي ذلك إلى العزلة".

التصنيف الديني يتلاشى

يشير الباحث في التاريخ القبطي الدكتور سينيوت شنودة إلى أن فكرة الإقصاء على أساس ديني كانت موجودةً في مصر، لكن في فترات سياسية سابقة، ولم يعد لها وجودٌ في الوقت الراهن، وأن البابا تواضروس الثاني يشجع على الاندماج في المجتمع والاهتمام بالفنون والثقافة.

ويقول لرصيف22: "المسألة تكمن في عقول بعض المسيحيين التي تعشش فيها عقدة الخوف من الرفض المجتمعي، إذ يبحثون عن فرص للانعزال داخل غيتو، للهروب من المنافسة، معتقدين أنها ستكون غير عادلة بسبب التصنيف الديني، وهي حقاً غير عادلة بنسب متفاوتة، ولكننا بحاجة إلى قوة في المنافسة، هذا فضلاً عن الخوف من الوسط الفني ذاته بسبب الشائعات التي تدور حوله".

ويقترح شنودة تحذير الموهوبين المسيحيين من المخاطر التي يمكن أن يواجهوها في الوسط الفني بدلاً من إخافتهم منه "لأن التربية وغرس القيم والأخلاق هي الضمانة الوحيدة وليس المنع أو الترهيب".

ويلفت إلى أن انغلاق الطلبة المسيحيين في الجامعات، في تجمّع يُعرف بـ"CH"، اختصاراً لكلمة "Christian"، أي مسيحي، أمر ما زال قائماً بعض الشيء، حتى في الجامعة الأمريكية في مصر، لكنه يعتقد بأنه يجري بصورة صحية، إذ يندمج أفراد التجمع مع باقي زملائهم المسلمين ويشاركونهم مشاريع التخرج.

ويواصل: "حتى الأسر الجامعية الدينية التي تؤسسها الكنائس الكبرى المجاورة للجامعات لم تعد تتأسس بهدف إبعاد الطلاب المسيحيين عن الأنشطة الجامعية، بل باتت مجرد فعاليات دينية لضمان الحالة الروحية للطلبة خاصةً المغتربين منهم عن عائلاتهم".

وعن رفض بعض الآباء المسيحيين دخول بناتهم عالم الفن، يقول شنودة: "هذا مرتبط بالثقافة الشعبية المتعلقة بالخوف على الفتيات عموماً، وليس المسيحيات بنحو محدد". ويلفت إلى أن الكنائس التي تعارض دخول المسيحيين مجال الفن خارج أسوارها، هي تلك المتواجدة في المناطق شديدة الشعبية مثل أحياء عين شمس، وعزبة النخل، وشرق السكة الحديد، وعدد من أحياء شبرا، ومصر الجديدة، بينما يختفي ذلك في مناطق المعادي، والأحياء الراقية في الزمالك، وبعض كنائس مصر الجديدة.

وقد يختلف الأمر بين كنيسة وأخرى وفقاً لشنودة، ويسوق مثالاً على ذلك: "كنيسة مار مرقص في مصر الجديدة، منغلقة بطبيعتها، ولديها مخاوف دينية، بينما كنيسة العذراء في أرض الغولف أكثر انفتاحاً وخرج منها على سبيل الذكر المخرج والسيناريست ماجد توفيق، برغم تخصصه في الأفلام الدينية، لكنه كان رجلاً منفتحاً، وأيضاً المخرج الراحل سمير سيف الذي كان يجوب الكنائس ليشجع المواهب".

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*