معلقوا بي إن القطرية فتحوا الأندلس واعزوا الإسلام - مقالات
أحدث المقالات

معلقوا بي إن القطرية فتحوا الأندلس واعزوا الإسلام

معلقوا بي إن القطرية فتحوا الأندلس واعزوا الإسلام

سامر خليل:

 

الآن فتحنا الأندلس... الآن ندخل غرناطة وإشبيلية"، هذه لم تكن تعليقات معلّق في إحدى الإذاعات العربية عقب حرب ما، بل هذا ما قاله المعلق الرياضي عصام الشوالي، تعقيباً على فوز المغرب على إسبانيا في مباراة لكرة القدم.

منذ بدء مونديال قطر 2022، الذي يقام للمرة الأولى في الشرق الأوسط، ونحن نسمع من معلّقي كرة القدم ومحلليها، العرب منهم، تعليقات سياسيةً ودينيةً لا تمتّ بأي صلة إلى كرة القدم، وأن استضافة كأس العالم على أراضٍ عربية هو نصرة للإسلام، وفوز المنتخبات العربية على المنتخبات الأوروبية إعادة لعصر الفتوحات الإسلامية "العظيمة".

لماذا خرجت ألمانيا؟

"كيف خسر منتخب ألمانيا؟"؛ سؤال لم أجد له إجابةً حتى الآن بالنسبة لي كمشجع كرة قدم، فخروج منتخب توِّج بكأس العالم 4 مرات من الدور الأول، مرتين متتاليتين، حدث كروي كبير، يستحق التحليل فنياً. هل هانز فليك ليس المدرب الأمثل لتعويض يواخيم لوف؟ هل قرار إقالة لوف كان خطأً؟ هل يحتاج الفريق إلى التجديد بعد تقدّم بعض من عناصره في السن؟ هل قلة التنافسية في الدوري الألماني واحتكار بايرن ميونيخ للبطولات أضعف من فرص انضمام وجوه جديدة إلى المنتخب؟

كل هذه الأسئلة لا جواب عنها، بل تحدث الإعلام العربي/القطري بأكمله عن أن سبب خروج منتخب ألمانيا من الدور الأول هو لمساندته حقوق مجتمع الميم-عين، كما قال معلّق "بي إن"، خليل البلوشي، أو كما سمعنا من عصام الشوالي: "اليابان 1 منتخب الألوان صفر"، فهل لا تساند إنكلترا وإسبانيا وفرنسا مجتمع الميم-عين أيضاً، ولهذا تأهلت إلى الدور الثاني بنجاح؟

تحدث الإعلام العربي/القطري بأكمله عن أن سبب خروج منتخب ألمانيا من الدور الأول هو لمساندته حقوق مجتمع الميم-عين، كما قال معلّق "بي إن"، خليل البلوشي، أو كما سمعنا من عصام الشوالي: "اليابان 1 منتخب الألوان صفر"

عدم شرح أسباب خروج منتخب ألمانيا من المونديال رياضياً امتد الحديث عنه إلى أغلب المعلّقين والمحللين على قنوات "بي إن" القطرية، الناقل الحصري للبطولة، وفي مختلف المباريات حتى لو لم يكن المنتخب الألماني طرفاً فيها، ففي مباراة قطر ضد هولندا، ترك المعلق حفيظ دراجي، المباراة لدقائق ليسخر من المنتخب الألماني، فقال عنه: "المنتخب الذي يطالب بحقوق البط والوز"، وعند خروج منتخب ألمانيا نهائياً من البطولة، قال المعلق علي محمد علي، تعقيباً على خروج بطلة العالم 4 مرات من الدور الأول: "بطولة حلال... كأس العالم في قطر بطولة حلال".

أترك التلفاز وأستمع إلى المذياع لعلّي أجد ضالتي في من يشرح لي كروياً الأسباب الفنية لخروج منتخب ألمانيا بهذا الشكل الكارثي من الدور الأول، فأستمع إلى المذيع الشاب إبراهيم فايق، وهو أحد الوجوه البارزة في الإعلام الرياضي في مصر، والذي برّر هزائم منتخب المانشافت بأنه منتخب "لا مؤاخذة".

هل يمكن لأفكارٍ تخطّى عمر بعضها الألف سنة، أن تتحكم بمجرى حياتنا اليوم؟ بالطبع لا. شاركونا ما يدور في رؤوسكم حالياً. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

أعزّ الإسلام

"اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين"، جملة في الستوديوهات التحليلية في وجود محللين من نجوم كرة القدم العالمية لتحليل فنيات الكرة، فلماذا لا تحترم دينهم؟ فالمسيحي يعتز بديانته واليهودي والبوذي كذلك، فلماذا تهاجم الغرب في معتقداتهم في حضور ضيوفك، من دون التفكير في أن هذه الأمور قد تجلب المتاعب لهم عند العودة إلى بلادهم، فهم من المفترض أنهم جاؤوا إلى قطر بصفتهم أساطير في اللعبة، لتحليل فنيات كرة القدم، ولكن الأمر ليس كذلك.

المونديال منذ بدايته وقبل أول مباراة لمنتخب ألمانيا وكل التعليقات التي نسمعها من المعلقين والمحللين بعيدة عن الرياضة، أغلبها عن نصرة الإسلام والاعتزاز بالعروبة، "اللهم من أراد بقطر سوءاً فاجعل كيده في نحره"، كانت هذه كلمات محلل المباراة الافتتاحية لأكبر حدث ينتظره عشاق كرة القدم، كل 4 سنوات، وهو كأس العالم 2022، عبر قناة هي الناقل الحصري للحدث في الشرق الأوسط.

المحلل هو النجم المصري المعتزل محمد أبو تريكة، الذي خرج بالحديث عن سياق كرة القدم وظل يمدح قطر، التي يعيش فيها مع عائلته بسبب اتهامه قضائياً في بلده مصر، بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.

البرّ بالوالدين

قد يكون بديهياً مدح الدولة التي احتضنتك بسبب القمع الذي عانيته في بلادك الأصلية، ولكن إرجاع سبب نجاح تنظيم المونديال وازدهار دولة قطر إلى برّ أمير قطر بوالديه، فهذا قد يراه البعض استخفافاً بالعقول.

تعليق أبو تريكة على لقطة اصطحاب الشيخ تميم بن حمد الثاني لوالده أمير البلاد السابق الشيخ حمد بن خليفة وتقبيل يديه في حفل الافتتاح والقول إنه درس في بر الوالدين، أثارت السخرية من قبل من يتصيد الأخطاء لأبو تريكة، وأغلبهم من مؤيدي النظام الحالي في مصر، أو من جماهير نادي الزمالك الغريم الأزلي للنادي الأهلي.

غالبية التعليقات التي نسمعها من المعلقين والمحللين بعيدة عن الرياضة، كقول "اللهم من أراد بقطر سوءاً فاجعل كيده في نحره"، فهل تعلمون أنها جملة رددها أبو تريكة أكثر من حديثه عن كرة القدم؟ 

"يا أبو تريكة بتتكلم عن بر الوالدين... إنت مش عارف دول بيعملوا إيه في أبهاتهم عشان ياخدوا الحكم؟ اسأل موزة"؛ كان هذا تعليق أحد رواد وسائل التواصل الاجتماعي على ما قاله أبو تريكة عن بر الشيخ تميم بوالده، الذي تنازل عن حكم قطر لابنه عام 2013، واختفى من الصورة.

ووالد الأمير، كان قد انقلب على والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام 1995، في أثناء سفر الأخير إلى خارج البلاد، وانتزع مقاليد السلطة منه.

المونديال الأعظم

في مباراة الافتتاح لأهم بطولة كروية تأتي كل 4 سنوات، لم يطل علينا أحد المحللين بشرح الأسباب الفنية مثلاً لهزيمة منتخب قطر ومستواه المتواضع في مباراة الافتتاح، بالرغم من مشروع بنائه منذ أكثر من 10 سنوات، عبر إعداد جيل الناشئين من أكاديمية أسباير مع المدرب نفسه فيليكس سانشيز، المحمل بخبرات تدريب الناشئين في برشلونة "لا ماسيا".

لم يحدثنا محللٌ عن أسباب الخسارة فنياً لمنتخب توِّج بكأس الأمم الآسيوية، لعب في كوبا أمريكا والكأس الذهبية والتصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم لكي يحتك بمنتخبات أكثر قوةً، وما هي الثغرات الخططية؟ وما هي نقاط الضعف البدنية؟ ومن هم اللاعبون الذين لم يكونوا بمستواهم؟ كل هذه الأشياء لم نسمع عنها الكثير في الستوديو التحليلي لمباراة كرة قدم.

"المونديال الأعظم في التاريخ"؛ هي عبارة تتردد حتى منذ ما قبل انطلاق صافرة البداية في المونديال. لا تغفل عن بالنا جهود قطر في جلب المونديال إلى الوطن العربي والشرق الأوسط، ولكن لماذا هو التنظيم الأفضل في التاريخ؟ بالنسبة للجمهور العربي أو الغربي، هل التنزه في سوق واقف مثلاً، أفضل من التنزه في شوارع وميادين سان بطرسبرغ والميدان الأحمر في موسكو؟ أو زيارة لوس أنجلوس وميامي ونيويورك في المونديال المقبل؟ هل الفنادق الشاهقة باهظة الثمن هي ما يبحث عنه جمهور كرة القدم؟ هل الإقامة في خيمة بـ200 دولار في الليلة الواحدة، هي تجربة يعيشها مشجع كرة القدم في أي دولة أخرى في العالم؟

لماذا لا يترك الإعلام القطري الحكم للزوّار، بجمالية التجربة وعيوبها. إحدى ميزات التجربة التي لا يغفلها أي شخص هي فرصة حضور أكثر من مباراة في يوم واحد، لتقارب المسافات بين الملاعب.

في برنامج المجلس، الذي يعرض على قناة الكأس، والذي يستضيف لاعبين ومعلقين عرب، ليتحدثوا غالبية الوقت عن الاعتزاز بهوية قطر الإسلامية والعربية والتصدي للحملات الغربية المغرضة، لا عن كرة القدم

طبيعي أن يدافع الإعلام القطري والعربي عن إقامة أول بطولة كأس عالم في الشرق الأوسط، فالشعار الذي ينادي به الفيفا دوماً، هو أن كرة القدم للجميع، ويرغب دوماً في إقامة المونديال في أراضٍ جديدة، وهو ما فعله بتنظيم أول مونديال في آسيا في كوريا واليابان عام 2002، وأول مونديال في إفريقيا في جنوب إفريقيا عام 2010، وأول مونديال في أوروبا الشرقية في روسيا عام 2018.

حامية الإسلام

من حقنا كعرب أن نستضيف المونديال، وأن نروّج له كحدث كروي، ولكن الترويج تخطّى كرة القدم وأصبح سياسياً، ثم دينياً بوصف قطر حاميةً للإسلام لمنعها تناول المشروبات الكحولية في الملاعب، بالرغم من كونها تقدَّم في فنادقها!

الأمر وصل إلى نشر بعض من الفيديوهات في ميدان لوسيل، مع صوت الأذان مع تعليق "أجمل شيء بالمونديال"... تعجبت من التعليق، هل لا يُسمع الأذان سوى في قطر؟

برنامج "المجلس" الذي يُبثّ على قناة الكأس القطرية، برنامج سهرة يومي للحديث عن فعاليات المونديال، يمتد لأكثر من ساعتين، يضم أحد أشهر نجوم كرة القدم المعتزلين في الوطن العربي، أمثال العراقي يونس محمود والمصريين عصام الحضري وحسن شحاتة وحسام حسن، ونجوم من الخليج والمغرب العربي، أنتظر فيه دوماً الحديث عن الفنيات من قبل هؤلاء النجوم المشبعين بحب كرة القدم وبممارستها، وقرابة ساعتين يومياً لا يتحدث أي أحد فيهم عن كرة القدم أو فنياتها لمدة طويلة، وتُعطى المساحة الأكبر للحديث عن الاعتزاز بهوية قطر الإسلامية والعربية والتصدي للحملات الغربية المغرضة.

"الدين والسياسة والعروبة"، كلها عناوين طغت على الحديث عن فنيات كرة القدم. تقلص الفروقات الفنية بين القارات، وتفوق آسيا في الدور الأول، ومفاجآت إفريقيا، وخروج منتخبات مرشحة للتأهل للأدوار الإقصائية، وانهيار جيل بلجيكا التاريخي، كل هذا لا نسمعه إلا في ما ندر في القنوات الناقلة للمونديال، فيما ينشغل المعلقون عن قصد في التبجيل، والحديث عن تفوّق "المسلمين".

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*