هاني نقشبندي:
سواء عبر الفيسبوك، او تويتر، او يوتيوب وحتى الواتس، تصلني وتصلكم عشرات الرسائل التي تتحدث عن تحول الكثيرين إلى الإسلام. علماء ورجال دين ومفكرين وحتى اطفال، تطالعنا مقاطع لهم وهم يفندون الفرق بين كتبهم الدينية والقرآن، وأغلبهم من المسيحيين.
يقول احدهم ان الانجيل مليء بالتناقضات، وان في القرآن ثبات واجابات لأسئلة حائرة في رأسه، فيتحول إلى الاسلام. أو هو يزور بلدا اسلاميا، فيجد صورا غير تلك التي رسمها الاعلام الغربي في رأسه، فيعتنق الإسلام عوض ان يعاديه.
ما يخفى على كثير منا، انه لو تابعنا بعض المواقع المسيحية لوجدنا الشيء ذاته، أي تحول أبناء ديانات أخرى الى النصرانية بالمثل.
لست أعلم ان كانت هناك دراسات محايدة وموثقة عن أي الأديان هو الأكثر انتشارا على الارض وأسرعها. لكني اسأل: هل نريد نحن المسلمون لديننا ان يكون هو الأول على الارض؟
جوابي هو نعم، هذا ما يريده كلنا او أكثرنا على الأقل. بل ولا نريد له ان يكون الدين الأول فقط، بل ان يكون الوحيد ايضا.
لكن هل لو اصبح الاسلام هو الدين الأوحد، ستختفي مشاكل البشرية ويعم السلام والمحبة؟
لسنا نرى أكثر الدول الاسلامية تقدم نموذجا للمثالية في التسامح والمحبة والعلم. بل ان خصومات العالم أكثرها اسلامية. وفوق هذا لا توجد دولة واحدة منها تحمل تصنيفا عالميا كدولة قانون او صناعة او علم، وجميعها تتشارك الوصف ذاته "دول نامية"، وهو لفظ مؤدب لدول متأخرة.
سيجادل البعض ويقول إن الخطأ في المسلمين لا في الاسلام. أي هو خطأ في تطبيق القانون لا القانون ذاته. وسأجيب بأن جميع الأديان راقية في قوانينها وسامية ونبيلة. لكن المشكلة ايضا في التطبيق. خذ على سبيل المثال المحاكم في لندن او الرياض او نيودلهي وبكين، جميعها تسعى الى الهدف ذاته، تحقيق العدالة. هذه هي غاية أي محكمة. وهي ايضا غاية أي دين. فشل تحقيق العدالة لا يعود الى المحكمة بل في تطبيق ما قررته المحكمة. إذا ففشلنا في التطبيق لا يعفينا من المسؤولية مسيحيين كنا او مسلمين وبوذيين.
لنفترض أن الإسلام هو الأسرع انتشارا، فهل يمكن ان يصبح ذات يوم هو الدين الأوحد على الأرض؟
خلق الله تعالى كل شيء متوازنا، من الكون على اتساعه، والارض على تكورها، إلى الانسان في وقفته على ساقين نحيلتين. كل شيء خلق متوازنا. وتعدد الأديان على الارض يسير وفق النهج ذاته، اي التوازن. إن سيطر دين على الأرض، فسيختل هذا التوازن.
إن افترضنا بأن الإسلام هو من سيسيطر، فقد نجد انفسنا امام أحد سيناريوهين:
أولا، أن يصبح الإسلام الواحد عدة "إسلامات" متصارعة فيما بينها، كلها يدعي أنه دين الفطرة الحقيقي. نحن اليوم على خصومة مع مذاهب تشاركنا الدين ذاته، فكيف الحال ان اصبح هناك عشرات المذاهب تحت عباءة دين مسيطر واحد؟ لن يطول الأمر قبل أن يخط كل منها نهجا يبتعد يوما إثر آخر عن أصله، حتى يفقد الصلة به، ولن يطول الوقت قبل ان نجد أنفسنا أمام معتقدات جديدة، ثم امام أديان جديدة. ربما يحدث ذلك بعد مائة سنة او الف. وربما، أقول ربما، وجدنا أنفسنا نعود إلى المسيحية والبوذية والهندوسية تحت غطاء الاسلام نفسه.
السيناريو الثاني يبدو أكثر قتامة، إذ لو سيطر الإسلام على الارض، فإنه قد يهدد بزواله. ذلك ان كل دين لا يستمد قوته من ذاته فقط، بل ومن وجود دين آخر يخالفه.
فلولا الفكر المسيحي ما كان هناك فكر اسلامي. ولولا الكتلة البوذية، ما كانت هناك كتلة هندوسية. لا أقول ان هذا سبب وجود ذاك، بل أقول ان وجود هذا يعزز وجود ذاك. تستتمد الأديان قوتها من وجود خصم لها، شاءت أم أبت. أن لم يكن هناك دين يهدد المسيحية، فلن تجد رجالا يلتفون حول الصليب يدافعون عنه. وإن لم يكن هناك من يعادي الإسلام، فما المبرر للدفاع عنه امام لا شيء يهدده؟
مهما كانت الحديقة خصبة ارضها، فلن تكون جميلة إلا بتعدد الألوان فيها.
كما ان الإختلاف هو ميزة إيجابية، لأنه يخلق التنافس. فمن يريد رؤية سباق خيل فيه حصان واحد؟
بالمثل قد نسأل: لماذا لا يكون كل اهل الارض اغنياء؟ او لماذا لا يكون كلهم فقراء؟ لماذا لا يكونوا كلهم متساوون؟ إنه مبدأ التوازن ذاته. فالغني لن يكون كذلك إلا إن وجد فقير امامه يعطيه ميزة الثراء. ولو كان الجميع اغنياء، فأي عمارة للأرض سيحققون، ومن سيعمل في باقي المهن؟ العكس صحيح أيضا، فلو تساوى الجميع في الفقر، فمن سيعطي المال للفقير كي يعمل، بل ولأي دافع سيعمل؟
إنه توازن الحياة الدقيق في وجود الاضداد، لأن التفاعل بينها بشقيه السلبي والأيجابي، هو ما يجعل الحياة حية بالفعل.