جويس كرم:
دخلت التظاهرات في إيران الشهر الرابع اليوم لتصبح الأطول زمنا في تاريخ النظام ومنذ الثورة الإسلامية في ١٩٧٩، دون مؤشرات على حل قريب في الأفق أو مخرج لائق للنخبة السياسية في البلاد.
التظاهرات التي بدأت بعد وفاة مهسا أميني إثر اعتقالها من الشرطة الإيرانية لعدم ارتدائها الحجاب بالشكل المناسب، لم تعد محصورة بقضية الحجاب وسياسات رجعية قوضت المرأة والمجتمع الإيراني.
التظاهرات اليوم هي حركة احتجاجية ذات بعد اقتصادي وسياسي واجتماعي، لا يعرف النظام كيفية التعامل معها وبنفس الوقت هو غير قادر على الاستجابة لمطالبها.
اقتصاديا، ومع تراجع الريال الإيراني المتعثر إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار هذا الأسبوع، يواجه النظام أزمة اقتصادية ستزيد من عزلته على وقع العقوبات، تعطل المحادثات النووية والإضرابات التي تشبه الى حد كبير مرحلة السبعينيات قبل الثورة.
النظام ليست لديه أجوبة اقتصادية وهو يقيل ويعين شخصيات في المصرف المركزي لتهدئة النقمة الشعبية من دون التعاطي مع جوهر الأزمة. ولا هو قادر على العودة للاتفاق النووي في ظل توخي الغرب من أي اتفاق مع قياداته في هذه المرحلة واضطرار الحرس الثوري على التركيز على الواقع الداخلي في إيران.
سياسيا، ارتأى النظام في الأسبوعين الأخيرين التصعيد ضد المتظاهرين وتوظيف القضاء للبطش والقتل بهم، فالإعدامات العلنية ضد شابين في العشرينات هي الصورة التي يريد النظام تقديمها للداخل الإيراني في هذه الفترة، صورة الترهيب والقتل لردع الباقين. هناك اليوم ١٧ آخرين إما ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام أو تمت إدانتهم بأحكام عقوبتها الإعدام.
الخوف والقمع هما الورقة المفضلة للنظام كونه غير مستعد للتجاوب مع مطالب المتظاهرين إذ ذلك سيعني تغييرا شاملا في آلية الحكم بإيران. وما من شك بأن النظام سيذهب بهذه الورقة إلى أبعد حد ممكن لضمان بقائه في السلطة، وعلى عكس أيام الشاه الذي رغم الفساد والقتل لم يكن متمسكا بالسلطة متجذرا فيها كما هو النظام اليوم.
هذا يعني أيضا أن الحديث عن تغيير النظام في إيران هو سابق لأوانه. فهذا نظام متماسك ومتجذر في كافة نواحي المجتمع الإيراني وليست هناك انشقاقات في صفوفه بالمستوى الذي شهدناه قبل سقوط الشاه. فضلا عن ذلك فالمعارضة الايرانية منقسمة اليوم بين أنصار الشاه و"مجاهدي خلق" وآخرين مقربين من "المعتدلين" في النظام، ولا مؤشرات لهيكلية منظمة لها حتى الساعة.
لكن هذا لا يشير إلى أن الاحتجاجات لا تشكل تهديدا للنظام أو أنها على شفير الانتهاء، بل العكس. فالنمط الواسع للتظاهرات وكونها تشمل العامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتضم أقليات من العرب السنة في إيران إلى الأكراد لتشاركها نقابات عمالية وطلاب جامعات، كل ذلك يجعلها قادرة على الاستمرار ولتكون شوكة في خاصرة النظام دون إسقاطه بالضرورة.
وبالتالي، فإن السيناريو الأكثر مرجحا في إيران هو استمرار الحراك الشعبي وبوتيرة مختلفة في الأشهر المقبلة، ومعه ستستمر العزلة للنظام والتي قد تدفعه للتصعيد أمنيا لقمع المتظاهرين والظهور بموقع القوة داخليا.
أما الغرب، فالاتفاق النووي بات مثل جرعة السم اليوم وهو غير قادر على تناولها كونها قد تفسر بأنه متواطئ مع النظام وبالتالي يرمي الورقة النووية في المجهول بانتظار ما سيقرره الشارع الإيراني.