عبد الرحمن عباس:
"
"يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". حين سمعت هذا الحديث المنسوب إلى النبي، والمذكور في كتب التراث الإسلامي، تساءلت: هل أراد لنا الله ورسوله أن ننتظر مئة عام لنحصل على "مجددٍ" واحد؟ وهل ممنوع أن يظهر أكثر من مجدد في القرن الواحد؟ ثم من الذي يحدد أن شخصاً بعينه هو المقصود؟ وهل الحديث مقتصر على شيوخ الدين فقط؟ ألا يمكن أن يجدد دين تلك الأمة عالم فيزياء أو أديب؟
لم يُغلب الفقهاء في الرد على كل أسئلتي، إذ سرعان ما وضعوا قواعدهم ومعاييرهم، وأعدّوا قوائم "مجددي الدين" عبر العصور، وبحث صغير على الإنترنت لا يكشف لك ذلك فقط، بل يؤكد أن هذا الحديث المنسوب إلى النبي لو افترضنا صحته، لم يعمل به أحد. ففي النهاية كل مذهب وضع قائمته الخاصة وحدد شيوخه المعتمدين المختلفين عن شيوخ المذاهب الأخرى.
أقول ذلك بمناسبة الدعوى القضائية التي رُفعت لشطب عبد الله رشدي من سجلّات طلبة الدراسات العليا في جامعة الأزهر، وعزله من عمله في وزارة الأوقاف، وهو ما أثار غضب "دراويش" الرجل الذين عدّوا ذلك مؤامرةً ضد "مجدد الدين" في العصر الحديث، وهذا الوصف أثار غضب المعترضين على أفكار "رشدي"، وبعض مؤيديه، إذ لم يصل بعد إلى مكانة "المجددين السابقين".
لم يكن الأمر مُفاجئاً بالنسبة لي. وقبل توضيح سبب عدم اندهاشي، أنا من الجيل الذي بمجرد أن تخطّى مرحلة مراهقته حتى وجد أن "الشعراوي" هو مجدد الدين في القرن العشرين، وقبله كان يحتل تلك المكانة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهذا ما شجعني بعد سنوات على قراءة أفكار الرجلين. وكم فهمت وصُدمت. ولذلك اكتفي بهما في ضرب الأمثلة ولا أقصد أن الأمر يقتصر عليهما، فكل من في القائمة، سواء سبقهما أو لحق بهما، ينتهج النهج نفسه مع اختلافات بسيطة.
بالنسبة إلى الشيخ الألباني، الذي تخصص في الحديث النبوي، وبات مرجعاً في تصحيح الأحاديث عند الجماعات السلفية، فبنظرة إلى أفكاره من خلال موقعه الرسمي على الإنترنت، وفتاواه المتعددة، نراه ممن اتخذوا مواقف واضحةً من غير المسلمين، فحرّم تهنئتهم بأي عيد، بجانب معاداته للفنون وعدّها إثماً. أما المرأة، فلم تختلف نظرته إليها على أنها أقل من الرجل. وحتى حين سمح لها بالعمل، أكد أن ذلك يجب أن يتم وفق "ضوابط شرعية"، منها عدم الاختلاط بالرجال، وهو أمر شبه مستحيل في عصرنا الحالي، وهذا جزء من نظرة الرجل الدينية التي شملت بالطبع تأييد "قتل" كل من ترك الإسلام.
أما الشيخ محمد متولى الشعراوي، الذي تخصص في تفسير القرآن الكريم، وحمل لقب "مجدد الدين" بعد "الألباني"، بالرغم من أنه عاصره، وعاشا في القرن نفسه، فالمهم أن آراءه لم تتغير كثيراً عن سابقيه، فهو أيضاً ممن رفضوا خروج المرأة من البيت إلا للضرورة، بل أيّد قتل كل مسلم ترك الصلاة كسلاً، بعد إمهاله ثلاثة أيام للتوبة، كما أيّد أيضاً قتل كل مسلم تخلّى عن دينه، وأفكار أخرى لا يمكن تصنيفها سوى على أنها "إرهابية".
لذلك، أعود إلى عبد الله رشدي، وأقول إن عدم اندهاشي من تلقيبه بـ"مجدد الدين"، سببه أن الرجل يسير على نفس النهج، ولم يختلف عن سابقيه، فهو أيضاً حرّم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، ووضع شروطاً تكاد تكون مستحيلةً لعمل المرأة، واحتقر الفن بكافة أنواعه، بل إنني أقول إن تلك القائمة التي حوت كل "مجددي الدين"، كان لا بد أن تصل يوماً إلى رشدي من المنطلق نفسه.
ولذلك أيضاً، عزل عبد الله رشدي من جامعة الأزهر أو منع ظهوره إعلامياً، يُعدّان من ضمن إجراءات أقسى ما ستفعله هو تقليل الانتشار لا منعه، لكن القائمة ستظل مفتوحةً لـ"مجددين" أكثر تخلفاً ورجعيةً من القائمة السابقة، والحل بسيط وهو تفنيد تلك الآراء ومواجهتها من الجميع، فعلى الدولة بمؤسساتها الدينية أن تقول إن هذا الشيخ بالرغم من تاريخه، أفكاره تحضّ على الكراهية، وقد أخطأنا حين سمحنا لهذا "العالم" بالظهور وترديد أفكار متطرفة خلال العقود الماضية.
أما من جهة المواطنين، فعليهم محو جميع الأسماء والحُكم على الأفكار وألا يخشوا هيبة أحد أو يتراجعوا أمام دراويش شخص ما. وقتها فقط سنتحرر من ذلك كله، فمن سيسير على النهج نفسه لن يصبح "مجدداً". أما إذا استمررنا على ما نحن عليه الآن فالقوس سيظل مفتوحاً.
رصيف 22