الظواهري... قصة موت معلن - مقالات
أحدث المقالات

الظواهري... قصة موت معلن

الظواهري... قصة موت معلن

خالد اليماني:

 

ما إن عاد إلى كابول بعد الخروج الكارثي للقوات الأميركية من أفغانستان في نهاية أغسطس (آب) من العام الماضي، وفيما كان يتمتع بضيافة استثنائية، ويعمل جاهداً على لملمة ما يمكن لملمته من قواعد قاعدته المبعثرة، جلس مستمتعاً كعادته بأشعة شمس الصباح الأولى في كابول في شرفة الدور الثالث للفيلا الواقعة في حي شيربور. حركة المارة في الشارع لم تكن قد بدأت في ذلك الصباح الباكر من يوم الأحد الـ31 من يوليو (تموز) الماضي. في تمام الساعة السادسة وثماني عشرة دقيقة استهدفت مسيّرة أميركية الشرفة بصاروخين من نوع "هيلفاير" (فلاينغ جينسو)، لم يُبقيا من الشيخ السبعيني أثراً بعد عين.

انقضى بذلك أجل الإرهابي أيمن محمد ربيع الظواهري بعد 71 عاماً قضى معظمها في مسارات التخريب والإرهاب، بدءاً من التآمر لقلب نظام الحكم في مصر، وانتهاءً بالإرهاب الدولي ومعاداة الدول العربية والإسلامية والغرب والولايات المتحدة. وكانت الاستخبارات المركزية الأميركية قد تعقبت خطوات الظواهري منذ أشهر في منزل آخر في حي شيربور ومنطقة "وزير أكبر خان" التي تقع تحت حماية عناصر شبكة حقاني، ويقطنها قياديو الشبكة، إضافة إلى كبار المسؤولين الحاليين، ويقع فيها القصر الرئاسي وعديد من مقار البعثات الدبلوماسية التي أغلقت غالبيتها عقب الانسحاب الأميركي من كابول.

كانت كابول التي عاد إليها الظواهري منتشية بنصر "طالبان" السهل، والانهيار المروع لنظام كرتوني فرض من الخارج، وهرب مع مغادرة آخر جندي للقوى التي ساندته. وبعد سنوات من البقاء في ملاذات "طالبان" الآمنة في المناطق الحدودية داخل باكستان، عاد الظواهري وقيادات "القاعدة"، لتجديد العهود القديمة التي قطعها، ومن قبله رئيسه أسامة بن لادن للملا عمر، وخليفته أخوند زادة.

بعد ساعات على سقوط صواريخ "هيلفاير" على تلك الشرفة في كابول، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن من شرفة أخرى، ولكن هذه المرة في البيت الأبيض، موت زعيم تنظيم "القاعدة" بعد أكثر من 21 سنة من الملاحقة والتتبع الدقيق لحركته من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية.

الاستخبارات المركزية الأميركية حصلت على معلومات دقيقة حول مكان وجود الظواهري، على ما يبدو، من قياديين في حركة "طالبان"، كما يقول السفير زلماي خليل زادة، الأميركي الأفغاني، الذي قاد الاتصالات مع "طالبان" وتفاوض مع قادتها في الدوحة. فلم يستبعد السفير خليل زادة في حديثه عقب الإعلان عن مقتل الظواهري، لمحطة إخبارية أميركية، أن تكون قيادات من حركة "طالبان" قد زودت الأميركيين بالمعلومات، نظراً إلى صراع الأجنحة داخل الحركة، وتحديداً بين جناحي الملا برادر وشبكة حقاني. فوزير الداخلية سراج الدين حقاني يحتل موقعاً كبيراً في الجانب المسلح للحركة، وهو من سيطر في البدء على كابول.

الدكتور الجراح خريج جامعة عين شمس، ومدرسة "الإخوان المسلمين"، أيمن محمد ربيع الظواهري، حفيد شيخ أسبق لمشيخة الأزهر الشريف، ومن عائلة أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وابن أحد أشهر الأطباء المصريين، وابن الطبقة الوسطى المصرية، كان يستمتع بعادة قديمة ورثها من خلفيته الثقافية والاجتماعية، للتمتع بأولى خيوط شمس الصباح على الشرفة، وكانت كافية لتحديد نهايته، وهو الإرهابي الذي كان يعلم أن الموت يقتفي أثره في كل خطوة، فمآل القاتل إلى القتل. فكم من دماء الأبرياء في مصر والدول العربية والعالم معقودة في نحره؟

الصحوة والإرهاب

مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، شهد العالمان العربي والإسلامي بروز ظاهرة تدميرية، عُرفت جزافاً بـ"الصحوة الإسلامية"، وهي في الحقيقة كانت "النكبة الإسلامية"، تم فيها نبش جميع أشكال التراث الظلامي وإعادة تقديمه كمسلّمات في الدين، فصار رجال الدين يدّعون أنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء منهم براء، وتم استغلال الدين للانقضاض على الحكم في مجمل الدول العربية والإسلامية.

وجاءت هذه الفورة كمحصلة لثورة الخميني الإرهابية في إيران، وعديد من الأحداث الثانوية الأخرى التي شهدتها المنطقة مثل محاولة جهيمان العتيبي الفاشلة في مكة المكرمة، والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وحرب المتشددين ضد الدولة الجزائرية. وفي مصر واجهت الدولة المصرية الإسلاميين، بلا هوادة، وسُفكت مئات الأرواح في محاولات الإرهابيين لتركيع مصر العظيمة، نظراً إلى مكانتها في قلب العالمين العربي والإسلامي.

يرجح جُلّ التحليلات لتلك الحقبة أن التطرف كان نتاجاً لثورة الملالي في إيران. ومن طهران وبدعم مباشر منها ظهرت جميع أشكال التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" و"الجهاد الإسلامي" في الشق السني، و"حزب الله" في لبنان، و"فيلق فاطميون" في أفغانستان، وفصائل "الحشد" الإيراني في العراق، والحوثيين في اليمن، في الشق الشيعي، فقد كان هاجس إيران، وما زال، القضاء على الأنظمة العربية وبسط سيطرتها على ثروات شعوب المنطقة تحت غطاء الدين.

في هذه البيئة تخرّج الدكتور الظواهري الذي جرب مناطحة حصن مصر المنيع وفشل، فغادرها بعد توافقات مع أجهزة الاستخبارات الغربية إلى "حرب مقدسة" في أفغانستان لمواجهة الغزو السوفياتي. ومع مرور الوقت تحول شهر عسل تلك العلاقة إلى عداء مستفحل حينما بدأت التنظيمات الإرهابية توجه أنيابها صوب الغرب، فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، واستهداف البارجة الأميركية "يو أس أس كول" في ميناء عدن، والتي كان للظواهري دور مباشر في تنظيمها باعتباره نائب بن لادن.

"القاعدة" والإمارة الإسلامية

مات الظواهري غير مأسوف عليه، فهو كان يعرف أنه سيموت، وكانت قصة موته على كل لسان حتى قبل أن ينطلق الصاروخان من تلك المسيّرة الأميركية. ويبقى السؤال ما بقي من تنظيم "القاعدة" الذي تم تأسيسه في عام 1989 في باكستان، والذي شكلت "حركة الجهاد الإسلامي" المصرية نواته الرئيسة؟ تشير التقارير المنشورة إلى أن هناك قرابة الـ500 مقاتل، وتقول إن جلهم عملوا مع شبكة حقاني نظراً إلى خبراتهم في زرع المتفجرات على الطرق الرئيسة، والعمليات الانتحارية التي أودت بكثير من الجنود الأميركيين في أفغانستان خلال السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى وضع قيادة الشبكة في قوائم الإرهاب الأميركية، وعلى رأسهم سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الحالي في أفغانستان.

ووفقاً لنظرية "مركزية القرار، ولا مركزية التطبيق" التي كانت تحكم التحرك العملياتي لتنظيم "القاعدة"، ونظراً إلى اختلال المركزية وتفسّخ قرارها في تركيبة "القاعدة"، فقد باتت فروع "القاعدة" في آسيا، وأفريقيا، واليمن منظمات مستقلة. ومن خلال تجربة "القاعدة" في اليمن فقد تحولت إلى وكيل محلي، أو "قاتل بمقابل" لصالح عديد من القوى السياسية الفاعلة في اليمن، وآخرها شراكته مع الحوثيين. ويبقى "تنظيم الشباب" في الصومال هو التنظيم الوحيد الناشط ضمن شبكة "القاعدة" الدولية، وهو يعمل على تخريب العملية السياسية الصومالية.

ويقدر بعض الخبراء الأمنيين في أميركا أن تدخل "القاعدة" في أفغانستان مرحلة التشظي والاضطرابات الداخلية، ويعتقد أن سيف العدل هو القائد القادم للتنظيم، وهو يعيش حالياً في كنف إيران التي تسمح له بالنشاط والتواصل مع قيادات "القاعدة"، وقد رفضت طهران عديداً من المطالبات القانونية لتسليمه للعدالة الدولية.

إن خلافة الإرهابي سيف العدل للظواهري ستؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الدور الذي تلعبه إيران لدعم الإرهاب الدولي.

وعلى الرغم من احتفاء إدارة الرئيس بايدن بالعملية من حيث مكانة الظواهري الاسمية على رأس تنظيم "القاعدة"، فإن الرجل في نظر الأجهزة الأمنية الدولية كان رمزاً صورياً للمنظمة، وبدت تصريحاته المعلنة في السنوات الأخيرة لتأكيد الوجود أكثر من إعطاء التوجيهات الاستراتيجية لفروع "القاعدة" أو تشكل إلهاماً لمزيد من المتشددين، فقد تحول الظواهري إلى "كارت محروق"، وضيف ثقيل على حركة "طالبان" يزيد من أوزارها بعد أن تعهدت في "اتفاق الدوحة" عدم العودة إلى سياسة "تبني القاعدة".

وربما كان كثير من قادة "طالبان" يفكرون في الثمن مقابل رأسه أو الحصول على بعض المصالح لتحقيق مكانتهم في السلطة، فكما هو معروف تصاعد الصراع الداخلي بين حقاني والملا برادر، وهذا الأخير يحظى بدعم من وزير الدفاع في الحركة الملا يعقوب، ابن الملا عمر مؤسس "طالبان".

وسيتضح خلال الأيام المقبلة مدى تورط حقاني، وانعكاس ذلك على هيكلية "طالبان" وحكومة "الإمارة الإسلامية"، كما يتوقع المراقبون دوراً لباكستان متصل بعلاقاتها التاريخية مع جارتها الشمالية.

من جانب آخر، يتوقع أن تقدم الاستخبارات المركزية الأميركية مزيداً من التفاصيل عن العملية التي قادتها في كابول، وربما يتضح حينها إذا ما كانت العملية نتائج عقود من البحث والتتبع قامت بها عناصر الاستخبارات الأميركية، أو أنه تمت الوشاية به من قيادات "طالبان" بحثاً عن مقابل، أو ربما كمساومة لرفع الحظر الأميركي على الأموال الأفغانية، وهل للعملية صلة بخروج الظواهري عن الالتزام الموقع في الدوحة بعدم العودة لتفعيل خلايا "القاعدة" لمباشرة العمليات الخارجية؟ سنرى.

اندبيندت عربية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*