لطالما كان تنظيم القاعدة هو الجماعة الجهادية الأشهر في العقد الأخير، لا سيما منذ أن شن التنظيم هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) التي اهتز لها العالم، وصعد نجم أسامة بن لادن، زعيم التنظيم الراحل، إلى أن قتلته قوة خاصة أمريكية في باكستان. ومع خلافة الظواهري بن لادن في قيادة التنظيم، خفت بريق القاعدة، خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم من الطائرات بدون طيار الأمريكية في بؤر الصراع المختلفة حول العالم.
وبينما كان التنظيم يحاول استعادة بريقه، فوجئ التنظيم والعالم بصعود ما يعرف بالدولة الإسلامية، التي سيطرت في زمن قياسي على رقعة واسعة من الأراضي، وأظهرت قدرة غير مسبوقة على تجنيد المقاتلين، واستخدام وسائل الإعلام المتطورة، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي باحترافية، لم نشهدها من قبل.
وقد ظن المحللون في البداية أن القاعدة ستندثر بظهور تنظيم الدولة. وأن التنظيم لن يقوى على مواكبة الدولة في أسلوبها ووحشيتها، وأنه إما سيتجه لشن عمليات إرهابية في الخارج أو محاكاة الدولة في وحشيتها.
لكن القاعدة خالفت كل التوقعات وأثبتت العكس. فقد تمكن التنظيم من إعادة تقديم نفسه على أنه على النقيض من الدولة في وحشيتها، وهو ما أتاح له الانخراط بشكل أكبر في الصراعات القائمة في المنطقة. ونحاول اليوم تتبع نموذج التنظيم في إعادة الهيكلة، وكيفية صموده أمام كافة التحديات عبر التخطيط المحكم والصبر الإستراتيجي.
مع اندلاع ثورات الربيع العربي، رأى الكثيرون أن تلك الثورات قد كتبت شهادة الوفاة للتنظيم، إذ ظهر جليًا أن التغيير السياسي ممكن دون اللجوء إلى العنف. بل إن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، قال إن بلاده على «وشك إلحاق هزيمة نهائية بالتنظيم».
لكن الحركة الجهادية خالفت التوقعات مجددًا. فمع اشتعال الأوضاع في اليمن وليبيا وأخيرًا سوريا، وجدت القاعدة موطئ قدم راسخًا لها في البؤر الملتهبة الرئيسية في المنطقة، فكانت الثورات عاملًا على تقوية شوكة التنظيم وليس إضعافه، واستغل التنظيم الأوضاع للاندماج مع المجتمعات المحلية هناك. لكن هيمنة التنظيم ضعفت بعد اجتياح الدولة الإسلامية للموصل في يونيو (حزيران) من عام 2014، وانشقاق العديد من مقاتلي التنظيم وانضمامهم إلى الدولة. وتكهن الكثير بأن القاعدة قد تتفتت. واعتقد البعض أن القاعدة ربما تتنحى لتفتح المجال لتنظيم الدولة الأكثر تطرفًا.
اتخذت القاعدة قرارًا حكيمًا بالتروي والتحرك في الخفاء ردًا على نجاح الدولة الإسلامية غير المسبوق. وفي هذا المقال سنحدد مظاهر نجاح القاعدة في الصمود أمام الدولة الإسلامية عبر التركيز على ثلاثة تطورات رئيسية حدثت في العقد الأخير، وهي هزيمة القاعدة في العراق بين عامي 2007 و2009، وثورات الربيع العربي، وأخيرًا صعود الدولة الإسلامية. انتهجت القاعدة أسلوبًا معقدًا في التعامل، وسنرى السبب الذي جعلها تصبح أقوى مما كانت عليه، وكيف أن أوضاعها ستكون أفضل من الدولة الإسلامية على المدى البعيد.
سقوط القاعدة في العراق
مُني تنظيم القاعدة بهزيمة نكراء في العراق على أيدي القوات الأمريكية بين عامي 2007 و2009، ما ألحق الضرر بسمعة التنظيم عالميًا، لكن التنظيم درس تلك الفترة بعناية واستخلص منها العبر، وهو ما ساعده على تطوير إستراتيجية ناجحة في التعامل مع الدولة الإسلامية.
شكل صعود تنظيم الدولة حدثًا اهتز له العالم. ومن المعلوم أن من تبقى من مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي، هم من يشكلون النواة الرئيسية للدولة، بل إن الدولة ورثت حتى كافة الممارسات الوحشية الخاصة بالقاعدة، بما في ذلك استهداف الشيعة، وقمع السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وقد عملت القاعدة بكل طاقتها على تغذية الحرب الطائفية التي اشتعلت في العراق، حتى تظهر بمظهر المدافع عن المستضعفين من السنة.
ولكن بعد أن كانت للقاعدة شعبية كبيرة لدى السنة في محافظة الأنبار، حسب تقييم مسئول عسكري أمريكي، أدى ارتكابها للفظائع المذكورة آنفًا إلى نفور السنة منها. مما دعا بعض شيوخ العشائر السنية في الأنبار في سبتمبر (أيلول) من عام 2006 إلى إعلان عزمهم قتال القاعدة، وشكلوا ما يُعرف بـ«الصحوات» بدعم أمريكي.
وقد عاد ذلك بالنفع على القوات الأمريكية المتمركزة هناك. فبدلًا من أن تنخرط في قتال مباشر مع المسلحين، تمكنت من تشكيل ميليشيات محلية تقوم بالجهد الحربي، بينما تكتفي القوات الأمريكية بالإسناد الجوي. وقد تمكنت تلك الصحوات من إلحاق الهزيمة بالقاعدة في محافظة الأنبار. وقد تكرر الأمر في أماكن تواجد التنظيم في مختلف مناطق العراق. فأصبحت القاعدة مجرد شبح بلا تأثير بحلول 2010.
وقد شكل سقوط القاعدة في العراق دليلًا على عدم قدرة التنظيم على الحكم، ودليلًا على نبذ معظم المسلمين لأفكار التنظيم. والغريب أن قيادة التنظيم الأم شعرت باحتمالية هذا السقوط، إذ إنه في عام 2005 تلقى الزرقاوي رسالة من الظواهري يحذره فيها من استمرار تصوير مقاطع عمليات ذبح الرهائن وأن ذلك قد يؤدي إلى تأليب السكان المحليين على التنظيم. وحذرت قيادات أخرى الزرقاوي من أن أساليبه الوحشية لا تخدم أهداف التنظيم. لكن الزرقاوي تجاهل تلك النصائح.
وعلى إثر هذا السقوط، يقول التقرير، سعت القاعدة إلى تطوير إستراتيجية لإعادة تقديم نفسها، وذلك مثلما أظهرت وثائق كانت بحوزة أسامة بن لادن في مخبئه في أبوت أباد وقت قتله.
تبين الوثائق أن القاعدة سعت إلى إدخال إصلاحات على نهجها «لإصلاح أخطاء الماضي واستعادة ثقة قطاع كبير من السنة ممن فقدوا ثقتهم في الجهاديين». كما وجهت القيادة رسائل إلى أمير القاعدة في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، نصحته بكسب ود السكان المحليين لأن «دعم الناس للمجاهدين مهم كأهمية الماء للسمك». وبهذا تكون القاعدة قد أدركت أن حكم السكان المحليين يكون بالترغيب لا بالترهيب.
وتؤكد إحدى الوثائق أن التنظيم قد فكر في تغيير اسمه لأنه أصبح مرتبطًا بحرب العصابات ولم يعد يهتم بتوحيد الأمة الأسلامية تحت راية حكم الشريعة. كما أنه أعطى مصداقية لمزاعم الغرب من أنهم ليسوا في حرب مع الإسلام وإنما في حرب مع القاعدة. ورغم أن التنظيم الأم احتفظ باسمه، إلا أن وكلاءه في بعض الدول اختاروا عناوين منفصلة، مثل أنصار الشريعة في ليبيا، وجبهة النصرة في سوريا، التي أعلنت مؤخرًا انفصالها الكامل عن التنظيم الأم وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام.
وقد أصدر الظواهري في 2013 ما أسماها «توجيهات عامة للجهاد»، وقد حوت الوثيقة توجيهات بتجنب استهداف الأقليات الدينية أو استهداف الأسواق أو المساجد، وعدم انتهاج سلوكيات تستفز السكان المحليين. كما وجه الظواهري بعدم قتل النساء والأطفال، والتعاون مع الجماعات الأخرى حتى غير الإسلامية منها، وتعويض المتضررين عن أي أخطاء فردية.
الربيع العربي: الفرصة التاريخية للقاعدة
أشرنا سابقًا إلى أن المحللين اعتقدوا أن ثورات الربيع العربي هي نهاية فكر القاعدة. لكن ما حدث كان العكس تمامًا. فقد مثلت الاضطرابات التي تلت تلك الانتفاضات فرصة تاريخية في نظر مفكري القاعدة. إذ شكلت سيناء في مصر، والمنطقة الجنوبية في ليبيا، والجبال الغربية في تونس؛ ملاذًا آمنًا للجهاديين.
وقد شكل انفتاح المناخ السياسي في تلك الدول فرصة للقاعدة للترويج لأيديولوجيتها وكسب أنصار جدد دون خوف من القمع الحكومي. واعتقد المنظرون للسلفية الجهادية أن الرابح الأكبر من مناخ الحرية الجديد هو المشروع الإسلامي. وقد وجه قادة القاعدة بضرورة تكثيف النشاط الدعوي والتربوي واستغلال مناخ الانفتاح السياسي. وبهذا يكون التنظيم قد عمل في الاتجاهين السياسي والعسكري. وكان الهدف من ذلك فتح الطريق أمام مواجهة عسكرية شاملة مع الحكومة.
مواجهة تحدي الدولة الإسلامية
لم تواجه القاعدة منافسة على قيادة التيار الجهادي قبل ظهور الدولة الإسلامية. ولكن كان للتنظيم خطة على المدى الطويل تنتهج التمدد السري واستخدام مجموعات أخرى كواجهة.
لكن صعود الدولة الإسلامية السريع، واستخدامها الأمثل لوسائل العصر الرقمي والدعايا المذهلة، أظهر القاعدة في وضع ضعيف للغاية. وفي الوقت الذي انتهجت فيه الدولة الوحشية والعنف المفرط والرغبة في السيطرة المطلقة على المسلمين السنة، تمسكت القاعدة بكسب ود السكان المحليين والتعاون مع بقية الفصائل المسلحة.
وقد سعت الدولة الإسلامية إلى استمالة مقاتلي القاعدة. وقد افترض المحللون أن الدولة الإسلامية تمكنت من إزاحة القاعدة عن عرش السلفية الجهادية، وأنه ما من سبيل أمام القاعدة إلا انتهاج الأساليب الوحشية التي تتبعها الدولة، لكنهم في ذلك لم يكونوا يدركون الإستراتيجية طويلة المدى التي كانت قد وضعتها القاعدة. فاتبعت نهجًا مخالفًا للدولة كما أشرنا سابقًا، وأرادت تقديم نفسها بديلًا معتدلًا لوحشية الدولة الإسلامية.
وكان أحد قادة جبهة النصرة السورية، فرع القاعدة في سوريا سابقًا؛ قد صرح بأن الدولة ارتكبت جرائم بشعة في حق الجماعات الجهادية الأخرى. وأجرى مقارنة بين الجبهة والدولة قائلًا إن الجبهة تهدف إلى إعادة حق اختيار زعيم الدولة إلى المسلمين في سوريا. وسعت الجبهة إلى إظهار نفسها جزءًا من الثورة السورية وتعمل لخدمة الشعب السوري.
وسعت القاعدة بمكر كبير إلى ترسيخ فكرة أن الدولة الإسلامية قد دمرت القاعدة. ففي لقاء لهما مع الجارديان البريطانية، زعم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة، وهما من كبار منظري القاعدة؛ أن البنية الهيكلية للتنظيم قد انهارت، وأن الظواهري بات بلا تأثير حقيقي. وهذه مزاعم كاذبة، إذ إن وكلاء التنظيم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانوا قد اكتسبوا قوة هائلة. وكان الهدف من ذلك هو طمأنة النظم الحاكمة من تمدد التنظيم.
وحين سيطر تحالف إسلامي يضم جبهة النصرة على محافظة إدلب في سوريا في أبريل (نيسان) من عام 2015، طمأن أبو محمد الجولاني، قائد الجبهة؛ بقية الفصائل من أنه لا يسعى للانفراد بحكم المحافظة، وأن الجبهة ستتعاون مع الجميع لخدمة السكان المحليين. وهذا عكس ما تقوم به الدولة الإسلامية.
وهذا ما انتهجه التنظيم بالضبط في مدينة المكلا اليمنية، يقول التقرير، حيث شكل مجلسًا لإدارة المدينة أخذ على عاتقه تطبيق الشريعة تدريجيًا والتسامح مع الخروقات البسيطة للشريعة، والهدف من ذلك كان كسب ود السكان. بينما حدث انشقاق في الدولة الإسلامية هناك إثر خلافات على القيادة.
وعلى عكس ما يروج الكثير من المحللين، فإن وكلاء القاعدة قد أظهروا ولاءً مطلقًا للتنظيم الأم، وفعالية كبيرة في قتال الدولة الإسلامية.
وعندما توحد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مع تنظيم التوحيد والجهاد في منطقة الساحل، ودشنوا منظمة المرابطين، أعلن أحد القادة الولاء للدولة الإسلامية بالنيابة عن تنظيم المرابطين ككل، وهو ما قوبل بالرفض، وأصدر قائد آخر بيانًا أكد فيه على تجديد البيعة للقاعدة. وقد وصل الأمر إلى الاقتتال الداخلي بين الفريقين، لكن الأمر حُسم لأنصار القاعدة. وقد أفشل ذلك مخطط الدولة الإسلامية بالتوسع في منطقة الساحل، ومنعها من الربط بين فرع التنظيم في شمال أفريقيا، جماعة بوكو حرام؛ وفرعه في ليبيا.
كما قوبلت جهود الدولة الإسلامية لإغراء حركة الشباب المجاهدين – حركة أخرى تدين بالولاء للقاعدة – بالفشل، فقد شنت الحركة حملة شرسة ضد الدولة اعتقلت فيها العشرات من الموالين للدولة عبر جهاز مخابراتها، وقام آخرون بتسليم أنفسهم للسلطات الحكومية هربًا من بطش الحركة.
وحتى عندما أعلن عبد القادر مؤمن، المسؤول الشرعي لدى حركة الشباب؛ ولاءه للدولة، كان ذلك على رأس 100 مقاتل فقط. فهددت حركة الشباب «بقطع رقاب» أعضاء تنظيم الدولة. ولم يظهر أي نفوذ حقيقي للدولة في الصومال.
وفي أفغانستان كان الوضع أصعب بكثير بالنسبة للدولة، إذ إنها واجهت عدوًا خبَرَ الحربَ وألاعيبها. قضت حركة طالبان على أي بوادر ظهور للدولة في أفغانستان، بما في ذلك الحركة الإسلامية في أوزبكستان، بل إن البعض يقول إن ما عجزت الولايات المتحدة عن فعله خلال 14 عامًا فعلته طالبان خلال 24 ساعة. وهذا يعتبر نصرًا مؤزرًا للقاعدة، إذا ما وضعنا في الاعتبار العلاقة القوية بين الطرفين.
وبناءً على ما سبق، وبعد أن مُنيت الدولة بخسائر كبيرة في كل من سوريا واليمن وليبيا، يبدو جليًا للمراقب أن الدولة باتت عرضة للتقسيم وأن فرصها للقضاء على القاعدة قد تضاءلت بشدة.
مستقبل التنافس بين الحركات الجهادية
في أواخر يوليو (تموز) الماضي، أعلن زعيم جبهة النصرة في تسجيل مصور إنهاء العمل باسم جبهة النصرة وتدشين جبهة فتح الشام، والهدف من ذلك كما قال «إنهاء التبعية لأي كيان خارجي». وهذا مثال واضح على الإستراتيجية الجديدة التي يتبعها تنظيم القاعدة.
لكن الجولاني، زعيم جبهة النصرة؛ لم يبين كيف سيتعامل التنظيم مع قادة القاعدة المتواجدين بالفعل ضمن صفوف التنظيم. فعلى الأغلب لن يعامل هؤلاء القادة على أنهم يتبعون كيانًا خارجيًا. فضلًا عن أن الجولاني لم يوضح كيف سيتعامل مع بيعته لأمير القاعدة.
كانت إستراتيجية الجبهة في الأساس تقضي بعدم الإعلان عن الولاء للقاعدة علنًا. لكن أتى إعلان أبي بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية؛ بأن الجبهة جزء من الدولة ليفسد تلك الخطة. اضطر الجولاني لنفي كلام البغدادي وإعلان تبعيته للقاعدة. وأتت الحملة التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لاستهداف الدولة الإسلامية بالأساس إلى جانب الجبهة لتدفع الأخيرة للتفكير في الانفصال عن القاعدة. وهو ما حدث بالفعل بعد أن أيقنت الجبهة أن الدولة الإسلامية لن تحقق أي استفادة من تحرك كهذا.
وفي تقرير سابق ترجمته ساسة بوست، كنا قد أشرنا إلى أهداف جبهة النصرة من هذه الخطوة. وكان عبد الله المحيسني، أحد قادة الجبهة؛ قد صرح بأن الفصائل الأخرى تتحاشى التعاون مع الجبهة بسبب تبعيتها للقاعدة. وعليه صدرت توجيهات من قيادة القاعدة إلى الجبهة بالانفصال «إعلاءً لمصلحة الجهاد».
وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، باتت القاعدة اليوم في قمة قوتها منذ نشأتها. فقد نجت من الحملة الأمريكية الشرسة التي أعقبت هجمات سبتمبر (أيلول). بل ودشنت فروعًا جديدة، مثل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، الذي تمدد في باكستان وأفغانستان، وازداد تهديده للهند وبنغلاديش.
لكن استعادة القاعدة لقوتها ليس وقفًا على ما ذكرناه آنفًا فقط. بل إن التنظيم قد استفاد أيضًا من تفجر العداء بين السعودية وإيران، واستعداد دول عربية عدة للتعاون مع أطراف غير تقليدية للإطاحة بالأسد في سوريا.
وهكذا، بات واضحًا أن القاعدة أقرب للنجاح في المستقبل من الدولة الإسلامية. أما نموذج تنظيم الدولة، الذي استند على النجاحات العسكرية المفاجئة والسريعة والكاسحة، مثلما حدث في شمال العراق في صيف 2014، وما صاحب ذلك من دعايا غير مسبوقة؛ فيبدو أنه لا يصمد أمام التحديات القوية.
تميزت القاعدة بالنفس الطويل، ولديها سجل حافل في الصمود أمام أعدائها. ومما ساعدها أيضًا التفات المجتمع الدولي إلى الدولة الإسلامية باعتبارها التهديد الأكثر إلحاحًا، ما منح القاعدة فرصة لإعادة ترتيب أوراقها في الخفاء، وكسب أنصار جدد في دول مثل سوريا واليمن. ولم تتخلَ القاعدة عن حلم إحياء الخلافة، لكنها تعتقد أن الدولة الإسلامية تعجلت في إعلانها واتخذت سبلًا خاطئة لإقامتها، وسينتهي بها المطاف إلى الفناء.
يختتم التقرير بالقول إن القاعدة حافظت على علاقاتها مع الداعمين الخارجيين. ورغم أن الولايات المتحدة بذلت جهدًا مضنيًا لقطع مصادر التمويل عنها، إلا أنه وبعد انفتاح أكثر من دولة على التعامل مع القاعدة في سوريا وأماكن أخرى، تعاظمت فرص التنظيم في الحصول على الدعم الخارجي. وكلما استهان العالم بقدرة التنظيم الحالية، سيزداد التنظيم قوة وسيصعب القضاء عليه.
المصدر: ساسة بوست