قانون ازدراء «البخارى» - مقالات
أحدث المقالات

قانون ازدراء «البخارى»

قانون ازدراء «البخارى»

خالد منتصر

مقصلة ازدراء الأديان ما زالت تحصد الرقاب، فقد حُكم على الشيخ محمد عبدالله نصر بالسجن خمس سنوات بتهمة الازدراء، وللأسف لن يحظى الشيخ نصر بنفس الدعم الإعلامى الذى حظى به إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت وأحمد ناجى والأطفال الأقباط... إلخ، لن تقف بجانبه منظمة حقوقية أو جمعية حقوق إنسان، وللأسف يردد بعض المثقفين مبررات من قبيل «هوّ اللى عمل فى نفسه كده» و«هوّ راجل بتاع شو»... إلى آخر تلك المبررات التى من الممكن أن تكون محل انتقاد على أسلوب الشخص لكنها لا يمكن أن تُلقى بفرد يفكر فى غياهب السجون خمس سنوات من عمره!! اقبلوا اجتهاد الشيخ نصر أو ارفضوه لكنه فى النهاية اجتهاد من المفروض ألا تحبسوه بسببه، هذا القانون لا بد من تغيير اسمه من قانون ازدراء الأديان حتى يصبح قانون ازدراء أو انتقاد البخارى!! صار كتاب البخارى هو أكبر كتاب على وجه الأرض سُجن بسببه مفكرون، تحول من جهد بشرى عظيم إلى نص مقدس لا يُمس، وإذا كنتم تريدون حبس الشيخ محمد عبدالله نصر فلتحبسوا أيضاً من انتقد البخارى من قبله، وإليكم بعض الأمثلة:

رفض الشيخ الغزالى حديث فقء سيدنا موسى عين ملك الموت، فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، الذى هوجم عليه أقسى هجوم وأُلِّف ضده 14 كتاباً، قال الشيخ الجليل: «إن الحديث صحيح السند، لكن متنه يثير الريبة، إذ يفيد أن موسى يكره الموت، ولا يحب لقاء الله بعد ما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض... ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات التى تعرض للبشر من عمى أو عور؟!!.. لما رجعت إلى الحديث فى أحد مصادره ساءنى أن الشارح جعل رد الحديث إلحاداً!». ويستنكر الغزالى أى دفاع عن الحديث ويقول: «إنه دفاع تافه لا يساغ، ومن وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل فى أعراض المسلمين، والحق أن فى متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة»، انتهى نقد الشيخ الغزالى للحديث الموجود فى الصحيح، فهل هو ملحد ومزدرٍ كونه رفض هذا الحديث؟!

ثانياً: رفض الشيخ الإمام محمد عبده حديث سحر الرسول، وقال: «لا يخفى أن تأثير السحر فى نفسه يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً، وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض فى الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان فى بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه (إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً)، وليس المسحور عندهم إلا من خولط فى عقله، وخُيل له أن شيئاً يقع وهو ما لا يقع، فيُخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه»، ثم يواصل الإمام محمد عبده وجهة نظره قائلاً: «وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد، وعصمة النبى من تأثير السحر فى عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ فيها بالظن المظنون»، هل تعرفون حكم الشيخ محمد عبده الرافض لحديث السحر عند الشيخ بن باز حسب الفتوى رقم 6280 (راجع موقع نداء الإيمان)، هذا هو حكم الشيخ بن باز عندما سُئل عن منكرى حديث السحر: «يجب اعتزالهم وعدم مخالطتهم؛ اتقاء لشرهم، إلا إذا كان الاتصال بهم من أجل النصح لهم وإرشادهم، أما الصلاة وراءهم فحكمها حكم الصلاة وراء الفاسق، والأحوط عدم الصلاة خلفهم؛ لأن بعض أهل العلم كفّرهم»، يعنى الشيخ محمد عبده كافر ولا يصلَّى وراءه!!

ثالثاً: رفض الشيخ رشيد رضا حديث الذبابة الشهير التى فى جناحها داء والآخر دواء قائلاً (فى مجلته «المنار» المجلد 29 الجزء الأول): «حديث الذباب المذكور غريب عن الرأى والتشريع، فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً، وكل ضار ظناً فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل»، وكان بعض الشيوخ قد كفّروا د. محمد توفيق صدقى حين هاجم هذا الحديث فى العشرينات فى نفس المجلة، وقد دافع عنه رشيد رضا قائلاً: «ذلك المسلم الغيور لم يطعن فى صحة هذا الحديث إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التى تنفّر الناس من الإسلام، وتكون سبباً لردة بعض ضعفاء الإيمان، وقليلى العلم الذين لا يجدون مخرجاً من مثل هذا المطعن إلا بأن فيه علة فى المتن تمنع صحته، وما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخارى ويؤمن بكل ما فيه وإن لم يصح عنده».

الحمد لله أن هؤلاء الشيوخ قد رحلوا عن حياتنا قبل صدور هذا القانون الذى حوّلنا إلى قندهار.

الوطن المصرية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث