ضياء عودة:
تشير تقديرات حديثة نشرها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، إلى أن عدد مقاتلي "داعش" بين سوريا والعراق يصل إلى 10 آلاف، وأن هذا التنظيم الإرهابي لا يزال "يهدد السلم والأمن الدوليين، رغم هزيمته الإقليمية، والخسائر التي منيت بها قيادته".
ويأتي الكشف عن هذه التقديرات في الوقت الذي يعيش فيه "داعش" أسوأ ظروفه، بعدما خسر خلال الفترة الأخيرة عددا من قادة الصف الأول والثاني، آخرهم" ماهر العقال" زعيم التنظيم في سوريا، وذلك جراء ضربة نفذتها الولايات المتحدة.
ورغم خسارة "داعش" للأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا مؤخرا وقبل ذلك في العراق، إلا أن عملياته الأمنية وهجماته لم تتوقف، حيث أنه يتبنى بين الفترة والأخرى استهدافات ضد قوى عسكرية مختلفة، ومتوزعة في مناطق نفوذ متفرقة، الأمر الذي دفع إلى إصدار تحذيرات سابقة من أن "النشاط" لا يزال قائما، وربما سيتوسع إلى مرحلة جديدة.
ويورد تقرير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، الذي نشر يوم الثلاثاء، أن التهديد الذي يشكّله داعش والجماعات التابعة له أعلى في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات، مثل سوريا والعراق وأفغانستان والدول الأفريقية.
وذكر فورونكوف أن قيادة "داعش" تدير أصولا "تتراوح قيمتها بين 25 و50 مليون دولار"، وأن "هذا المبلغ أقل بكثير من التقديرات التي كانت موضوعة قبل ثلاث سنوات فقط".
ويلجأ التنظيم، حسب المسؤول الأممي، إلى "هيكل داخلي لامركزي، ومن خلاله تحرّض قيادة داعش أتباعها على تنفيذ الهجمات، وتحتفظ بالقدرة على توجيه ومراقبة تدفق الأموال إلى التابعين (للتنظيم) في جميع أنحاء العالم".
وفي حين أن وجود مثل هذه الهياكل قد لا يكون مفاجئا، "إلا أنه يقدّم تذكيرا مقلقا بأن التنظيم لديه أهداف وتطلعات طويلة المدى"، وفقا لفورونكوف.
"الفاعلون والكامنون"
وقبل 8 سنوات كسر تنظيم "داعش" الحدود بين سوريا والعراق، معلنا قيام "خلافته الإسلامية"، وبينما توسّع نفوذه حتى وصل إلى أوجه في عهد "الخليفة الأول"، أبو بكر البغدادي، تقلّص بالتدريج بعد خمس سنوات ليصل إلى نقطة الصفر، بعدما سقطت "الخلافة" في عام 2019 بمنطقة الباغوز السورية.
ويعتبر عام 2019 نقطة فارقة في مسار تنظيم داعش في سوريا والعراق، ويرتبط ذلك بأن الظروف التي تبعت هذا التوقيت شهدت سلسلة من التطورات الجذرية، بدءا من مقتل "البغدادي" على يد القوات الأميركية، ووصولا إلى تحوّل النشاط إلى القتال ضمن ما يصفها الخبراء بـ"استراتيجية الذئاب المنفردة".
وهذه الاستراتيجية كانت قد اتبعت خلال الفترة التي تعاقب فيها على زعامة داعش "عبد الله قرداش" (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي)، الذي قتل أيضا على يد القوات الأميركية في فبراير 2022، ليحل مكانه "خليفة ثالث" يدعى "أبو الحسن الهاشمي القرشي".
ورغم أن التنظيم لا يملك منذ سقوط "خلافته" أي مناطق تخضع تحت سيطرته الكاملة أو مواقع يمكن تحديدها بالخرائط، إلا أن مقاتليه لا يزالون ينفذون الهجمات، التي يرى خبراء محليون أنها تتصاعد بالتدريج، وخاصة في سوريا، التي ينتشرون في صحرائها مترامية الأطراف (البادية).
ومع ذلك يشير الخبراء، من بينهم الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، إلى أن التقديرات المعلنة عن أعداد مقاتلي "داعش"، والمحددة بـ10 آلاف لا يمكن أن تكون "دقيقة"، وخاصة عند الحديث عن "الشخصيات الفاعلة في داعش".
ويقول أبو هنية في حديث لموقع "الحرة": "يجب التركيز على المنهجية التي قامت عليها التقارير الحديثة، ولاسيما من زاوية تعريف الأعضاء ومن هم، ومن هم الفاعلون والكامنون".
ولا تنفصل التقديرات المتعلقة بمقاتلي داعش "عن أهداف سياسية وجيوسياسية. أحيانا يتم المبالغة بالأرقام وتضخيمها"، حسب تعبير أبو هنية.
وبعد خسارته لمساحته الجغرافية، والمرحلة التي دخلت فيها عقب عام 2019 حوّل داعش ولاياته "من عسكرية إلى أمنية"، بينما اعتمد نهج اللامركزية وحرب العصابات بعيدا عن "الحروب الكلاسيكية".
"في الوقت الحالي هناك لا مركزية من أعلى الهرم، وصولا إلى الولايات والقواطع".
ويرى الباحث أن رقم "10 آلاف" يمكن أن يكون خاصا "كخلايا أمنية وكامنة". وهذه الفئة يمكن أن يزيد عددها عن ذلك أيضا، مضيفا "بينما الفاعلون في الولايات والمفارز والقواطع فلا يزيد عددهم عن ألفين أو ثلاثة".
وعلى عكس استراتيجيته السابقة، لا يسعى "داعش" الآن إلى تنفيذ هجمات كبيرة، بل ينتظر "الاختلالات الجيو سياسية"، وفقا لأبو هنية.
ويوضح الباحث: "يجب التفريق بين الفاعلين والكامنين، وبين الخلايا الأمنية والرؤوس. الفاعلون لا يزيدون عن 3 آلاف، أما القسم الباقي فهم جيش احتياط ينتظر أي تحوّل، وخاصة في مناطق الفراغ الأمني".
"استغلال الفرصة"
في يوليو 2021، نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" تقريرا أوضح فيه أن "تصور تنظيم داعش الاستراتيجي حول المنطقة الجغرافية والوقت والانتصار يمثل عنصرا حاسما لإمكانية عودة ظهوره في المستقبل".
بالرغم من أن "داعش" قد تعرض لضربات موجعة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، إلا أنه أثبت قدرته الكبيرة على الصمود، حتى أنه قام بتوسيع أراضيه وتنويع عملياته عامي 2020 و2021.
وأضاف التقرير أن التنظيم "يمتلك أيديولوجيا فريدة وراسخة، تشكلت من خلال تصريحات كبار قادته، وتتكيف جيدا مع الخسائر الإقليمية الأخيرة".
وجاء فيه: "من هذا المنطلق، وبالتطلع إلى الأمام، سيكون من الضروري معالجة وفهم الممارسات الأيديولوجية للتنظيم، من أجل مكافحة أي عودة مستقبلية له بشكل فعال".
وبينما يعتبر الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، محمد صفر، أن "رقم 10 آلاف" كبير بالنسبة لمقاتلي "داعش"، يشير إلى أن الأخير قد يحاول استغلال الفرصة، للوصول إلى "الصدارة"، بعدما قتل زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، بضربة أميركية.
ويقول صفر لموقع "الحرة" إن "العدد الذي أورده تقرير الأمم المتحدة كبير في نطاق سوريا والعراق، لاسيما أننا نتحدث عن أفراد منظمين. في حال صحّت الأرقام بإمكان هذه المجموعات تنفيذ عمليات مؤثرة، خصوصا أن داعش كان يملك دولة في هذه المنطقة، وهو على اطلاع بتفاصيل وتضاريس والتداخلات العرقية والمجتمعية فيها".
ومع ذلك لا ينفي الباحث فكرة أن "داعش لا يزال يمثل تهديدا، باعتباره الوحيد الأقوى والأكثر تنظيما في الساحة، قياسيا بباقي الجماعات المتشددة. مثلا جبهة النصرة مثلا".
ويضيف أن "داعش ربما سيستثمر فرصة ضعف القاعدة، ويريد في الوقت الحالي أن يتبوأ مكانتها لمواجهة ما يسميها بقوى الاستكبار العالمي".
ويتابع: "التنظيم يرى مقتل الظواهري فرصة، وخاصة في ظل غياب قائد لتنظيم القاعدة. هو يريد الآن أن يكون في الصدارة".
"تقترب من الواقع"
في غضون ذلك وبعد خسارة داعش جميع مراكزه الحضرية بالعراق وسوريا في مارس 2019، بدأ التنظيم الإرهابي اتّباع استراتيجيات جديدة.
وتعتمد تلك الاستراتيجيات على المزاوجة بين الهجمات بمجموعات صغيرة متنقلة في مناطق هشّة أمنيا، وعمليات أمنية وعسكرية تتمثل في زرع عبوّات ناسفة وهجمات انتحارية وتخريب البنية التحتية للضغط على الحكومات.
فبعض المناطق من محافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين وأخرى قريبة من العاصمة بغداد، ما زالت تقع ضمن دائرة التهديدات الأمنية من جانب مقاتلي التنظيم.
وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، والتي تنشط فيها خلايا داعش بشكل أساسي في منطقة البادية السورية، والمترامية أطرافها في عدة محافظات، مثل: حمص وحماة وحلب ودير الزور والرقة والحسكة.
ويعتقد رائد الحامد، رئيس قسم الدراسات الأمنية في "مركز بغداد للدراسات الاستشرافية"، أن الأرقام التي تحدث عنها تقرير الأمم المتحدة "واقعية إلى حد ما".
ويوضح الحامد لموقع "الحرة" أن "الأمم المتحدة، التي تستند إلى تقارير الدول ذات الصلة، تضع الأرقام وفق معايير معينة تختلف عن المعايير التي يعتمدها الباحثون أو العسكريون".
وعلى سبيل المثال، تضع الأمم المتحدة تقديراتها لأعداد الخلايا النائمة، "وهم مقاتلون مفترضون". "هي تقديرات قد تقترب من الواقع أو تبتعد عنه طالما أن هذه الخلايا من الصعب التحقق من أعدادها".
ويضيف الباحث الأمني أن متابعة العمليات التي ينفذها مقاتلو التنظيم الإرهابي تشير إلى أن معظم العمليات، بما فيها الهجمات على مواقع وثكنات الجيش العراقي أو الحشد الشعبي أو البيشمركة، أو على قوات النظام السوري والقوات الشريكة أو الحليفة، في العادة تنفذها "مجموعات متنقلة" تتراوح أعدادها بين 10 إلى 15 مقاتل.
أما العمليات الأخرى، من "نصب الكمائن أو زرع العبوات الناسفة أو عمليات التصفية الجسدية أو الخطف"، فهي "لا تحتاج في تنفيذها إلا إلى أعداد قليلة قد لا تصل إلى خمسة مقاتلين في أعلى التقديرات"، بحسب الحامد.
وفي العدد الأخير من "مجلة النبأ" التي تصدر عن الإعلام المركزي لـ"داعش" أسبوعيا، نفذ التنظيم 10 عمليات في العراق وست عمليات في سوريا.
وذلك يعني أن التنظيم نفذ 16 عملية خلال أسبوع كامل، في حين تعدت عملياته في العراق فقط 100 عملية يوميا خلال العام 2013.
ويقود ما سبق، وفق الحامد، إلى أن "أعداد مقاتلي التنظيم المسلحين منهم في العراق وسوريا، قد لا تتعدى ما بين 2 إلى 3 آلاف مسلح ينفذ عمليات قتالية. وقد تكون أقل".
ويشير الحامد إلى أنه "لابد الأخذ بالحسبان حقيقة الصعوبات التي يعيشها التنظيم في عمليات التجنيد بعد فشله في إدارة السكان المحليين خلال أعوام سيطرته على المدن في العراق وسوريا، إلى جانب حقيقة أخرى هي أن التنظيم يُستنزف بشكل تدريجي سواء باغتيال أو اعتقال قياداته ومقاتليه وصعوبة تعويضهم".
الحرة