الإخوان المسلمون في أوروبا – المخاطر والتحديات - مقالات
أحدث المقالات

الإخوان المسلمون في أوروبا – المخاطر والتحديات

الإخوان المسلمون في أوروبا – المخاطر والتحديات

يواجهة تنظيم الإخوان المسلمون داخل أوروبا إجراءات غير مسبوقة تستهدف الحد من نشاطه وتتبع مصادر تمويله وتقليصها وكشف خفاياه، وإعادة تطوير المنظومة التشريعية لتتناسب مع آليات المواجهة.

واجهت جماعة الإخوان المسلمون في الأعوام الأخيرة العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها المتطرفة والإرهابية داخل أروقة البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان المسلمون والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف. لكن كان مصير هذه التحقيقات دائماً أن تظل حبيسة الأدراج على الرغم من علم الحكومة البريطانية واستخباراتها بهذه النشاطات. بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

المواجهة الأوروبية الحاسمة ضد الإخوان المسلمون

تنبهت أوروبا للخطر المحدق الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمون على مجتمعاتها مع تنامي الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدة عواصم أوروبية في عام 2020، وأثبتت التحقيقات انتماء منفذوها لتنظيمات التطرف الإسلاموي في البلاد، كان أبرزها هجوم فيينا الدموي الذي وقع في 2 نوفمبر 2020، وهجمات نيس الفرنسية التي وقعت في 30 أكتوبر 2020، بالإضافة لجريمة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي في أكتوبر من نفس العام.

بدأت الدول الأوروبية في تعديل استراتيجاتها في التعامل مع تنظيم الإخوان، بعد عدة تحذيرات أوردتها تقارير أمنية واستخباراتية أوروبية حذرت من خطر توغل التنظيم في المجتمعات الأوروبية، وعزز القرار ظهور الأذرع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمون  في مصر في أعقاب عام 2013 وأبرزها تنظيمي “حسم” و”لواء الثوورة” المصنفين على قوائم الإرهاب الأميركية، بعد تنفيذ عدة عمليات استهدفت مؤسسات مصرية وشخصيات عامة كوسيلة انتقامية للجماعة بعد سقوطها عن الحكم، وبالرغم من تكرار النفي من جانب أذرع التنظيم صلتهم بالجماعة الأم في مصر، إلا أن الصلات التنظيمية كانت ظاهرة في الواقع وأكدتها عدة تقارير.

اعتبرت سوزان شروتر، رئيسة مركز أبحاث الإسلام العالمي في فرانكفورت الألمانية وعضو المجلس الاستشاري العلمي للمركز النمساوي لتوثيق الإسلام السياسي، أن جماعة الإخوان المسلمون هي “أخطر تنظيم للإسلام السياسي في الغرب”، متحدثة عن “إجراءات نموذجية اتخذتها النمسا ضدها”.وأدركت النمسا خطر الجماعة، واتخذت إجراءات متتابعة ضد الإخوان المسلمون بدءا من حظر الرموز إلى إنشاء مركز توثيق الإسلام السياسي لمراقبتها، وإعداد تقارير عن أنشطتها ورفعها للسلطات المعنية في فيينا، بحسب ما نشرته صحيفة “فلوكس بلات”، بتاريخ 29 يوليو 2021.

اعتمدت السويد وبريطانيا عدة استراتيجيات لمكافحة الإرهاب اليميني المتطرف والإسلاموي ولمنع التهديدات المختلطة. كما زادت البلدان من مرونة البنية التحتية الحيوية والتدابير الأمنية لتعزيز الأمن السيبراني. وبذلت كذلك ألمانيا والنمسا جهودا واسعة في محاربة التطرف والإرهاب خلال العام 2021، ونجحتا بشكل جيد في الحد من أنشطة الجماعات المتطرفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تم حظرها. وفي السياق أيضا، كشفت الحكومة الفرنسية في 5 أبريل 2021، عن مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الإنترنت كـ”واتساب” و”سيغنال” و”تيليغرام” باستخدام الخوارزميات، وتوسيع استخدام أجهزة الاستخبارات الفرنسية للخوارزميات لتعقب الإرهابيين المحتملين.

 عقود من التوغل

ونشطت جماعة الاخوان المسلمون في المجتمع الأوروبي منذ حوالي ستة أعوام، وسعت إلى استخدام المنظمات غير الحكومية الفرنسية الغير هادفة للربح مثل الجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات بهدف الترويج إلى افكارها المتطرفة، والقيام بأعمال العنف والتطرف. أعلنت السلطات الألمانية حظر جماعة “أنصار الدولية” في 6 مايو 2021 بسبب تورطها في تمويل منظمات إرهابية كـ”هيئة تحرير الشام” في سوريا و”حركة الشباب الصومالية”.ويعتمد الاتحاد الأوروبي عدة معايير لتصنيف المنظمات كمنظمة إرهابية وتجميد الأصول المرتبطة بها حيث تقوم الجهات المعنية بالاتحاد، بإعداد سجل للأفراد والمنظمات المنخرطة في أعمال وأنشطة إرهابية وتجميد أرصدة وأصول الكيانات والأفراد المتورطة.

ومن أبرز تلك المعايير تورط الأفراد أو المنظمات برعاية أو تمويل الإرهاب أن تكون المنظمة أجنبية وانخرطت في أعمال وأنشطة إرهابية، وتلك الأعمال شكت تهديدا لأمن الاتحاد.وأقر البرلمان الألماني في 7 مايو 2021 تعديلاً على قانون مكافحة التطرف والكراهية على شبكة الإنترنت، يسمح القانون بتوسيع صلاحيات الشرطة والقضاء لاتخاذ إجراءات كثيرة جداً وأكثر حسماً ضد أي أشكال تحريض.

رصدت الاستخبارات الألمانية في 24 فبراير 2022 تزايد عدد عناصر الإخوان القيادية في العاصمة برلين، بشكل كبير، محذرة من نشاط هذه المجموعة. كما تمتلك جماعة الإخوان (150) في عام 2022، مقارنة بـ(100) فقط في عام 2019. وهناك تحذيرات من هيئة حماية الدستور صدرت في 10 يناير 2022 من خطر انتشار تنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، حيث ارتفع عدد العناصر الرئيسية لتنظيم الإخوان في ألمانيا من (1350) في عام 2019 إلى (1450) في 2020. وباتت أيدلوجية الإخوان لا تتوافق أبداً مع المبادئ التي يكفلها الدستور الألماني، كما أنها لا تهتم بإجراء انتخابات حرة، أو المساواة في المعاملة، وحرية التعبير والحرية الدينية.

الإخوان المسلمون في ألمانيا

استبعد المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا جمعية صنفتها الاستخبارات الألمانية على أنها تابعة لشبكة الإخوان المسلمين. والقناعات الأساسية للجمعية تتضمن إقامة أنظمة سيادة إسلاموية لا تتوافق مع مبادئ ديمقراطية مثل حرية الرأي والسيادة الشعبية والمساواة. وتلك المجموعات والجماعات جزء من مما يطلق عليه الطيف القانوني والمقصود به المجموعات التي لا تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق شن هجمات إرهابية بل عن طريق إحداث تغيير على المدى البعيد سياسيا استنادا إلى القوانين المحلية.

نشرت صحيفة “دي فيلت” الألمانية في ديسمبر 2022 تقريراً يشير إلى تزايد التمويل الذي تتلاقاه جمعيات مرتبطة بـ”الإخوان المسلمين” من منظمات شبيهة مقرها بريطانيا. وتعمل تلك الجمعيات “في هياكل أشبه بالمافيات”. وإن منظمة مقرّها بريطانيا تُدعى “أوروبا تراست” استحوذت على مبنى في منطقة “فيدينغ” في برلين بقيمة (4) ملايين يورو، وإن جمعيات ومنظمات عدة انتقلت إلى برلين، والآن باتوا يخضعون لمراقبة المخابرات الألمانية الداخلية.

الاقتراحات الصادرة عن حزب الديمقراطيين المسيحيين (CDU) وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) في 13 أبريل 2021، تشدد على قطع جميع الإعانات والدعم والتعاون مع جماعات الإسلام السياسي التي تراقبها وكالة المخابرات المحلية الألمانية هيئة حماية الدستور. ويؤكد ذلك “كريستوف دي فريس” عضو البرلمان الألمانى “البوندستاج” بإن” الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي سيتخذ موقفًا واضحًا في محاربة الإسلام السياسي”. وهناك مطالب برلمانية منذ عام 2020 لإحزاب اليسار بإنهاء صمتها عن “إرهاب الجماعات”، ورفض أي تسامح مع تنظيمات الإخوان المسلمون  وحماس وحزب الله، بالإضافة إلى مطالبات حزب الخضر باتخاذ إجراءات قوية ضد جماعات الإسلام السياسي.

الإخوان في بريطانيا

يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسي محكَم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا. فيما تنامت حجم الاستثمارات المباشرة والغير مباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان المسلمون يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 – 10) مليارات دولار.  وقد حصلت شركات الإخوان المسلمون ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السري لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.

اللورد مارلسفورد، النائب عن حزب المحافظين، سأل الحكومة في 26 أكتوبر 2021 عن تقييمها لتعيين إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، وما هو تقييمها لأي تهديد يمثله وجوده على الأمن القومي البريطاني والعلاقات الدولية؟ وجاء الرد في 5 نوفمبر 2021، حين قالت الحكومة البريطانية: بأنها ترفض التعليق.

الإخوان المسلمون في فرنسا

تضم فرنسا  أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا حيث يقدر عدد المسلمين الذين يعشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) مليون مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أن الغالبية الساحقة من مسلمي فرنسا هم من دول المغرب العربي ونسبتهم (82%) من مجمل مسلمي فرنسا (43.2 %) من الجزائر، (27.5 %) من المغرب و(11.4%) من تونس و(9.3%) من إفريقيا جنوب الصحراء و(8.6%) من تركيا و(0.1%) فرنسيون تحولوا إلى الإسلام نحو (70,000) متحول للإسلام.

تشترك حركات الإسلام السياسي بوجه عام فيما يسمي بالاستغلال السياسي للأزمات وتوظيفها سواء للوصول إلى السلطة أو التحريض ضد الأنظمة الحاكمة ومحاولة تشويه صورتها أو في التغلغل في المجتمع وبناء قاعدة شعبية لها، وخاصة ضمن أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة، وتأتي جماعة الإخوان في مقدمة هذه الحركات التي لم تترك أزمة أياً كانت سياسيةً أو اقتصاديةً أو إنسانيةً إلا وحاولت استغلالها لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها. وكشفت التقارير أن مؤيدي الإسلام السياسي، يسعون حالياً إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل إنشاء دولة الخلافة، ويغذون في بعض المدن نزعة انفصالية خطيرة.

**

الإخوان المسلمون  في أوروبا – الشبكات المالية والانتشار المجتمعي

في خضم أزمات متعاقبة وصراعات محتدمة تمر بها جماعة الإخوان المسلمين على مدار نحو عشرة سنوات، وتحديداً في أعقاب سقوط الحركة عن الحكم في مصر عام 2013، وما تبعه من تداعيات أثرت على كافة أفرع التنظيم وروابطه حول العالم، وأنتجت تحولات مفصلية فيما يتعلق بالهيكل الإداري التاريخي، والتفاعلات الحركية للإخوان في الشارع السياسي العربي والغربي أيضاً،  تجد الجماعة نفسها اليوم، أمام مواجهة من العيار الثقيل، تتعلق بالإجراءات الأوروبية الهادفة لمواجهة انتشار التيارات الإسلاموية المتطرفة داخل مجتمعاتها.

واعتمدت جماعة الإخوان على أوروبا باعتبارها مساحة رحبة لنشر أفكار التنظيم وأيضاً تأسيس شبكاته المالية الضخمة، على مدار نحو ستة عقود مضت، بدأت منذ تأسيس المركز الإسلامي بميونخ في عام 1954 على يد سعيد رمضان صهر حسن البنا مؤسس الجماعة الأم في مصر، ثم انطلقت معظم الأفرع التنظيمية للجنماعة في معظم الدول الأوروبية، وكان أبرزها بريطانيا، فرنسا، النمسا، فرنسا، وغيرهم.

الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا

تعتمد استراتيجية جماعة الإخوان على الانتشار في أوروبا، على منحى عكسي، مقارنة بنشاطها في الدول العربية، بمعنى أن عملية التوغل في الدول الأوروبية تحدث من خلال مؤسسات خيرية ومنظمات اجتماعية ومدنية، وليست تحت هيكل تنظيمي موحد أو ثابت أو إطار سياسي وتنظيمي، كما هو الحال في مصر على سبيل المثال، وبالتالي يجد الباحثيين وكذلك السلطات التي تراقب نشاط الإخوان في تلك الدول، صعوبة في وضع حدود فاصلة لتلك المؤسسات والتأكد من انتماءها تنظيميا للإخوان.

وبالتالي يختلف الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا من دولة إلى آخرى، ولكن الملمح المشترك يتعلق بالأهداف التي تسعى كافة المنظمات والمؤسسات التابعة للتنظيم حول العالم إلى تحقيقها، والمواقف التي يتم تمريرها من خلال تلك المؤسسات، وكذلك علاقتها بنشاط الجماعة الأم في مصر أو بعض الدول العربية، فضلا عن المعلومات التي تتكشف من حين إلى آخر بخصوص، التعاون بينها وبين أذرع الإخوان في العالم.

وتم رصد  مؤسسات ومنظمات دولية ترسل أموالا لكيانات تابعة للإخوان، من هذه المنظمات الدولية “هيئة الإغاثة الإسلامية”، التي بدأت مؤخرا في التكثيف من فعالياتها من أجل جمع التبرعات، وأكدت الاستخبارت الإسبانية أن “جهات أخرى ترسل دعما للإخوان في برشلونة”، لكنه رفضت الإفصاح عن هوية هذه الجهات، أو وجهتها

تنقسم جماعة الإخوان إلى 67 فرعا حول العالم، يضعها التنظيم الدولي تحت تقسيم جغرافي إلى 7 مناطق، أهمها على الإطلاق في الوقت الراهن أوروبا باعتبارها الملاذ الآمن لنشاط التنظيم، وبوجه عام يمكن تقسيم الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا كالأتي:

  • التنظيم الدولي: الذي أسسه مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة عام 1982 بعد هربه من مصر إلى ألمانيا، حيث دخلت تحت مظلته مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاقتصادية حول العالم، بهدف تحقيق مخطط الجماعة لأستاذية العالم، الذي أقره حسن البنا، ويعني أن تصل الجماعة إلى الحكم في أكبر عدد من الدول العربية بالتزامن، وتتمكن من التسلل لمؤسسات العمل التنفيذي في الدول الغربية، ومقره الرئيسي في لندن ويترأسه في الوقت الراهن إبراهيم منير، ويعد امتداد للجماعة الأم في مصر ويخضع في إدارته لمكتب الإرشاد، وفق اللائحة الداخلية للجماعة، ولكن في ضوء الأزمات التي مرت بها الجماعة يحاول التنظيم الدولي الانفراد بالسلطة المركزية في التنظيم وإقصاء إخوان مصر المتواجدين في اسطنبول، نهائياً.
  • المنظمات والمؤسسات التابعة للإخوان: التي تم تأسيسها في الدول الأوروبية تحت غطاء القانون لكنها تعمل وفق أهداف التنظيم وعلى تحقيق أجندته الخاصة، وبحسب المعلومات المتاحة في هذا الصدد، تعد أبرز تلك المؤسسات؛ الرابطة الإسلامية في بريطانيا، المجلس الإسلامي البريطاني، الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا، التجمع الإسلامي في ألمانيا، ومنظمة “رؤيا” الألمانية، نظمة المرأة المسلمة في ألمانيا، وتترأسها القيادية الإخوانية رشيدة النقزي، والمجلس الإسلامي فى برلين الذي يضم خضر عبد المعطى أهم قيادات تنظيم الإخوان المسلمون الدولي، والمركز الإسلامي في ميونيخ: وهو التنظيم المركزي لجماعة الإخوان في ألمانيا.
  • الشبكات المالية للإخوان: وبالرغم من عدم توافر أرقام دقيقة ومحددة حول “الإمبراطورية المالية” لجماعة الإخوان في أوروبا، إلا أن التقديرات تؤكد أنها شبكة ضخمة متعددة الأوجه، تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية المصرفية والشركات في مختلف القطاعات، والتجارة الحلال، و “الأوف شور”.

ويقصد بـ” الأوف شور”، أنها ” شركات يتم تأسيسها فى دولة أخرى غير الدولة التى تمارس فيها جماعة الإحوان نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتى الآن فى لفت أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التى تطارد هياكل تمويل الإرهاب، فى كل أنحاء العالم”، وتعد أحد أهم الروافد التمويلية لجماعة الإخوان.

وذكر تقرير لمجلة “إنسايدرز” الأميركية في هذا الصدد، أن قيمة التجارة الخاصة باللحوم الحلال بلغت 2.3 تريليون دولار أميركي سنويا حول العالم بوجه عام، جزء كبير منها يتبع الإخوان، كما يتوقع أن ينمو حجم سوق الأغذية والمشروبات الحلال العالمي ليصل إلى 739.59 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025.

ويتولى القيادي الإخواني عبد الرحمن الشواف، المقيم في إسطنبول وأحد مساعدي الرئيس المعزول محمد مرسي، مهمة إدارة ملف الاقتصاد والتنسيق بين الإخوان في الخارج، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين أبرزهم يوسف ندا، ورجل الأعمال العراقي أنس التكريتي، فضلا عن مجموعة من الاستثمارات يشرف عليها منير، وأخرى تحت عين حسين بشكل مباشر منذ احتدام الأزمة بين الجبهتين، بحسب ما كشفته مصادر مطلعة على ملف الأزمة لموقع “سكاي نيوز عربية”.

ورصدت تقارير أوروبية مجموعة من الاستثمارات التابعة لجماعة الإخوان داخل أوروبا بالإضافة إلى تجارة “الحلال” و”الأوف شور”، منها على سبيل المثال:

  • بنك التقوي: أسسه القيادي الإخواني يوسف ندا والملقب بـ”البرنس” استناداً إلي علاقاته مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية، بلغ رأس مال بنك التقوي ما يعادل (229 ) مليون دولار،قامت مجموعة التقوى بتأسيس العديد من الأفرع لها في ليختنشتاين وبريطانيا.
  • بنك أكيدا الدولي : تأسس فى “ناسو” ومتورط في تمويل عدد من الجماعات الأصولية، من بينها حركة حماس، وجبهة الخلاص الإسلامية، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وجماعة النهضة التونسية، بالإضافة إلي تنظيم القاعدة.
  • مؤسسة أوروبا : تأسست عام 1997 ويقع مقرها فى “ليستر شاير”، شغل منصب مديرها التنفيذى “أحمد الراوى”، هو عضو فى المكتب الدولى لجماعة الإخوان.
  • شركة “Stahel Hardmeyer AG in Nachlassliquidation“: و تأسست في مارس 1967، ويصل رأس مالها إلى (18.3) ملايين فرنك سويسري، وتعمل الشركة في مجال تجارة الجملة والمنسوجات القطنية، ولديها عدد من الشركات التابعة في عدد من الدول.
  • شركة “World Media Services Ltd” : تأُسست عام 1993 وهى شركة تعمل فى مجال خدمات وسائل الإعلام.
  • شركة ” Jordan Company Secretaries Limited “: وتأُسست فى 2007، وتعمل فى مجال توفير الخدمات للشركات البريطانية وخدمات المعلومات التجارية.
  • شركة “BS Altena AG” : تم تأسيسها في عام 2010 وتعمل في مجال العقارات طويلة الأجل.

**

إخوان أوروبا – صراع النفوذ والإنقسام

تكشفت الكثير من المعلومات عن طبيعة النشاط التنظيمي للجماعة خارج منطقة الشرق الأوسط، مع احتدام الصراع القيادي داخل جماعة الإخوان، ولعل الملمح الأهم في الصراع الأخير المتفاقم منذ أكتوبر 2021، يتمثل في النطاق الجغرافي، فبرغم كونه تنافسغير محموم بين القيادات (جميعهم من أصل مصري) للسيطرة على مراكز السلطة والمال داخل التنظيم، إلا أن حلقاته جميعها تدور بين لندن وإسطنبول، وتعكس طبيعة النفوذ والتوغل الإخواني داخل القارة الأوروبية.

 تفجرت أزمة الإخوان للعلن في 10 أكتوبر 2021 بعد قرار من القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير، وهو أحد أبرز قيادات التنظيم الدولي ويقيم في لندن منذ عقود، بفصل 6 من قيادات مكتب إرشاد مصر على رأسهم الأمين العام محمود حسين، ومدحت الحداد ومحمد عبدالوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك، واتهامهم بقضايا أخلاقية وفساد، بحسب بيان صادر عن جبهة منير، ثم توالت الأحداث بعد ذلك حيث أعلن محمود حسين في 26 نوفمبر 2021 قرار عزل إبراهيم منير من منصبه واعتبار قراراته غير سارية، بحسب فيديو نشره الموقع الرسمي للجماعة.

إخوان أوروبا جزء من الجماعة “الإرهابية

لكن حالة الصراع تعود بدايتها إلى عام 2014، بعد سقوط الجماعة عن الحكم في مصر إثر ثورة 30 يونيو 2013، وما تبعها من انقسام وصراع بين القياديين محمود عزت، القائم بأعمال المرشد أنذاك ومحمد كمال عضو مكتب الإرشاد والمشرف على التنظيم الخاص أو الجناح المسلح، هدأت بعد مقتل الأول في مداهمة للشرطة المصرة عام 2016، ثم عادت للتوهج بعد القبض على الثاني في أواخر عام 2020، ومن ثم ظهور الخلافات بين إخون مصر الهاربين فيتركيا بقيادة محمود حسين، وقيادات التنظيم الدولي في أوروبا بقيادة إبراهيم منير، وحاول الطرفين السيطرة على السلطة المركزية داخل التنظيم بتوجبه كلاً منهما اتهامات للآخر بالفساد والخروج عن الجماعة، لم تنتهي حتى الوقت الراهن.

وأظهرت حالة الصراع الراهن حقيقة حاولت الجماعة إنكارها على مدى العقود الماضي، حول علاقة التنظيم الدولي بالجماعة، المُصنفة “إرهابية” في مصر وعدة دول عربية، منذ عام 2014، وأثبتت مدى ارتباط هؤلاء بتنظيم الإخوان في الداخل المصري وأنهم جميعاً يدورون في فلك التنظيم نفسه. وهو ما دفع الدول الأوروبية إلى مراجعة أنشطة التنظيم على أراضيها ووضعه تحت مراقبة دقيقة والشروع في إجراءات لتتبع أنشطته ومراقبة مصادر تمويله.

أبرز قيادات التنظيم في أوروبا

حذرت الاستخبارات الألمانية في 17 أغسطس 2020 من تنامي تزايد أعداد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، وأشار التقرير الاستخباراتي إلى أن التنظيم يعمل على فرض نظام يتناسب مع تفسيرهم المنغلق للشريعة الإسلامية”. من أجل  تقويض النظام الديمقراطي ونشر الأفكار المتطرفة، كذلك اتخذت النمسا إجراءات متسارعة لحظر أنشطة التنظيم ورموزه في 8 يوليو 2021، فيما أعلنت فرنسا إجراءات مشابهة لتقويض نشاط التنظيم على مدار عامي 2020 و2021.

  • إبراهيم الزيات: يحمل الجنسية الألمانية وشغل عدة مناصب في العديد من المنظمات الإسلامية في ألمانيا وأوروبا ويحاضر بانتظام حول قضايا الاندماج والهوية الإسلامية في البلدان الأوروبية ، فضلاً عن التمويل والاقتصاد الإسلاميين.
  • محمد طه صبري: يعد من أهم قيادات الإخوان المسلمين في ألمانيا وأحد كوادر ” المركز الثقافي للحوار”. والأن هو إمام مسجد السلام  في حي “نويكولن” في برلين. ففي 3 أبريل 2020. قبالة مسجد “دار السلام”.
  • خضر عبد المعطي: الذي لعب دورا هاما في دعم تنظيم الإخوان المسلمين أثناء وصولهم للحكم في مصر. ومن أهم القيادات الإخوانية على المستوى الدولي  ويعد المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ في أوروبا.
  • فريد حيدر وخالد صديق: أحد قيادات “المركز الثقافي للحوار” التابع للإخوان المسلمين في ألمانيا. ويلعبا دورا هاما في جذب  واستقطاب وتجنيد شباب الجاليات المسلمة  واللاجئين والمهاجرين
  • جعفر عبدالسلام: ترأس مركز “الرسالة” لتعليم اللغة العربية ومقره برلين وحرص “جعفر” على تنامي أنشطة تنظيم الإخوان وتوسيع نفوذهم من خلال المركز واستغلال الأطفال والجاليات المسلمة.
  • عبد الحكيم صفريوي مغربي الأصل يحمل الجنسية الفرنسية بدأ أنشطته منذ الثمانينيات ، أطلق على نفسه عام 2000 لقب “إمام”، أنشأ جماعة “الشيخ ياسين” في عام 2004وأدار دارا لنشر الكتب في الدائرة 11 لباريس.
  • أحمد جاب الله : تونسي الأصل ويملك علاقات وطيدة مع حركة النهضة التونسية ورئيسها” راشد الغنوشي” عمل كرئيسا سابقا لـ” منظمة مسلمي فرنسا” اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) سابقا والمرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا.
  • طارق رمضان: أحد القيادات الاخوانية في أوروبا ومن أكثر الشخصيات المؤثرة فيها.
  • هاني رمضان: حفيد “حسن البنا” مؤسس جماعة الاخوان المسلمي معروف بميوله السلفية. يرى أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأحق بالحكم ويحث الجماعة على التمسك بالسلطة والعمل على استقطاب وتجنيد كوادر وخبرات في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
  • رشيدة النقزي: تعد أبرز القيادات النسائية لتنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا. تونسية الأصل و تقيم  في مدينة ” Bonn” تترأس قسم المرأة باتحاد المنظمات الإسلامية واحد أهم القيادات النسائية قى جماعة الإخوان المسلمين.
  • ليديا نوفل :أشار الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية “كارستن فريرك” في 2 أبريل 2021 أن الناشطة ” ليديا نوفل” تلعب أدواراً متشعبة لكنها متكاملة، لخدمة أهداف الإخوان في ألمانيا حيث شاركت في شاركت نوفل في تأسيس مجموعة العمل الإسلامية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لتسمح للإخوان باختراق ثاني أكبر أحزاب ألمانيا.  وتستغلّ نوفل شبكات علاقاتها وتغلغلها بالمجتمع للضغط من أجل ضخّ تمويل حكومي للجمعيات الإسلامية التي يسيطر الإخوان على جانب كبير منها، ومنها جمعية إنسان التي تتلقى أموالاً ضخمة من جيب دافع الضرائب الألماني.
  • نينا موهي: تعد  ثاني وجه نسائي في الإخوان يخترق مؤسسة ألمانية. وتلعب موهي دوراً أخطر عبر منظمة “كليم”،  التي  تُستخدم من قبل جماعة الإخوان في مهاجمة منتقديها وشيطنة مواقفهم، والضغط على الحكومة الألمانية لتحقيق أهدافها، عبر ادّعاء المظلومية والتعرّض لانتهاكات واعتداءات عنصرية.

من يحكم صراع الإخوان؟

تتعدد السيناريوهات المستقبلية الحاكمة للصراع الراهن داخل جماعة الإخوان، لكن جميعها مرتبط بحالة التشظي التنظيمي المحتملة والانهيارالكامل للهيكل التنظيمي، فيما تشير التقديرات إلى احتمال تحول الجماعة إلى “تيار عام”، لتفادي التلاشي الكامل.

وحتى الوقت الراهن لايمكن الحكم على الصراع بأنه انتهى، لكنه هدأ في خضم الكثير من الأحداث والتداعيات، وعلى الأرجح قد تمكنت مجموعة مصر  بقيادة محمود حسين من حسم الصراع لصالحها، لعدة أسباب، أهمها أنها تسيطر على غالبية مصادر التمويل داخل الجماعة، وأيضاً تتحكم في جميع المنصات الإعلامية “الرسمية” التابعة له وهى أداة غاية في الأهمية لمخاطبة قواعد التنظيم أو إيصال رسائل بشأن الوضع الراهن داخل التنظيم.

التقييم 

وصلت جماعة الإخوان إلى درجة غير مسبوقة من التشظي التنظيمي والانهيار الذي لحق بكافة أفرعها سواء في المطقة العربية، مثل سقوط أخر مناطق النفوذ في تونس والمغرب، أو في أوروبا، بدليل بدء المواجهات الحاسمة ضد التنظيم فيعدة دول ذكرنا منها ألمانيا والنمسا وفرنسا، فيما يرتقب وصول تلك الإجراءات إلأى معظم دول القارة بنهاية عام 2022، في إطار الاستراتيجة الشاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف.

من المتوقع، أن تفضي التحركات الأوروبية الراهنة، في ضوء وضع نشاطات الجماعة تحت الرقابة المكثفة وتتبع مصادر تمويلها وكذلك صلاتها بالتنظيمات الإرهابية في العالم، وأيضاً في ضوء القرارات من جانب عدة دول بحظر نشاطات الجماعة ورومزها، إلى وضع الجماعة على قوائم الإرهاب في بعض الدول الأوروبية.

**

تواجه جماعة الإخوان أزمة “احتضار” بالتزامن مع جهود المواجهة الأوروبية التي تستهدف تقليص نشاط التنظيم ووضعه تحت رقابة صارمة وكذلك تتبع مصادر تمويله ومراقبة أعضاءه البارزين، لأنها تفقد أحد أهم ملاذاتها الآمنة في الوقت الراهن، الأمر الذي يزيد أزمة التنظيم تعقيداً ويهدد بانهيارات أكثر تأثيراً وخطورة على بنيته الهيكلية وتماسكه وكذلك تحكم قياداته في مراكز السلطة والنفوذ.

تتأثر الروافد المالية للتنظيم في أوروبا بشكل مباشر بتلك التداعيات، ولا يستبعد أن يبحث التنظيم المأزوم عن ملاذات بديلة لاستثماراته وأنشطته بعيداً عن المواجهة الأوروبية الحاسمة، خاصة بعد البدء في تطبيق الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التطرف والتي أقرها الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2020، وتشير التقديرات إلأى توجه التنظيم نحو غرب أفريقيا وماليزيا ودول شرق آسيا كملاذات بديلة أكثر أمناً واستقراراً.

للمرة الاولى في تاريخيه، بات التنظيم في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع الدول الأوروبية، ما يفقده واحدة من أهم مساحاته التنظيمية الهامة للعمل بشكل حر، وبالرغم من العلاقات القوية التي تربط بعض قياداته بالمسؤولين في النظم الأوروبية إلا أن تلك الدول تواجه ضغوطاً متزايدة تشترط ضرورة مواجهة نشاط الإخوان باعتبارها أحد بؤر التطرف.

لا يستبعد أن تفضي التحركات الأوروبية الراهنة، في ضوء وضع نشاطات الجماعة تحت الرقابة المكثفة وتتبع مصادار تمويلها وكذلك صلاتها بالتنظيمات الإرهابية في العالم، وأيضاً في ضوء القرارات من جانب عدة دول بحظر نشاطات الجماعة ورومزها، إلى وضع الجماعة على قوائم الإرهاب في بعض الدول الأوروبية.

**

كشفت أزمة الإخوان الأخيرة، وتحديداً ما يتعلق بالصراع القيادي بين أعضاءه، حقيقة ارتباط التنظيم في أوروبا  بالجماعة الأم في مصر، بل كشفت بعض المعلومات تباعاً، أن إخوان أوروبا هم المسؤولين عن تمويل ودعم أنشطة الجماعة داخل مصر، وبالتالي تنبهت الدول الأوروبية للخطر الذيتمثله أفرع التنظيم على أراضيها، وبدأت بتبني خطط للمواجهة وتحجيم النفوذ وتتبع مصادر التمويل.

يسعى تنظيم الإخوان ومنذ عشرات الأعوام لإنشاء مجتمعات متوازية ومنغلقة في أوروبا، هدفها الأساسي العمل على معارضة النظام الديمقراطي القائم ومعادات الحريات العامة، وكل ذلك استثماراً بالبيئات العربية والمسلمة في أوروبا ومن خلال تلك المراكز الدينية والتعليمية، ومن هنا أتت الصحوة الأخيرة للحكومات الأوروبية وبريطانيا بفرض عقوبات وقيود جديدة وشديدة على تنظيم الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي، وحظر بعض مقراتهم، تمهيداً لحظر الجماعة في أوروبا ومنعهم من ممارسة نشاطاتهم المتطرفة التي تشجع على الإرهاب والقضاء على النظام الديمقراطي في البلاد

رابط مختصر ……https://www.europarabct.com/?p=81210

* المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث