محمود عبد الرحمن
حصلت تيريزا وشقيقتاها على نصف ما حصل عليه إخوتهن الذكور، بحسب التقسيم على الشريعة الإسلامية، على الرغم من أنهم مسيحيون.
وتروي تيريزا الشال، وهي امرأة في نهاية عقدها الرابع، أنها اعترضت على ذلك ولكن شقيقها ردّ بكلمات قاسية على اعتراضها وقال لها: "هو دا حقي وأنا اللي هاخده واخبطي دماغك في الحيط".
وأضافت لرصيف22 أن هذا التقسيم يفضله الذكور المسيحيون لأن النسبة الأعلى من الميراث تصب في جعبتهم، فتزول عصبيتهم ضد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم في هذه الحالة.
ورأت أن القانون والعادات والتقاليد أعطت للرجل المسيحي سلطة يستطيع من خلالها التحكم في تقسيم الإرث.
وعلّقت بسخرية: "هو أنا بتجوز بالشريعة المسيحية وبورث بالشريعة الإسلامية ولو اطلقت بتطلّق بالمسيحية. هو أنا أيه؟".
الجلسات العرفية... ضياع الحق بـ"التراضي"
حاولت الشال إعادة تقسيم الميراث مع إخوتها الذكور بشكل ودي في جلسات عرفية بين كبار العائلة، لكنها واجهت عادات وتقاليد كادت أن تودي بكل حصتها.
وقالت: "أنا من محافظة ريفية، ما زلنا نحتفظ بعادات وتقاليد. وفي الجلسات الرجال لا يعترفون من الأساس بحق المرأة في الميراث ويعتبرون أن حكم المحكمة كلام على ورق، وأن الميراث حق الرجال".
ورصدت دراسات عدة واقع المرأة بشكل عام، وخصوصاً حصولها على الإرث، أبرزها دراسة لسلوى محمد المهدي أحمد تحت عنوان "ميراث المرأة في صعيد مصر بين الواقع والمأمول" بيّنت أن 95 في المئة من النساء في محافظتي قنا وسوهاج، صعيد مصر، محرومات من الميراث.
وعلى الرغم من أن الدستور المصري يكفل الاحتكام إلى شرائع غير المسلمين في ما يخصهم، إلا أنهم يخضعون لأحكام الشريعة الإسلامية في تقسيم المواريث.
لم تتمكن تيريزا من تصعيد الأمر أكثر من ذلك، فاللجوء إلى المحاكم أو القانون يعتبر وصمة عار، وقالت: "لو تحدثت في الموضوع أكثر من ذلك هدخل في عداء مع إخواتي ومع أهلي. سيقال حينها أنتِ أزاي بتتكلمي في فلوس معاهم".
وأضافت: "في النهاية، أخذت أقل من نصف ما أخذه كل واحد من إخوتي الذكور، بطلوع الروح".
وتابعت: "لا وجود لنصوص صريحة وواضحة في الكتاب المقدس بشأن الميراث، لذلك يلجأون إلى أحكام شريعة أخرى لتحقيق مصالح شخصية، إلا أنهم يجهلون أن المساواة بين الذكر والأنثى مبدأ عام في الإنجيل".
صدمة الاحتكام إلى شريعة أخرى
دميانة يونان عاشت تجربة مماثلة. لديها أربع أخوات فكان أن قاسمهم ميراثهن خمسة من أعمامها وعمتان وجدتها، حاجزين لأنفسهم ثلث الورثة، وتاركين الثلثين للأخوات الخمس.
وإعلان الوراثة هو بيان يخرج من قاضي محكمة الأسرة بعد وفاة أي شخص، يوضح فيه المستحقون للميراث وحصة كل منهم، طبقاً للشريعة الإسلامية.
شعرت دميانة بحالة من القهر لتقسيم إرث والدها وفق أحكام شريعة دينية أخرى، وقالت: "فكرة إني أتحاسب أو أتحاكم على ديانة أخرى بيحسسني إني مواطن درجة تانية".
تعرضت يونان إلى هجوم شديد عندما ناقشت أساتذتها في قسم الفلسفة في كلية الآداب بشأن ضرورة احتكام كل أتباع ديانة إلى شريعتهم، فقد رفضوا جزئية تقسيم "المواريث" لعدم وجود نص صريح بشأن الميراث في الإنجيل، لكنهم في الوقت نفسه طالبوا بتطبيق الطلاق لأيّة علة وعدم التمسك بالنص الصريح، وهو ما علّقت عليه بالقول: "ما يحقق مصلحتهم يريدون تطبيقه".
الشريعة الإسلامية بموافقة الأسر المسيحية
يقول القانوني ومحامي الأحوال الشخصية جورج نقولا إن جميع المصريين يخضعون للشريعة الإسلامية في تقسيم الميراث، بالرغم من نص المادة الثالثة من الدستور المصري بشكل صريح على احتكام غير المسلمين لشرائعهم.
ولكن النص الدستوري لا يطبّق على الإرث. ويشرح نقولا: "يستند البعض إلى أن الاحتكام للشريعة الإسلامية ضروري لعدم وجود نصوص واضحة بشأن تقسيم الميراث في المسيحية، لكنهم يغفلون مبدأ المساواة بين الذكر في الإنجيل".
وما يحصل، بحسب نقولا، هو أنه "بعد إستخراج إعلام الوراثة، تأخذ المرأة المسيحية نصف ما يحصل عليه الذكر، وإذا لم يكن لديها إخوة ذكور يدخل معها في الميراث الأعمام والعمات والجد والجدة حسب جدول مواريث الشريعة الإسلامية".
ويمكن احتكام المسيحيين إلى "الشريعة المسيحية" لتقسيم الإرث بينهم وذلك في حالة واحدة تنص عليها المادة 3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 للأحوال الشخصية المعدل، وهي "حالة تقديم دعوى قضائية للطعن على إعلام الوراثة من جانب عائلة المتوفي، ففي هذه الحالة، تُطبّق أحكام ديانة المتوفي".
الأحوال الشخصية للمسيحيين
مرّت الأحوال الشخصية للمسيحين في مصر بثلاث مراحل أساسية:
1- في عهد الخديوي توفيق، صدر قرار بتشكيل المجلس الإكليريكي عام 1883، لتنظيم الأحوال الشخصية للمسيحيين وكان أشبه بمحكمة شرعية بجانب المحاكم المدنية.
2- عام 1938، صدرت لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، التي أقرها المجلس الملي العام، وكانت تساوي بين الذكر والأنثى في الإرث وبها مواد تجيز الطلاق لأكثر من علة. واستمر وضع البّت في قضايا الأحوال الشخصة للمسيحيين من المجلس الإكليريكي حتى صدور قانون 461 عام 1955 والذي ألغى المحاكم الشرعية والملية وأمر بإحالة القضايا إلى محاكم مدنية.
3- في نوفمبر عام 1971، عطل البابا شنودة الثالث لائحة 38، باعتبار أنها تخالف مبادئ الإنجيل، لإباحتها الطلاق لعلل غير الزنا، وفي عام 2008 أدخل البابا شنودة الثالث تعديلات على لائحة 38 ولكن مع حصر الطلاق في علة الزنا، واستمر العمل بها إلى الآن.
هذا يعني أنه حالياً، تطبّق المحاكم المدنية اللائحة 38 على الأقباط الأرثوذوكس في القضايا التي بها نزاع، أما بدون نزاع فيتم الحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية في قضايا الميراث.
إلى هنا سيظن البعض أن بعض مواد القانون أتاحت للمرأة المسيحية الحصول على ميراثها طبقاً لشريعتها، لكن الأمر صعب، فبحسب نقولا لن تقدر المرأة على إقامة دعوى قضائية لسببين: أولهما، ضرورة التوافق بين الورثة الذي اشترطه المشترع لتطبيق شريعتها وهو أمر صعب التطبيق لأن أغلب الرجال لن يتنازلوا عن الأمور المالية؛ وثانيهما أنها ستدخل في صراع عائلي ربما ينهي علاقتها مع إخوتها بسببه.
حق ديني وقانوني
إبرام حنا، 37 عاماً، من المنيا، جنوب مصر، توفي والده منذ أربعة أعوام وترك له أخ وأختين إحداهما أكبر منه. وبعد استخراج إعلام الوراثة من المحكمة وجد أنه أخذ ضعف ما حصلت عليه كل من شقيقتيه. وحين حاولت شقيقته الكبرى إعادة تقسيم الميراث بشكل ودي وأخبرته أن هذا التقسيم حدث مخالفاً للديانة المسيحية، لم يقبل.
ويقول حنا لرصيف22 إنه لم يتحدث مع شقيقته بشأن كيف قسّم الميراث، لكنه قال لها: "دا قانون البلد إللي احنا فيها"، وأضاف: "بحثت كثيراً في الكتاب المقدس عن آية تتحدث عن تقسيم الميراث ولم أجد. فلمَ أتنازل عن حق أعطاه لي الدين والقانون؟".
الكنيسة دورها إرشادي
يرى الأب عبد المسيح بسيط، أستاذ اللاهوت الدفاعي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن هناك ثلاثة أنواع من الناس في تعاملهم مع ميراث المرأة: أولهم، فئة تلتزم بتعاليم الإنجيل ومبادئة الأساسية التي من شأنها المساواة بين الذكر والأنثى؛ وفئة ثانية تتشبث بالعادات والتقاليد والقانون الذي يطبق شريعة أخرى؛ وفئة ثالثة ترفض تماماً إعطاء أي ميراث للمرأة.
ويقول لرصيف22: "الكنيسة ليس لها دور أكثر من الإرشاد والنصح للإخوة والعائلة بتطبيق مبادئ الإنجيل، وإن عدم وجود نص صريح في الإنجيل حسبما يقولون ليس صحيحاً فالمرأة في المسيحية متساوية مع الرجل في كل شيء".
وتابع: "يفترض أن يعود القاضي إلى الكنيسة لتفعيل المادة الثالثة من الدستور المصري عندما يجد قضية إعلام وراثة لعائلة مسيحية".
وأشار إلى أن الكنيسة إذا طلب منها إعداد مشروع قانون بشأن تنظيم الإرث بين المسيحيين، ويكون متوافقاً مع الشريعة المسيحية ستقدمه على الفور.
أما القس رفعت فكري، رئيس لجنة الإعلام في سنودس النيل الإنجيلي (المجمع الأعلى للكنائس الإنجيلية) فيقول "إن الكنائس الثلاث الرئيسية في مصر أعدت قانوناً للأحوال الشخصية يحوي مواد بشأن المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى".
ويضيف لرصيف22: "اعتمدوا على المبادئ العامة للإنجيل في عدم التفرقة بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات".
قانون مدني موحد
ويرى المفكر القبطي سليمان شفيق أن المشكلة تكمن لدى الدولة، ويشرح أن "المسيحي الذكر يلجأ إلى هذا التقسيم ليس حباً في الشريعة الإسلامية ولكن ليحقق مصلحته، ويستحوذ على الجزء الأكبر من الميراث".
وأضاف لرصيف22 أن "المشكلة مشكلة عادات وتقاليد يجب تغييرها".
وطالب سليمان بأن ينشط المجتمع المدني من أجل الخروج بقانون مدني موحّد يلجأ إليه كل المصريين بعيداً عن الأحكام الدينية، بالإضافة إلى بقاء الأحكام والقوانين ذات الصبغة الدينية لمن يريدها.
محكمة تساوي بين الذكر والأنثى في الميراث
في مارس 2016 أصدر المستشار ماهر فريد رئيس محكمة استئناف القاهرة الدائرة 158 أحوال شخصية، حكماً مغايراً لأحكام المواريث المعتادة، بعد أن رفضت امرأة مسيحية تقسيم إرثها طبقاً للشريعة الإسلامية، فقرر الاحتكام إلى مبادئ الشريعة المسيحية طبقاً للمادة الثالثة من الدستور وأمر بتوزيع الأنصبة للأنثى مثل حظ الذكر.
واستند فريد إلى المادة 247 من لائحة الأقباط الأرثوذكس التي تقسم الميراث حصصاً متساوية بين الذكر والأثنى.