نهاية التاريخ والصدام مع الإسلام.. 4 نظريات تنبأت بشكل العالم بعد الحرب الباردة - مقالات
أحدث المقالات

نهاية التاريخ والصدام مع الإسلام.. 4 نظريات تنبأت بشكل العالم بعد الحرب الباردة

نهاية التاريخ والصدام مع الإسلام.. 4 نظريات تنبأت بشكل العالم بعد الحرب الباردة

مثَّل انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة مفاجئة لأولئك الذي تهيَّؤوا للعيش في ظل القطبية الثنائية للأبد، أو ظنوا أن هذا الصراع العالمي لن ينتهي إلا عبر الحرب النووية التي تفنى البشرية بعدها، لذلك، حاول علماء السياسة ومُنظِّروها في تسعينيات القرن الماضي صياغة رؤيتهم لمستقبل العالم الجديد فيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

وصيغت هذه الرؤى على شكل نظريات اكتسب بعضها شهرة واسعة، ليس على المستوى الأكاديمي فقط، ولكن بين السياسيين وقادة الدول، وفي كثير من الأحيان بين الجمهور غير المسيَّس، وقد تراوحت هذه النظريات بين سيناريوهات متفائلة تشير إلى «نهاية التاريخ» وسيادة الديمقراطية الليبرالية بشكل نهائي لا رجعة فيه، وسيناريوهات سوداوية تتحدث عن «فوضى قادمة» ستسود العالم، وفي هذا التقرير، نستعرض أبرز تلك النظريات التي تنبَّأت بشكل العالم بعد الحرب الباردة.

«نهاية التاريخ».. حتمية فوكوياما المُحطَّمة

في صيف عام 1989 وقبل انتهاء الحرب الباردة بعامين، نشر عالم السياسة الأمريكي، فرانسيس فوكوياما، مقاله الشهير في مجلة «The National Interest»، والذي جاء بعنوان «نهاية التاريخ»، والذي صار بعد ذلك كتابًا، نُشر عام 1992، بعنوان «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».

تنبأ فوكوياما في مقاله الأول بسقوط الشيوعية، وهو ما يعني بالنسبة له «نهاية التاريخ»، أي نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية، والاستقرار على الديمقراطية الليبرالية الغربية ملاذًا أخيرًا ونهائيًّا للكائن البشري.

وقال فوكوياما إن التقاليد الديمقراطية الليبرالية الغربية حافظت على مكانتها في السياسة على مدى القرن العشرين، على الرغم من الصعود المتتالي للأنظمة السياسية البديلة؛ فقد تجاوزت الديمقراطية الليبرالية كلًّا من الملكية والفاشية والشيوعية، وصمدت لتصبح الخيار السياسي لجميع الدول بشكل متزايد.

ويمكن تلخيص أطروحة فوكوياما في أن التاريخ البشري يتجه نحو حالة من الانسجام المثالي من خلال آليات الديمقراطية الليبرالية، وهي لا تعني بالضرورة، بالنسبة له، الديمقراطية الموجودة في الولايات المتحدة، فالديمقراطية الليبرالية تتجلى في أكثر من شكل، لكن سماتها الثابتة هي حرية التعبير، والانتخابات الحرة والنزيهة، والفصل بين السلطات، ويرى فوكوياما أنه لا يوجد «تناقضات في حياة الإنسان» لا يمكن حلها في سياق الليبرالية.

وتبنَّى فوكوياما في هذه النظرية منهج الفيلسوف الألماني، جورج هيجل (1770-1831)، والذي رأى أن العملية «الديالكتيكية» هي القوة الدافعة وراء تاريخ البشرية، والتي ستصل بها إلى هدفها النهائي، فالتاريخ يُنتِج باستمرار طرقًا متعارضة ومتضاربة في التفكير وتنظيم الحياة البشرية. تتنافس هذه الطرق لتُنتج توليفات أيديولوجية جديدة تسود المجتمع لفترة، قبل أن تظهر نسخ مُناقِضة ومُعارِضة لها، ومنافِسة لهيمنتها؛ وتستمر هذه العملية الديالكتيكية حتى يصل المجتمع إلى أيديولوجيته النهائية.

ولا تعني «نهاية التاريخ» عند فوكوياما نهاية الصراعات العسكرية أو الاضطرابات الاجتماعية، ولكنها تعني بالأساس اهتداء جميع قوارب البشرية إلى شواطئ الديمقراطية الليبرالية، التي صارت بلا منافس على المسرح العالمي.

ومن ثم، من وجهة نظر فوكوياما، فإن أي صراعات داخلية أو دولية ليست معارك تاريخية بين أنظمة اجتماعية متنافسة، إنما هي مجرد خطوات لسحق تلك الأجزاء من العالم التي لا تزال غارقة في «التاريخ»، لأنها مجبرة على السير في الطريق الحتمي للانضمام إلى عالم «ما بعد التاريخ».

اليوم، يبدو واضحًا أن أفكار فوكوياما قد اصطدمت بجبل جليدي؛ فالتاريخ لم ينته، والديمقراطية الليبرالية لم تسد، حتى أن الإجماع الغربي عليها لم يتحقق، والعالم مهدد بحرب نووية بين الغرب وروسيا وعلى شفا حرب باردة جديدة، بين واشنطن وبكين، وبات نموذج «الرأسمالية الماركسية» الصينية يشير إلى إمكانية الحصول على الثروة بدون الحرية على النمط الغربي.

ولكن الأمر الأكثر إثارة هو أن العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية، والتي اعتمدت عليها حجة فوكوياما نفسها قد انهارت، إذ يجادل توماس بيكيتي في كتابه «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»، أن الأسواق الحرة لم تعمل على توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء فحسب، بل وسَّعت الفجوة بين متوسط الدخل في العالمين المتقدم والنامي.

حتى إن البلدان الأوروبية التي تضررت بشدة من الركود والأزمات الاقتصادية – مثل اليونان والمجر – قد ابتعد ناخبوها عن مفهوم الليبرالية، الذي اعتقد فوكوياما أنهم سيتبنونه بأذرع مفتوحة، وصارت الأصوات تذهب إلى الأحزاب القومية والعنصرية والتي تؤمن بسياسات التدخل الاقتصادي من طرف الدولة.

«صدام الحضارات».. هنتنجتون «نبي حروب القرن الجديد»

يعد صامويل هنتنجتون، أحد أبرز علماء السياسة الأمريكيين في القرن العشرين، بدأ في تقديم إسهاماته النظرية منذ عام 1957، وعمل مستشارًا للعديد من الوكالات الحكومية الأمريكية، وهو منْ أسّس مجلة «Foreign Policy» الشهيرة عام 1970.

ورغم هذه المسيرة الحافلة، فإن إسهاماته النظرية في التسعينيات هي منْ وضعته في هذه المكانة، وتحديدًا مقاله الذي صدر في صيف 1993، في مجلة «Foreign Affairs»، بعنوان «صدام الحضارات»، والذي تحوَّل عام 1996 إلى كتاب بعنوان «صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي».

كان الهدف الرئيسي لمقال هنتنجتون وكتابه عن «صراع الحضارات» هو تقديم نموذج جديد لتفسير السياسة العالمية بعد نهاية الحرب الباردة. إذ يفترض أن الحرب الباردة لم تكن تدور حول استخدام القوة المادية فقط، بل كانت صراعًا أيديولوجيًّا بين منظورات حضارية ترى العالم بأعين مختلفة وتعيش الحياة بأساليب قد تصل إلى حد التضاد.

كما رأى أن الحضارة هي «مجموعة من الخصائص والظواهر الثقافية»، وهي «الكيان الثقافي الأوسع»، و«أعلى تجمع ثقافي للناس»، وهناك بعض العناصر الموضوعية المشتركة التي تحدد الحضارات، مثل اللغة والتاريخ والدين والعادات.

وفي حقبة ما بعد الحرب الباردة، رأى هنتنجتون أن الحضارات، ولا سيما جوانبها الدينية، صارت مصدر الهوية، وهي الأساس الذي تخطط وفقه الدول لسياساتها وتتخذ قراراتها، وتلخَّصت فرضيته في أن المصدر الأساسي للصراع في العالم الجديد لن يكون اقتصاديًّا أو أيديولوجيًّا، ولكن حضاريًّا وثقافيًّا، وتلك الصراعات ستحدث بين الأمم ومجموعات الحضارات المختلفة.

وارتبط ظهور أفكار هنتنجتون بظهور حركة ما سمي بـ«الإرهاب العالمي» في التسعينيات، مما منح تلك الأفكار تأثيرًا كبيرًا في دراسة السياسة الدولية، وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية، نظر إليه بعض المثقفين على أنه «نبي حروب القرن الجديد».

وفي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، قدَّم مفهوم «صراع الحضارات» بين الغرب والإسلام حججًا للعديد من المفكرين والناشطين من مختلف الأطياف السياسية، الذين رأوا في هجرة المسلمين والأوضاع الجيوسياسية للدول الإسلامية، خطرًا على غرب «متدهور ومرتبك»، وصار هنتنجتون مصدر إلهام لمنطق «نحن مقابل هم»، الذي كان له صدى واسع في سياسات جورج دبليو بوش بعد 11 سبتمبر (أيلول) في خضم ما عرف بـ«الحرب على الإرهاب».

اليوم، صار واضحًا أن القوة التفسيرية لأطروحة هنتنجتون موضع شك، وتدحضها صراعات عالم اليوم بوضوح، فلم يحدث وأن تشكَّلت تحالفات إسلامية دولية لمحاربة الغرب أو الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن تطور ظاهرة العنف الإسلامي، وصعود «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، يظلان عالقين على هامش الإسلام، ناهيك عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة نفسها في صعود «داعش» من خلال سياساتها في العراق، وفق العديد من التحليلات.

كما أن القوى الإسلامية الكبرى تتبع النظرية الواقعية في إدارة علاقاتها الدولية، فتركيا ما زالت تتأرجح بين روسيا والولايات المتحدة، وقواتها المسلحة هي ثاني أكبر قوة في الناتو، ورغم صدام إيران مع الولايات المتحدة، فإن صراعاتها جيوسياسية بالأساس، وليست دينية أو هوياتية، وقد ظل النظام السعودي –الذي تبنى النسخة الوهابية من الإسلام حتى وقت قريب – الحليف الأكثر ولاءً لواشنطن.

«الفوضى القادمة».. سيناريوهات كابلان عن «الأبوكاليبس»

لم يخرج هذا الإسهام النظري من أكاديمي متخصص في العلوم السياسية، بل من كاتب صحافي ومراسل أجنبي، هو روبرت د. كابلان، الذي عمل لسنوات عديدة مراسلًا في مختلف دول العالم، وكان منشغلًا بموضوعات الجغرافيا السياسية، وأنتج العديد من الكتب والمقالات حول كيفية تأثير الجغرافيا والتاريخ في الأحداث.

وفي فبراير (شباط) 1994 نشر كابلان مقالته الشهيرة «الفوضى القادمة»، في مجلة «The Atlantic»، والتي قدمت وصفًا مُروَّعًا لزيارة كابلان إلى غرب أفريقيا ورؤيته القاتمة حول أن الكثير من دول العالم سينتهي بها المطاف إلى مصير «سيراليون» التي مزقتها الحرب.

وجذب هذا المقال دارسي السياسة وصنَّاعها، حتى إن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون –حينئذ- أمر بتعميم المقال ونشره بين موظفي البيت الأبيض، وسرعان ما تحوَّل المقال إلى كتاب، نُشر في العام نفسه بعنوان «الفوضى القادمة: تحطيم أحلام ما بعد الحرب الباردة».

وفي الوقت الذي كتب فيه كابلان مقالته، كانت سيراليون أسوأ الدول الفاشلة على مستوى العالم، إذ كانت جزءًا من منطقة تعج بالفوضى والقتال، حيث تمر ساحل العاج بحرب أهلية مأساوية، وليبيريا تعاني من صراع شرس استمر حتى عام 2003، حتى صارت منطقة غرب أفريقيا رمزًا للتوتر الديموغرافي والبيئي والمجتمعي في جميع أنحاء العالم، وظهرت الفوضى على أنها الخطر «الإستراتيجي الحقيقي» الذي يُهدد العالم.

وعلى ذلك، ذهب كابلان إلى سرد مجموعة من التهديدات التي من شأنها أن تصبح ذات طابع عالمي: «المرض، والاكتظاظ السكاني، والجريمة غير المبررة، وندرة الموارد، وهجرة اللاجئين، والتآكل المتزايد للدول القومية، وصعود الهويات القبلية والإقليمية، والانتشار المتزايد للحروب الأهلية»، ورأى أن العالم سيعاني من أولئك المقاتلين المُحمَّلين بالأحقاد القبلية تجاه الغرب وثقافته، لتنتشر حروب العصابات عبر القارات.

صحيح أن منطقة غرب أفريقيا لا تزال موطنًا لبعض أفقر دول العالم والدول الأكثر هشاشة، ولكن سيناريوهات الأبوكاليبس التي تحدَّث عنها كابلان لم تعد واقعية حاليًا، فعلى الرغم من النمو السكاني المستمر، فإن الدخول في ارتفاع مستمر أيضًا، وفي عام 1993، قبل عام من مقال كابلان، عاش 34% من الكوكب في فقر مدقع، على أقل من 1.9 دولارات في اليوم، لكن في 2019 صارت هذه النسبة أقل من 10%. وكانت هذه النسبة في أفريقيا نحو 59% عام 1993، ثم صارت 41% عام 2015. كما انخفضت وفيات الملاريا في أفريقيا إلى النصف منذ عام 2000، وأدى تراجع العدوى إلى خفض معدل وفيات الأطفال على وجه الخصوص في جميع أنحاء العالم النامي، وفي التسعينيات كان متوسط العمر المتوقع في أفريقيا 46 عامًا، وفي عام 2019 صار 53 عامًا، أيضًا في عام 1993، كان هناك نحو 15 ألف حالة وفاة سنوية مرتبطة بالصراعات المسلحة في أفريقيا، ثم انخفضت إلى 9 آلاف عام 2016.

لكن كابلان رأى عام 1994 أن هناك عددًا من الدول مُهيَّئة للانهيار والانقسام مستقبلًا، مثل: ساحل العاج ونيجيريا والهند وباكستان والصين، خاصةً في ضوء الاتجاه العالمي حينئذ إلى منح الحكم الذاتي لبعض المناطق الجغرافية، من كردستان إلى اسكتلندا، لكن لم ينفصل أي من هذه البلدان، وكانت جنوب السودان هي العضو الجديد الوحيد في الأمم المتحدة في السنوات العشر الماضية، أي أن قوى الطرد المركزي وراء تفكك الدولة كانت أقل بكثير مما توقعته نظرية الفوضى لكابلان.

ومع ذلك فقد مثَّل صعود الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم، إعادة إحياء أفكار كابلان وفرضياته حول الفوضى، إذ لم تختلف نظرة ترامب للفوضى والجريمة في المكسيك وباقي دول العالم الفقيرة، كثيرًا عن نظرة كابلان، والتي مثَّلت مبررًا بالنسبة له للعودة إلى الأفكار القومية والانعزالية من جديد.

«الواقعة الهجومية».. تحليل ميرشايمر

لصعود الصين يعد، جون ميرشامير، أستاذ العلوم السياسية، أحد أبرز الباحثين في العلاقات الدولية حاليًا، وقد اشتهر بنظريته عن «الواقعية الهجومية»، التي دشَّنها في كتابه «مأساة سياسة القوى العظمى»، عام 2001، وطوَّرها لاحقًا عبر العديد من كتاباته، خاصةً حول صعود الصين.

ومثل معظم علماء العلاقات الدولية من جيله، تأثر ميرشايمر بعمق بكنيث والتز، مؤسس مدرسة العلاقات الدولية المعروفة باسم «الواقعية الجديدة»، ففي حين أن الواقعيين الكلاسيكيين مثل، هانز مورجانثو، درسوا الصراعات الدولية من منطلق الميل الطبيعي للقادة السياسيين إلى زيادة سلطتهم، فإن الواقعيين الجدد (أو الواقعيين البنيويين)، مثل كنيث والتز، حدَّدوا سبب الحرب في «هيكل العلاقات الدولية»، إذ إن عدم وجود سلطة أعلى الدول وتوفر الأمن والحماية للجميع، يُجبر البلدان الصغيرة على عقد تحالفات من أجل احتواء التهديدات التي تشكلها القوى المتنافسة.

يرى ميرشايمر، في نظريته، أن الحاجة إلى الأمن والسعي من أجل البقاء، هو ما يجعل الدول تنتهج السلوك العدواني، فالدول لا تتعاون إلا من خلال تحالفات وظيفية مؤقتة، ولكنها تسعى باستمرار إلى تعزيز قوتها وتقليص قوة منافسيها، وقد بنى ميرشايمر نظريته على خمسة افتراضات أساسية:

1. النظام الدولي فوضوي ولا توجد سلطة فوق الدول للتحكيم في نزاعاتها.

2. جميع الدول لديها بعض القدرات العسكرية مهما كانت محدودة.

3. لا يمكن للدول أبدًا أن تتحقق بشكل كامل من نوايا الدول الأخرى.

4. تسعى الدول إلى «البقاء» قبل أي شيء آخر.

5. الدول هي جهات فاعلة عقلانية تسعى إلى تعزيز مصالحها الخاصة.

هذه الظروف، وفقًا لميرشايمر، «تخلق حوافز قوية للدول للتصرف وفقها بحزم، يصل لمرحلة استخدام القوة العسكرية إذا تتطلب الأمر، تجاه بعضها بعضًا» ولأن الدول لا تستطيع أن تعرف على وجه اليقين النوايا الحالية أو المستقبلية للدول الأخرى، فمن المنطقي بالنسبة لها محاولة استباق أعمال العدوان المحتملة، من خلال زيادة قوتها العسكرية، وتبني موقف حازم عندما تكون مصالحها الأمنية الأساسية على المحك.

وعلى الرغم من اعتراف ميرشايمر بالحرب أداةً شرعية لفن الحكم، فإنه لا يرى أنها مُبرَّرة دائمًا، لذلك انتقد بشدة حرب العراق عام 2003، وعدَّها محاولة من طرف الولايات المتحدة لمراقبة العالم، وبدلًا من سياسة الهيمنة الأمريكية التي سعى إليها جورج دبليو بوش، دعا ميرشايمر إلى تبني إستراتيجية «التوازن العالمي»، وقال إن قوة عظمى مثل الولايات المتحدة يجب ألا تحاول فرض حكمها على جميع القارات، ولكن يجب أن تتدخل فقط عندما تظهر قوة كبرى أخرى تحاول الهيمنة على منطقة ذات أهمية إستراتيجية.

ومنذ عام 2014، سعى ميرشايمر لتحديث نظريته وفقًا لتطورات النظام العالمي، إذ رأى صعود الصين يعمل على إحداث تغيير جذري في بنية النظام الدولي، ورأى أنه إذا استمر الاقتصاد الصيني في النمو بوتيرة سريعة في العقود القليلة المقبلة، ستواجه الولايات المتحدة منافسًا محتملًا، وستعود سياسات القوى العظمى بكامل قوتها.

وخلص ميرشايمر إلى أنه إذا استمرت الصين في النمو اقتصاديًّا، فسوف تحاول الهيمنة على آسيا بالطريقة التي تهيمن بها الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي، بينما ستحاول واشنطن حشد دول آسيا في تحالفات دولية لاحتواء القوة الصينية، وستكون النتيجة منافسة أمنية شديدة مع احتمال كبير للحرب، باختصار، من غير المرجح أن يكون صعود الصين هادئًا.

وكان حديث ميرشايمر في 2014 ينصبُّ على المستقبل البعيد، لأنه رأى حينئذ أن الصين لا تمتلك قوة عسكرية تضاهي نظيرتها الأمريكية، وأن الصين تفتقد لحلفاء دوليين أقوياء على غرار حلفاء واشنطن، ولكن يبدو أن هذه الأمور تتغير بأسرع مما توقع ميرشايمر، فمعدل تطور القوة العسكرية الصينية وتناميها يسير بخطى واثبة، ناهيك عن أن التحالف الصيني-الروسي بات أقوى مما كان عليه، وصارت العلاقات الصينية ممتدة بثبات وعمق في أنحاء العالم كافة، بما في ذلك أوروبا الغربية، وهو ما يعني أن النظام العالمي على وشك التغيير بأسرع مما توقع ميرشايمر.

 ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث