السيدة عائشة: أكثر نساء المسلمين إثارة للجدل - مقالات
أحدث المقالات

السيدة عائشة: أكثر نساء المسلمين إثارة للجدل

السيدة عائشة: أكثر نساء المسلمين إثارة للجدل

سمير درويش:

 

تُعَدّ السيدة عائشة بنت أبي بكر، زوجة النبي محمد، من أكثر الشخصيات الإسلامية إثارة للجدل، سواء بروايات منقولة عنها لأحاديث منسوبة إلى النبي، أو بأحداث وردت في كتب السيرة، من قصة زواجها وهي طفلة، حتى مشاركتها في الحرب ضد علي بن أبي طالب من فوق ظهر جملها، مروراً بحادثة الإفك التي زلزلت المجتمع وقتها، وقسَّمت الصحابة بين مصدّق ومنكر، الأمر الذي كان له أكبر الأثر على المسلمين في ما بعد.

زواج السيدة عائشة

حسب الروايات الواردة في كتب التراث، فإن النبي محمد، بعد وفاة زوجته الأولى خديجة بنت خويلد، وقبل الهجرة بعامين، كلّف خولة بنت الحكيم بأن تخطب له السيدة عائشة بنت أبي بكر، وكان عمرها، على الأرجح، ست سنوات، ودخل بها في العام الثاني للهجرة، بعد غزوة بدر مباشرة، وكان عمرها تسع سنوات.

فعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعاً"، وهذا حديث أخرجه البخاري (5133)، ومسلم (1422).

كما روى ابن ماجه (1632)، وصححه الألباني، أن عائشة قالت: "تزوجني النبي في شوال وبنى بي في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني؟".

وتوفي النبي في شهر ربيع أول سنة 11 هجرية وعمر عائشة 18 عاماً تقريباً، بينما عاشت حتى سن الـ65 عاماً وتوفيت عام 58 هجرية (678)، وطبعاً لم تتزوج بعده.

عائشة هي الزوجة البكر الوحيدة للنبي، وكانت تباهي باقي زوجاته بذلك، لكن الأهم أنها كانت أقربهنّ إليه، فقد فضّل أن يموت في فراشها، كما كانت أكثرهنّ علماً، فقد قال الحاكم في المستدرك "إن ربع أحكام الشريعة نقلت عن السيدة عائشة"، وقال أبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا (أصحاب النبي) حديث قط فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً"، حسبما نقل الترمذي في سننه.

أحاديث جمع القرآن

تنسب للسيدة عائشة مجموعة من الأحاديث التي تشكك في صحة جمع القرآن على صورته النهائية، أي الموجودة بين أيدينا الآن، وهو أمر جلل لو صدّقناه وصدّقنا ما ورد من أقوال في الفقرة السابقة عن علمها الذي يفوق علم كبار الصحابة.

ومن أمثلة ذلك الحديث الذي أورده جلال الدين السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن": "حدّثنا ابن أبي مريم عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن". هذا الحديث، لو صحّ، يعني أن "لجنة عثمان" لم تجمع القرآن كله، بل ما استطاعت أن تصل إليه فقط.

وما يزيد الأمر إرباكاً أن هذا الحديث يتوافق مع حديث رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم النيسابوري في "المستدرك على الصحيحين"، والبيهقي في "السنن"، وابن حزم في "المحلى بالآثار"، من طريق عاصم بن بهدلة، عن زر: قال لي أبيُّ بن كعب: "كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كأين تعدها؟" قلت له: ثلاثاً وسبعين آية، فقال: قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم". ومعروف أن أبيَّ بن كعب أحد أربعة أوصى النبي بأن يؤخذ القرآن منهم، ففي حديث أورده البخاري: "خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم (مولى أبي حذيفة) ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب".

ويُنقَل عن السيدة عائشة أيضاً حديث في السياق نفسه عن آية الرجم. فقد روى ابن ماجه (1/ 625) والدارقطني (4/ 179) وأبو يعلى في مسنده (8/ 64)، والطبراني في معجمه الأوسط (8/ 12)، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأصله في الصحيحين، وأورده ابن حزم في المحلى (11/ 236): حدّثنا ‏ ‏أبو سلمة يحيى بن خلف، ‏حدثنا ‏عبد الأعلى‏ ‏عن ‏محمد بن إسحق‏ ‏عن‏ ‏عبد الله بن أبي بكر‏ ‏عن ‏عمرة، ‏عن ‏ ‏عائشة ‏‏وعن ‏عبد الرحمن بن القاسم ‏عن ‏‏أبيه‏ ‏عن‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت: "لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتشاغلنا بموته دخل‏ ‏داجن‏ ‏فأكلها".

وهناك أحاديث تنسب للسيدة عائشة عن أن النبي كان ينسى الآيات ويتذكرها بمحض صدفة. نقرأ في صحيح البخاري (4750/4751): حدثنا ربيع بن يحيى: حدثنا زائدة: حدثنا هشام، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، من سورة كذا". حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون: حدثنا عيسى، عن هشام، وقال: "أسقطتهن من سورة كذا".

وهناك أمثلة كثيرة لا يتسع لها المقام تحدثت فيها السيدة عائشة عن أغاليط القرآن النحوية.

أحاديث الوحي

من الأحاديث الملفتة المنقولة عن السيدة عائشة ما قالته عن الوحي، ومنها حديثان نذكرهما، الأول: "عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل النبي: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليَّ، فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال. وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول... قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً" (رواه البخاري).

هذا الحديث ينفي، أو على الأقل لا يثبت، وجود علاقة مباشرة بين النبي متلقي الوحي، والملاك جبريل ناقل الوحي. وهناك أحاديث أخرى تقول إن النبي لم يلتقِ جبريل إلا مرتين، وهو المدخل الذي استخدمه الباحثون الغربيون للتشكيك في الوحي ذاته.

الحديث الثاني رواه البخاري (4788) وفيه عن عائشة: "كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك". هذا الحديث رواه أيضاً مسلم (1464)، وصححه الألباني، وفيه نرى وكأنّ عائشة تشكك في صحة الوحي.

وتقول بعض الروايات إن عائشة قالت هذا في قصة زواج النبي من زينب بنت جحش، حين نزلت آية {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً}.

حادثة الإفك وموقعة الجمل

أحاديث إشكالية كثيرة تُروى عن السيدة عائشة، وتدور حول علاقة النبي بزوجاته، منها ما أورده البخاري عن عائشة أنها قالت: "كنت أطيِّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح مُحرِماً ينضخ طيباً"، وهو حديث استنتج منه البعض أن النبي كان يعاشر نساءه جميعهنّ في الليلة الواحدة، وتقول أحاديث أخرى إنه كان يتنقل بينهن بدون غُسل.

بيد أن الأحاديث التي نُسبت إليها عن علي بن أبي طالب لافتة ودالة على الخلاف الكبير الذي كان بينهما. فقد روى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت: لما ثقل النبي واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج النبي بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: تدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

والسؤال الذي يُطرَح هنا: لماذا جهَّلته السيدة عائشة وهو العَلَم؟

العداء بين عائشة وعلي يرجع إلى حادثة الإفك الشهيرة، وملخصها، كما وردت في السيرة النبوية، أن عائشة صحبت النبي في إحدى غزواته، وحين انتهى من الغزوة، وفي طريق العودة، وقف الجيش ليستريح، فنزلت عن هودجها تقضي حاجتها، وفي طريق عودتها انفرط عقدها فجمعته، ولما عادت وجدت القوم قد رحلوا حاملين هودجها على ظهر الجمل ظانين أنها فيه لخفة وزنها، ومضوا، فنامت، فوجدها صفوان بن المعطل السلمي، فحملها على جمله حتى لحقا الجيش، فتناولتهما الألسنة، وكان المتقوِّلُ عليها عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، وانقسم الناس بشأن القصة بين مصدق ومكذب.

ما يعنينا في ذلك أن النبي كان محتاراً لا يستطيع أن يحسم أمره، فاستشار في طلاقها عليّاً وأسامة بن زيد. قال أسامة: "أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيراً، وقال علي: لا يضيِّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك". وظل النبي على حيرته حتى نزلت الآية (11) وما بعدها من سورة النور: {إنَّ الذينَ جَاءوا بالإفكِ عصبةٌ منكم لا تحسبُوهُ شرّاً لكم بل هو خيرٌ لكم لكلِّ امرئٍ منهم ما اكتسبَ من الإثمِ والذِي تولى كبرهُ منهم لهُ عذابٌ عظيمٌ}، وفيها تبرئة للسيدة عائشة ونهاية للجدل. واللافت في الأمر أنها لم تنسَ لعليٍّ رأيه هذا.

وحين وقعت الفتنة وقُتِل عثمان بن عفان، كانت عائشة في مكة تعتمر، وفي طريق عودتها علمت بمبايعة عليّ خليفةً للمسلمين، فولَّت راجعة إلى مكة، وانضمت إلى الجيش الذي قادة المبشَّران بالجنة: طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ضد جيش عليّ، والتقيا في معركة الجمل التي وقعت في البصرة عام 36 هجرية، ورُوِيَ أن عائشة حين رأت غلبة جنود عليّ ركبت الجمل واندفعت به وسط الجيش حتى يكفّوا عن القتال، وقيل إن آلاف المسلمين قُتلوا في تلك الموقعة.

هذه بعض نماذج فقط تدلل على إشكالية شخصية السيدة عائشة بنت أبي بكر، وعلى أقوالها ومواقفها التي لا تزال موضع خلاف حتى الآن، وأكثرها جدلاً قولها إن رخصة إرضاع الكبير لم تكن تخص سهلة بنت سهيل التي سألت النبي فرخصه لها، عكس موقف باقي زوجاته، فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن مَن أرادت أن يدخل عليها من الرجال.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث