بابكر فيصل:
نفذ القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، انقلابا عسكريا، ، في 25 أكتوبر الماضي، ألغى بموجبه المواد الأساسية في وثيقة الدستور كما أعلن حالة الطوارئ، وحل هياكل السلطة الانتقالية، واعتقل رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وبعض أعضاء مجلس السيادة والوزراء، فضلا عن قيادات من تحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم.
لا شك أن الانقلاب الذي أقدم عليه قائد الجيش سيفتح الباب على مصراعيه لعودة الإخوان المسلمين للحكم الذي انتزعته منهم ثورة شعبية عارمة قبل أكثر من عامين، حيث أن خطوة البرهان تضمنت العديد من القرارات التي من شأنها تعزيز فرص الجماعة للسيطرة على السلطة بصورة كبيرة.
من بين هذه القرارات تجميد عمل اللجنة المختصة بتفكيك نظام الإخوان، الذي استمر لمدة 30 عاما، وهى اللجنة التي تكونت بعد الثورة، بغرض التخلص من آثار سياسة التمكين التي طبقتها الجماعة، واستطاعت من خلالها السيطرة على جميع مفاصل الدولة، لا سيما الخدمة المدنية والاقتصاد والوزارات ومؤسسات الحكم المختلفة.
كذلك أطلقت السلطة الانقلابية، مطلع هذا الأسبوع، سراح عدد كبير من رموز الإخوان، من بينهم رجال أعمال استفادوا من سياسة التمكين، وكانت لجنة التفكيك استردت أموالهم لصالح الخزينة العامة، إلى جانب وزراء وحكام أقاليم سابقين وضباطا كبار في جهاز المخابرات، وقادة مليشيات الأمن الشعبي التابعة للجماعة.
وعلى الرغم من أن السلطة الانقلابية أعلنت أنه تم إعادة إعتقال رموز النظام السابق، إلا أنه لا يتوفر، من المعلومات المحايدة، ما يؤكد أن جميع من أطلق سراحه قد اعتقل مرة أخرى. وتنتشر أخبار على نطاق واسع أن عددا منهم قد أخفى نفسه بينما غادر البعض الآخر البلاد.
وبما أن الانقلاب يحتاج لغطاء مدني ومظلة سياسية يستطيع من خلالها تسيير دولاب الدولة، والعمل في أوساط الجماهير من أجل تثبيت أركانه، فإن الجماعة تعتبر التنظيم الأمثل والمستعد لتقديم يد العون لقادة الانقلاب، الذين يفتقرون للحاضنة السياسية، خصوصا وأن مختلف أطياف الشارع السوداني السياسية والمدنية والمهنية قد توحدت كلمتها حول رفض الانقلاب العسكري.
وقد بدا التعاون بين الطرفين جليا منذ اليوم الأول لقرارات قائد الجيش، حيث دفعت الجماعة بكوادرها السياسية والأمنية والشبابية لتمثل خط الدفاع الأول عن الانقلاب في أجهزة الإعلام والقنوات الفضائية، حيث قاموا بتبرير قرارات البرهان باعتبارها خطوة تهدف لتصحيح مسار الثورة والحفاظ على أمن وسلامة البلاد.
ومن ناحية أخرى، سارع قادة الانقلاب للاستعانة بكوادر الإخوان في جهاز الدولة، حيث أرجعوا عددا منهم للخدمة (المصرف المركزي على سبيل المثال)، بعد أن تم فصلهم من قبل لجنة التفكيك، ليستعينوا بهم في تسيير دفة العمل، بعد أن أعلنت التجمعات المهنية الإضراب الشامل الذي أصاب الحياة بالشلل، وأوقف العمل في العديد من القطاعات المهمة.
من بين القرارات التي قال قائد الجيش إنه سينزلها لواقع التنفيذ العملي خلال مدة أقصاها شهر، تكوين مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة والمحكمة الدستورية ومفوضية الانتخابات وغيرها، حيث أكد أنه سيتم تكوين تلك المجالس من داخل السلطة القضائية وسلطة النيابة بشكلها الحالي، من دون تدخل من جهات خارجية.
ويعلم القاصي والداني أن تكوين تلك المجالس من القضاء والنيابة بشكلهما الحالي، سيؤدي لاستمرار تحكم الإخوان فيها، ذلك أن سياسة التمكين التي طبقتها الجماعة قد مكنتها من السيطرة شبه الكاملة على القضائية والنيابة، وبما أن مهام تلك المجالس تشمل اختيار رئيس القضاء والنائب العام، فإن من المؤكد أن يتربع على المنصبين عضوين من الجماعة.
إن ما ينطبق على منصبي رئيس القضاء والنائب العام، سينطبق كذلك على تكوين المحكمة الدستورية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إجهاض الأحكام التي أصدرتها المحاكم ضد كوادر الإخوان في الأجهزة الأمنية والمليشيات، في جرائم التعذيب والقتل للعديد من شهداء الثورة السودانية.
ويعتبر قرار البرهان القاضي بتحديد موعد إجراء الانتخابات العامة قبل التاريخ المتفق عليه في عام 2024، حلقة من حلقات إعادة سيطرة الجماعة على السلطة، إذ يعرف السودانيون أن الإخوان ما زالوا يسيطرون على مفاصل الإقتصاد والخدمة المدنية، ويمتلكون تنظيما استفرد بالساحة السياسية لسنوات طويلة، وبالتالي فإن عقد أي إنتخابات من دون إزالة تمكينهم من جهاز الدولة يعني فوزهم المؤكد وعودتهم للحكم مرة أخرى.
فضلا عن أن تحديد موعد الانتخابات يتطلب القيام بعدد من الإجراءات من بينها الإحصاء السكاني، وصياغة قانون للانتخابات متوافق عليه من القوى السياسية كافة، وهو الأمر الذي يتعذر إنجازه بصورة حقيقية وشفافة، في ظل سيطرة سلطة عسكرية قابضة، تتحكم في القرار السياسي بشكل كامل.
الأمر المؤكد هو أن السودانيين قالوا كلمتهم الأخيرة بخصوص الجماعة، عندما خرجوا للشوارع وأسقطوا نظام حكمها الشمولي بعد ثلاثة عقود من الاستبداد، عبر ثورة شعبية عارمة ما زالت جذوتها مشتعلة منذ ديسمبر 2018 وحتى اليوم، كما أن الجماهير ما تزال تنتظم في مواكبها المليونية رافضة لحكم العسكر ومطالبة بالدولة المدنية الديمقراطية.