علاء الأسواني: هل يحتاج العرب إلى حرية التعبير..؟! - مقالات
أحدث المقالات

علاء الأسواني: هل يحتاج العرب إلى حرية التعبير..؟!

علاء الأسواني: هل يحتاج العرب إلى حرية التعبير..؟!

ان اعتراف النظام السعودي بمقتل الصحفي جمال خاشقجي يذكرنا بعدة حقائق: أولا ان الحاكم العربي بالرغم من مظاهر الحداثة لازال يتصرف بعقلية السلطان في العصور الوسطى، اذ تكفي اشارة من يده حتى يطيح مسرور السياف برقبة أي شخص يكرهه. ثانيا ان المواطن العربي بلاحول ولاقوة فما أسهل اعتقاله وتعذيبه وقتله، ولولا الرأى العام الغربي الذى ضغط على السياسيين الغربيين ليطلبوا الحقيقة لكان مقتل خاشقجي مر بسلام كما مرت حوداث قتل مماثلة عديدة. ثالثا ان قتل خاشقجي بهذه الوحشية انما يعكس أسلوبا في القمع تمارسه كل الانظمة العربية بلا استثناء. انه أسلوب العبرة حيث يتم اختيار أحد المعارضين للنظام والتنكيل به بشدة ليكون عبرة لغيره حتى يخاف الآخرون من معارضة الزعيم.

في سجون السيسي يقبع آلاف من الشباب كل جريمتهم انهم اشتركوا في الثورة وعارضوا السيسي، وهم يتعرضون لأبشع انواع المهانة والتعذيب حتى يكونوا عبرة، فلا يثور المصريون بعد ذلك أبدا مهما تعرضوا للظلم

الحاكم العربي - سواء كان ملكا أو جنرالا - يعتبر القضاء على معارضيه أداة أساسية في الحكم، وهو يعتقد ان حرية التعبير مجرد تقليد غربي لايناسب ثقافتنا العربية.

الحق ان حرية التعبير ليست مجرد حرية الكلام أو الكتابة وانما هي أداة اساسية للحكم الديمقراطي. أن تكتب مقالا موثقا تتهم فيه مسؤولا بالفساد يستوجب محاسبة هذا المسؤول سياسيا وقانونيا في الدول الديمقراطية. بفضل حرية التعبير لايستطيع الحاكم أن يتخذ بمفرده قرارات تؤثر في حياة ملايين المواطنين بدون استشارتهم.

لم توجد حرية التعبير بهذا المعنى قط في العالم العربي. نحن نعيش في دولة القائد العظيم الذي أنقذ الامة أو مولانا الملك ولي النعم الذى يعيش رعاياه من فضله وكرمه. ان غياب حرية التعبير يؤدى حتما إلى المشكلات الآتية:

أولا: مأساة القرار المنفرد                                                       

الحاكم العربي صاحب الأمر والنهي الأوحد في شؤون بلاده جميعا والوزراء وأعضاء البرلمان يعملون في خدمته. ما أن يتخذ الحاكم العربي القرار حتى تتولى وسائل الاعلام الترويج له كما تتولى أجهزة الأمن التنكيل بكل من يعارضه. كل كوارث العرب بعد الاستقلال كانت بسبب قرارات فردية لحكام مستبدين. الانفراد بالقرار هو الذي دفع عبد الناصر عام 1967 إلى خوض حرب لم يكن مستعدا لها مما تسبب في هزيمة منكرة واحتلال اسرائيل لسيناء والجولان وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. الانفراد بالقرار في حرب 1973 هو الذى دفع أنور السادات إلى مخالفة نصيحة كبار العسكريين وتطوير الهجوم مما أدى إلى حدوث الثغرة ومحاصرة اسرائيل للجيش الثالث. الانفراد بالقرار هو الذى دفع صدام حسين إلى خوض حرب أنهكت بلاده ضد ايران وهو الذي دفعه أيضا إلى احتلال الكويت مما فتح أبواب جهنم على العراق وأدى في النهاية إلى احتلاله. كل كوارثنا نحن العرب سببها الوحيد انفراد الحاكم بالقرار

ثانيا: تشويه العقل العام                                                   

في النظم الديكتاتورية يتم غسيل أدمغة المواطنين بواسطة الاعلام الخاضع للسلطة، وقد رأينا ذلك في أعقاب ثورة يناير في مصر عندما نجح الاعلام الكذاب في بث الكراهية ضد الثورة واقناع مصريين كثيرين بأن الشباب الذين ضحوا بحياتهم وعيونهم من أجل الحرية والكرامة ليسوا الا جواسيس وخونة. المواطن الذي يتعرض لغسيل الدماغ لفترات طويلة يفقد قدرته على التمييز والتفكير المستقل ويكون أميل لتبني تفكير التيار العام.

MAIN STREAM THINKING

وبالتالي فهو يجد راحة في تبني الآراء التى يرددها الاعلام الرسمي لأن ذلك يجعله في حماية الاغلبية ويوفر عليه تعب التفكير والدفاع عن رأي مستقل. من هنا، للأسف، فانك تجد في مصر مواطنين متعلمين وأذكياء لكنهم، بسبب غسيل الدماغ،  عاجزون عن فهم حقائق بديهية يدركها الأطفال في الدول الديمقراطية مثل انه لا يجوز اعتقال الناس بسبب آرائهم أو انه لايجوز تعذيب أي شخص مهما ارتكب من جرائم أو أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته.  

ثالثا: تشويه القيم الانسانية                                                      

يؤدي غياب حرية التعبير إلى حالة من الرعب تؤدي إلى انسحاب المواطنين من المجال العام حيث يعكف كل مواطن على أكل عيشه ولا يعبأ اطلاقا بما يحدث خارج أسرته. يؤدي ذلك إلى تشويه القيم الانسانية حيث يتحول الجبن إلى حكمة والشجاعة إلى حماقة والنفاق الى لباقة والغش إلى مهارة. من أول موضوعات الانشاء لتمجيد الزعيم في مدارس الاطفال إلى كلمات النفاق التي يلقيها أعضاء البرلمان الذين نجحوا بالتزوير إلى افتتاحيات الصحف التي يمليها على الصحفيين ضباط المخابرات سوف يتعلم المواطن ألا يقول أبدا ما يعتقده وانما ما هو مناسب وهكذا تنشأ أجيال من المنافقين ويتحول الكذب إلى سلوك عادي مقبول اجتماعيا يلجأ اليه الانسان عندما يحتاج اليه

ان غياب حرية التعبير يؤدى حتما إلى كوارث تصيب الأمة وتشوهات نفسية وذهنية لايمكن معها تحقيق أي نوع من التقدم. برغم ايرادات النفط ووجود ملايين المتعلمين فقد فشل العرب تماما في احراز أى تقدم على مستوى الانسانية والأفراد العرب الذين حققوا تقدما في العلوم كان عليهم غالبا أن يهاجروا من مجتمعاتهم إلى الغرب حيث وجدوا القواعد العادلة والبيئة الصالحة للعمل الجاد. عندما تتحقق حرية التعبير بالكامل ويكون من حق العربي ان يختار الحاكم ويعزله بواسطة انتخابات حرة، عندما يعارض العربي الحاكم فلا يتم اعتقاله أو تعذيبه أو قتله. عندئذ فقط سيلحق العرب بدول العالم المتحضر.

الديمقراطية هي الحل

دى دبليو

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*