أحمد الجمال
أكتب هذا الموضوع للمرة الثانية، لأحاول السعى لمعرفة متى وكيف وأين كسر المدعو ياسر حسين محمود برهامى حشيش- عين الداخلية أو الحكومة أو النظام أو الدولة! ذلك أن ما يقوله على الملأ يستوجب المساءلة والحساب والعقاب، إذا كان فى هذا البلد دستور يحترم وقانون ينفذ.
لا أظن أن النظام القائم حاليا يحتاج لغطاء يزعم أنه دينى يغنى عن الغطاء الأخلاقى العام، النابع من قيم المواطنة والمنظومة الحضارية الثقافية المصرية الضاربة بجذورها منذ فجر التاريخ، مرورًا بمصر القديمة منذ الأسرة الأولى، وبما بعدها من هللينستى ومسيحى، ثم إسلامى إلى الحديث والمعاصر، حيث تحتاج بعض النظم السياسية لغطاء يزعم المرجعية الدينية، لأنها تتخذ موقفا سلبيا من قيم المواطنة والمنظومات الحضارية الثقافية بوجه عام، ولذلك أتساءل وبجدية كاملة: متى وكيف وأين كسر برهامى، نائب قيم الدعوة السلفية، عين مؤسسات الحكم، ولدرجة تمكينه من اعتلاء منابر المساجد مؤخرا لسبب أراه من نوع «شر البلية»، أى أنه مضحك، وهو اجتيازه امتحانا وضعته وزارة الأوقاف؟! ولا أعرف إذا كان الامتحان قد تضمن سؤالا هو: ما رأيك فيمن يحكم بالإجرام والاعتداء والظلم والكفر على مواطن مصرى أو جماعة مصرية دون حكم قضائى، وهل من حق من يعتبر نفسه داعيا إلى الله أن يطلق هذه الأحكام على المواطنين المصريين المسيحيين؟!
لقد سبق أن عرفت كل الجهات المسؤولة ما عرفه أى مواطن مصرى يتابع ما ينشر ويبث على وسائل الاتصال الإلكترونية، عندما سئل برهامى عن معاملة الزوج المسلم لزوجته المسيحية، وكان رده غاية فى الإجرام والفحش.
ولم يرد عليه لا أزهر ولا أوقاف، ولم تردعه نيابة عامة أو وزارة داخلية! وقام أمثالى بالرد عليه، وصار الأمر كأنه معركة كلامية مع شخص يحض على الكراهية والازدراء والبغض، وتدمير الروابط الأسرية، ومخالفة كل ما هو إنسانى محترم.
ثم يتكرر الأمر، ليس من برهامى وحده، وإنما من آخر من العينة السلفية نفسها اسمه يحيى رفاعى سرور، الذى خرج علنًا ليقول عن المواطنين المصريين الذين استشهدوا ذبحا فى ليبيا: «إنهم خرفان.. واحد وعشرون خروفا مسيحيا دماؤهم رخيصة لأنه ليس بيننا- والضمير عائد على ذلك اليحيى- عقد وطن، ونشعر بالإهانة لأن الأقباط ظلوا آمنين بمصر بعد الانقلاب».
أما ياسر برهامى، فقد قال علنًا بالصوت والصورة عن المواطنين المسيحيين المصريين: إنهم «أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة تعتدى على حق الأغلبية.. ندعو إخواننا النصارى كفار.. إخواننا نعم فى الوطن.. وهم كفار إن بقوا على كفرهم فهم فى نار جهنم...»، ثم يصف من يخالفونه فيما يذهب إليه «بأنهم أهل النفاق والزندقة».. يعنى كل الأشخاص والجهات التى تخالف ياسر حسين محمود برهامى حشيش زنادقة منافقون! وبعد ذلك يبقى ياسر برهامى وقادة الدعوة السلفية، مثل محمد إسماعيل المقدم ومحمد عبدالفتاح أبوإدريس وعبدالمنعم الشحات وغيرهم- متصدرين المشهد الدعوى الدينى، ولهم حزب سياسى يسعى للتمثيل، وربما الأغلبية الأولى أو الثانية أو الثالثة فى البرلمان المقبل!
وأكرر السؤال: متى، وكيف، وأين كسر برهامى وشركاؤه عين مؤسسات الدولة؟! حتى إذا عرفنا التزمنا الصمت والسكون بدورنا!
ولقد بحثت بسرعة عن أصل ظاهرة الدعوة السلفية بالإسكندرية، وطالعت مقتطفات من مراجع سريعة وعرفت أنهم جميعا متأثرون، بل ملتزمون بآراء ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب والألبانى بشكل أساسى، وقد سبق أن ناقشت بعض ما أفتى به ابن تيمية تجاه المسيحيين خاصة، والآخر بوجه عام، وفيه من الإجرام بحق الإسلام وحق الإنسانية ما فيه، ثم إننى أسعى لمعرفة ما أنتجه الألبانى من آراء وفتاوى، لأننى لم أصادف واحدا ممن هم على شاكلة برهامى والحوينى إلا وجدته يقول من فوره: قال الألبانى! وكأن الألبانى هو الأول والآخر، اسمه الكامل محمد بن الحاج نوح بن نجاتى بن آدم الأشقودرى الألبانى الأرناؤوطى، وكنيته أبوعبد الرحمن، ولد عام 1914، وتوفى عام 1999 وكان مولده فى أشقودرة العاصمة القديمة لألبانيا، وقد ترك أبوه ألبانيا، وهو أحد كبار علماء المذهب الحنفى، وهاجر إلى دمشق ومعه ابنه محمد، وكان سبب هجرته اختلافه مع ملك ألبانيا أحمد زوغو بعد منع النساء من ارتداء النقاب!
ثم إن لك، عزيزى القارئ، أن تنظر فى سجل مؤلفات الألبانى وبرهامى حشيش، ومعهما رئيس الدعوة السلفية الإسكندرانية محمد عبدالفتاح أبوإدريس، فتجدها فى عمومها لا تزيد على حواشٍ شارحة متون ابن حنبل وابن تيمية وابن عبدالوهاب، وليس فيها مؤلف واحد يمكن أن يصنف ضمن الاجتهادات الواعية المبدعة، التى تقف على قواعد راسخة، وتبذل جهدها، وتفرغ وسعها فى تحقيق مصالح الأمة التى حيثما تكون كان الشرع الحنيف!
نحن أمام تركيبة لا يمكن مناقشتها بالعقل والدليل العلمى والفقهى الواعى الشامل، ولا يمكن لعاقل أن يضيع وقته مع من نزع من قلبه ومن عقله أى نزوع إنسانى للتعامل مع خلق الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك علاقاتهم الإيمانية بالله لله، إنما الممكن الوحيد هو أن تتحرك مؤسسات الدولة التى يحكمها الدستور والقانون، وفى ظرف نخوض فيه حربا على جبهات خمس، هى: «الشرق والغرب والشمال والجنوب والعمق»، لتوقفهم عند حدهم وتحاسبهم بالقانون عما يقترفونه فى حق الوطن والمواطنين.
إننى أسأل وزير الأوقاف، وهو رجل يعرف دوره، ولا يفت فى عزيمته أى شىء يحول بينه وبين الحفاظ على منابر مساجد مصر بعيدة عن التعصب والجهل، كيف يتمكن ياسر برهامى ومن على شاكلته من أصحاب هذا الرأى الواضح بتكفير المسيحيين، واعتبارهم أقلية مجرمة معتدية ظالمة كافرة مصيرها نار جهنم من منابر المساجد.. ليس هذا فقط.. وإنما يزيدون على ذلك اعتبار كل من لا يرى فى المسيحيين ما يراه السلفيون فاسقا زنديقا.. يعنى كلنا من أول رئيس الجمهورية حتى أقل مواطن، مثل العبد لله كاتب هذه السطور! كيف بالله عليكم لا يتحرك أهل القانون من محامين ونيابة عامة لوقف هذه الجريمة وتقديم مرتكبيها للعدالة لمحاكمتهم علنا!
كيف بالله علينا جميعا أن نصمت عن هؤلاء الذين يقومون بالتأصيل النظرى الكامل والعقائدى لما يفعله داعش وغيره.. لأن تكملة كلام برهامى وشركاه هى السؤال: ما الحكم فيمن هو «كافر معتدٍ مجرم ظالم»، وفيمن هو «منافق زنديق»؟!
ألن تكون الإجابة هى ما ينفذه داعش على الأرض من إحراق للأحياء وذبح للإنسان!
ومرة عاشرة: متى، وكيف، وأين كسر برهامى والسلفيون عين مؤسسات الدولة فى مصر؟!