حسين قايد - دبي
منذ 3 عقود، برز مصطلح "الأفغان العرب" للإشارة إلى آلاف العرب الذين انضموا لتنظيمات مسلحة في أفغانستان لقتال الاتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن العشرين.
وبعد انتهاء الحرب، عاد الكثير منهم إلى بلادهم، وشارك بعضهم في تأسيس جماعات مسلحة متطرفة نفذت عمليات إرهابية دومية.
بدأت هذه المشاهد والمخاوف من تكرارها تلوح في الأفق مع سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان مرة أخرى.
كما يخشى خبراء من انتشار الفكر المتطرف مرة أخرى وظهور تنظيمات إرهابية جديدة علي شاكلة تنظيمي القاعدة وداعش بعد سيطرة طالبان على كابل.
وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، قال لأعضاء مجلس الشيوخ في مكالمة الأحد، إنه يتوقع أن يغير المسؤولون الأميركيون تقييماتهم السابقة حول وتيرة إعادة تشكيل الجماعات الإرهابية في أفغانستان، حسبما قال شخص مطلع على الأمر لأسوشيتد برس.وذكر أن الولايات المتحدة قد تواجه زيادة في "التهديدات الإرهابية من أفغانستان" التي تديرها طالبان الآن.
"ملاذ آمن"
ويرى الباحث الأردني في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية، أن سيطرة طالبان على أفغانستان سيمثل نشوة للكثير من التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية.
وأضاف هنية في تصريحات لموقع قناة "الحرة" أن سيطرة طالبان سيجعل من أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للجماعات المتطرفة والراغبين للانضمام لها، كما ستوفر لهم الخبرات والمعلومات والتدريب.
وأشار إلى أن الحركة تقدم نفسها كملهم ومرشد للحركات الجهادية في المنطقة، وأوضح أنه رغم أن اتفاق الدوحة شدد على عدم استخدام أفغانستان كنقطة هجوم على أميركا وحلفائها، فإن ذلك لا يعني فك الارتباط بين طالبان وتنظيم القاعدة، كما تربطها علاقات بولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش، حسب قوله.
يتفق الباحث في الحركات الإسلامية، الدكتور محمد صفر، مع هذا الرأي، ويقول إن التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش قد تستغل حالة الفراغ الأمني في البلاد، وتنشط حركتها، وتبدأ في استقطاب الشباب العرب الراغبين في القتال.
وأضاف صفر في تصريحات لموقع "الحرة" أن ما حدث سيعطي دفعة معنوية للتنظيمات الإرهابية للتمسك بفكرة القتال والسلاح لتحقيق أهدافها.
وشدد صفر أن الخوف الحقيقي أن تترك جماعات الإسلام السياسي في الدول العربية مبدأ السلمية وتتجه لمبدأ السلاح والقتال لتحقيق أهدافهم، خاصة في الوقت الذي يتم التضيق عليهم فيه وشيطنتهم.
يعود احتضان أفغانستان للمتطرفين، مع الاجتياح السوفيتي لكابل في عام 1979، عندما بدأت تنتشر دعوات "الجهاد" في الدول العربية والإسلامية لمساعدة الأفغان في حربهم۔ ويقدر باحثون عدد العرب الذين شاركوا في هذه الحرب، التي استمرت 10 سنوات، بالآلاف، كان من أبرزهم الإرهابي عبدالله عزام، ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
بعد خروج السوفيت عام 1989 من أفغانستان، اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وتأسست حركة طالبان عام 1994، وفي خلال عامين نجحت في السيطرة على حكم البلاد وأعلنت تأسيس الإمارة الإسلامية في أفغانستان، التي استمرت 5 سنوات، حتى هزيمتهم على يد القوات الأميركية والغربية في 2001.
حقبة التسعينات
خلال الخمس سنوات التي حكمت فيها طالبان، احتضنت أفغانستان الكثير من الجماعات الإرهابية ولعل أبرزها تنظيم القاعدة، عاد الكثير من الأفغان العرب إلى بلدانهم في مطلع التسعينيات، وبدأو في معاداة الأنظمة العربية وتنظيم العديد من العمليات الإرهابية في أوطانهم للوصول للحكم.
في مصر، شكل العائدون من أفغانستان وفي مقدمتهم محمد شوقي الإسلامبولي وعثمان خالد إبراهيم، ومصطفى حمزة ورفاعى أحمد طه، خلايا إرهابية مثل قاعدة الجهاد التي أصبحت تعرف فيما بعد بتنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية.
ونظمت هذه الجماعات العديد من العمليات الإرهابية في فترة التسعينات أشهرها محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في إثيوبيا عام 1995، واغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب عام 1990، ومحاولة اغتيال وزيري الداخلية حسن الألفي والإعلام صفوت الشريف 1993.
وفي ليبيا، كون العائدون من أفغانستان بقيادة علي العشبي وثمانية آخرين الجماعة الليبية المقاتلة عام 1982 قبل أن يتم القضاء عليهم على يد أجهزة الأمن، وفي عام 1989 أعاد عوض الزواوي تشكيل الجماعة. وفي نفس العام أسس محمد المهشهش "حركة الشهداء الإسلامية".
كان الكثير من عناصر الجماعتين من العائدين من أفغانستان، ثم أعلنوا الانضمام إلى تنظيم القاعدة في 2007.
وبعد اندلاع الثورة الليبية شارك أعضاء من الجماعة الليبية المقاتلة في الحرب الأهلية ثم أصبح بعضهم قادة لبعض الميليشيات مثل قائد المجلس العسكري في طرابلس عبد الحكيم بلحاج.
أما في الجزائر، فقد لعبوا دورا في إشعال الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في فترة التسعينات التي عرفت بـ "العشرية السوداء".
وأسس الجزائريون العائدون من أفغانستان بقيادة منصوري الملياني، الجماعة الإسلامية المسلحة في مطلع التسعينات، تبنت الجماعة عدة عمليات إرهابية ضد أهداف مدنية في الجزائر وفرنسا، كما ارتكبت مجازر إبادة بحق القرويين ونفذت عمليات اغتيال.
كما أسسوا عددا من التنظيمات الإرهابية في مختلف الدول العربية، مثل تنظيم القاعدة في اليمن، والذي نفذ عمليات ضد السعودية مثل الهجوم بشاحنة مفخخة على قاعدة عسكرية أميركية بالخبر مما أسفر عن مقتل 19 شخصا وحوالي 500 جريح، والهجوم بثلاث سيارات مفخخة على مجمع سكني بالرياض تقطنه غالبية غربية في مايو 2003، مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً.
ويوم الأحد، أعلنت طالبان سيطرتها على القصر الرئاسي بعد دخولها العاصمة كابل، الأحد، بعد أيام من التقدم السريع في عموم البلاد، فيما أكد الرئيس الأفغاني، أشرف غني، الذي اختفى بشكل مفاجئ من المشهد، إنه قرر المغادرة "حقنا للدماء"، وهو ما أثار الكثر من المخاوف.
ظهور تنظيمات جديدة
ويعتقد هنية أن سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان ستمثل نقطة جذب لكثير من الشباب المتطرفين، كما حدث بعد سيطرت داعش على أجزاء من العراق وسوريا في 2014 وجذبت آلاف الشباب.
وتوقع ظهور عدد من الحركات الجهادية على الأقل على المدى المتوسط في الدول العربية، خاصة بعد فشل الإسلام السياسي في مصر وتونس حسب رأيه.
كما توقع زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية التي تعاني بعض دولها من الانقسام والحرب الأهلية وعدم الاستقرار، وستزداد حماستها لاستخدام السلاح للوصول للحكم كما فعلت طالبان.
أما بالنسبة لاحتمالية زيادة تهديدات القاعدة الإرهابية كما كان الحال في التسعينات، يرى هنية أن التنظيم في أفغانستان أصبح هشا وتبعية فروعه له "أدبية" أكثر منها تنظيمية، لذلك لم يعد يمتلك القوة والجذب مثلما كان في الماضي. إلا أنه أكد أن سيطرة طالبان ستمثل دفعة معنوية له.
وفي يونيو الماضي، قال كبار قادة البنتاغون إن جماعة متطرفة مثل القاعدة قد تكون قادرة على تجديد نفسها في أفغانستان، بحيث تشكل تهديدًا للولايات المتحدة في غضون عامين من خروج الجيش الأميركي من البلاد.
ويقول خبراء إن طالبان والقاعدة لا تزالان متحالفتين، ويمكن للجماعات العنيفة الأخرى أن تجد ملاذًا آمنًا في ظل النظام الجديد.
واستنادًا إلى هذا الوضع المتطور، يعتقد المسؤولون الآن أن الجماعات الإرهابية كالقاعدة قد تستطيع النمو بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا، بحسب أسوشيتد برس.
رغم ذلك، يرى صفر أنه رغم العلاقات الجيدة التي تجمع طالبان بالقاعدة، إلا أن القاعدة أصبحت تنظيما هشا يعاني من الانقسامات الداخلية منذ مقتل زعيمه أسامة بن لادن. وأشار إلى أن حركة طالبان لم تعد بحاجة إلى القاعدة كما كان الأمر في التسعينات، بل أصبحت عبئا عليها.