سناء العاجي
طالبة مغربية شابة تبلغ من العمر 23 سنة نشرت على فيسبوك منشورا ساخرا اسمه "سورة الويسكي"، في محاكاة لسورة الكوثر. حدث هذا سنة 2019...
بعد ذلك، سافرت الشابة للدراسة في أوروبا.. وعند عودتها لقضاء العطلة مع أسرتها في 20 يونيو 2021، تم إلقاء القبض عليها بتهمة المس بالمعتقدات الدينية للشعب المغربي. وأصدرت المحكمة في حقها حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم (حوالي 5600 دولار أميركي).
لماذا يا ترى لا نسمع بأحكام مشابهة في حق مئات الأشخاص ممكن يكتبون باستمرار بأن الإنجيل محرف وبأن التوراة محرف؟ لماذا لا تصدر المحاكم أحكاما بالسجن ضد من يسخرون من الهندوس على اعتبار أنهم "يعبدون الأبقار"؟ بغض النظر عن كون هذه التصريحات تنم عن جهل حقيقي بالديانة الهندوسة وبالديانة المسيحية وبالديانة اليهودية، فهذا في النهاية مس بالمعتقدات الدينية لليهود المغاربة مثلا، ولليهود عموما والمسيحيين والهندوس. هل يمكن مثلا أن نتخيل متابعة مسلمي أوروبا وأميركا والهند قضائيا بتهمة المس بالمعتقدات الدينية للبرتغاليين والكنديين والهندوس والأستراليين؟ أم أن مشاعر المسلمين وحدها تستحق الاحترام؟
ببساطة، من غير المقبول أن يدخل شخص السجن بسبب معتقداته أو بسبب سخريته من معتقد الآخر. الدعوة للعنف وللتطرف وللإقصاء ومختلف تعابير العنصرية تشكل خطرا ضد الآخر وتستحق العقاب. لو دعت هذه الشابة لقتل المسلمين لاستحقت السجن. لو شجعت على العنصرية والتمييز ضدهم أو ضد أي فئة أخرى (السود، قصار القامة، غير المختونين، النساء، المتزوجون، العزاب...) لاستحقت السجن. لكن المعتقد في النهاية هو فكرة ومن حق أي كان التعبير عنها والدفاع عنها أو انتقادها أو السخرية منها.
المشكلة في تفكير بعض المسلمين (وبعض القوانين تؤطره وتحميه) أنه يضع نفسه في مركز الكون ويعتبر أن من حقه السخرية من كل المعتقدات بناء على مركزيته الدينية وإطلاقية تدينه. لكنه لا يسأل نفسه مثلا: لو أن البوذي والشيعي والهندوسي والبهائي وغيرهم يؤمنون، كما يؤمن، بأن دينهم ضلال أو محرّف أو غير صحيح، أما كانوا ليتركوه ليعتنقوا الدين الوحيد الذي يراه المسلم صحيحا والذي لا يرونه بالضرورة كذلك (لأنهم ببساطة يؤمنون أنهم على الدين الصحيح!)؟ هل يعقل أن يوجد يهودي مؤمن أو مسيحي مؤمن، وهما مقتنعان بأن "دينهما محرف" وأن "كتابهما محرف"؟ ألا يحاول المسلم "المعتدل" أن ينظر للأمر من وجهة نظرهم، والتي تعتبر بدورها بأن ديانتهم هي الصحيحة وأن إيمانهم بها، بناء على ذلك، مترسخ تماما كما هو مترسخ إيمان المسلم بمعتقده؟
ألا يسأل المسلم "المعتدل" نفسه عن شعور المسيحي واليهودي حين يعتبرهم "مغضوبا عليهم وضالين" أم أن تلك قناعته وذلك ما يقوله كتابه المقدس، بغض النظر عما يشعر بها الآخر؟
ماذا مثلا لو دخل مسلم ألماني السجن لأنه يجرح مشاعر المسيحيين واليهود في ألمانيا حين ينشر سورة الفاتحة أو تفسيرها على الفيسبوك؟
ماذا لو شجع مسلم مكسيكي مكسيكيا آخر على دخول الإسلام، فدخل الأول السجن بتهمة "زعزعة عقيدة مسيحي مكسيكي" كما قد يدخل السجن أي مبشر مسيحي في المغرب؟
أم أن مشاعر المسلمين فقط هي المقدسة؟
حين نؤمن بأن معظم من ولدوا على ديانة معينة مؤمنون بها في أعماقهم ولا يسائلون مسلماتها، بقدر ما قد يسائلون خرافات ومغالطات المعتقدات الأخرى؛ وحين نؤمن أن كل شخص يرى نقائص معتقدات الآخرين لكنه لا يسائل معتقده لأنه مترسخ في تكوينه؛ وحين نؤمن بأن الدعوة للعنف وحدها تستحق العقاب وأن ما دون ذلك كله مباح للجميع (وإلا، فاحترام المعتقدات لا يتعلق بمعتقدنا فقط بل أيضا بمعتقدات الآخرين)... حينها فقط، سننتمي لقيم الإنسانية التي تساوي بين الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم... والتي تؤمن بالحق في الإيمان وفي الممارسة الدينية... تماما كما تؤمن بالحق في عدم الإيمان وفي انتقاد والسخرية من كل المعتقدات!