إنقاذ فتيات ونساء أفغانستان مهمة المسلمين قبل أمريكا - مقالات
أحدث المقالات

إنقاذ فتيات ونساء أفغانستان مهمة المسلمين قبل أمريكا

إنقاذ فتيات ونساء أفغانستان مهمة المسلمين قبل أمريكا

خالد داود:

 

عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، كانت صور الأفغان وهم يحاصرون الطائرات وهي تقلع من مطار العاصمة كابول ويتعلقون بأجنحتها قبل أن تتساقط أجسادهم كنقاط سوداء صغيرة في الفضاء، مريعة ومذهلة وصادمة وقاسية.

وبعد الانسحاب المهرول الفوضوي الذي أعاد للذاكرة سريعًا مشاهد الانسحاب الأمريكي المهين من فيتنام في مطلع سبعينيات القرن الماضي، تجمع عشرات آلاف الأفغان لأيام عدة بالقرب من المطار أملًا في اللحاق بأي طائرة تحط على مهبطه للهروب من الجحيم المنتظر مع عودة حركة طالبان للحكم.

لم أصدق أن هؤلاء كلهم من عملاء الجيش الأمريكي الذي احتل تلك البلاد العصية لعشرين عامًا، وكان بينهم الكثير من النساء والأطفال. فالنساء كانت تعرف جيدًا ما كان ينتظرهن على يد حكومة طالبان رغم كل الوعود التي قطعها قادة الحركة للولايات المتحدة قبل إتمام انسحابها بوساطة قطرية من أنها ستحترم حقوق المرأة ولن تعود لممارساتها الهمجية ضد النساء عندما شكلت حكومتها الأولى بين الأعوام 1996 و2001.

لكن بعد أسابيع فقط من سيطرتها على الحكم، كانت المرأة هدفها الأول لتأكيد التمسك بالهوية المتشددة للنظام الجديد، وأنها باقية على عهدها وولاءها لآبائها المؤسسين في ذلك البلد الواسع صعب التضاريس متعدد الأعراق والمذاهب واللغات، وإن كان يوحده الفقر المدقع والظروف المعيشية شديدة الصعوبة.

مع رفع الحركة لأعلامها السوداء فوق المباني الحكومية، ازدهرت سريعًا مبيعات البرقع الأزرق الشهير الذي يغطي كامل جسد المرأة ولا يترك سوى شبكة صغيرة أمام العينين يمكن من خلالها بالكاد رؤية الطريق. كما أطلق الرجال سريعًا لحاهم لتفوق قبضة اليد، بعد أن كان التخلص من الذقن والإسراع لإعادة فتح محال الحلاقة أول معالم الاحتفال بسقوط الحركة عام 2001.

ثم بدأ حظر دخول المرأة للمنتزهات العامة وصالات ممارسة الرياضة ودور السينما، ومنع الطالبات من تلقي الدروس في المدارس الثانوية وحظر ممارسة المرأة لعدد كبير من الوظائف العامة. ونهاية الأسبوع الماضي، اكتملت الدائرة بإعلان وزير التعليم العالي للحركة حظر تلقي الفتيات للتعليم الجامعي، وأن يبقى حكرًا على الذكور بزعم عدم التزام الطالبات بالحجاب والزي الإسلامي، والاختلاط بين الجنسين، وإقامة المغتربات في بيوت الطالبات، وتدريس مناهج لا تقرها الشريعة الإسلامية حسب تفسير الحركة.

ولم يكد العالم ينتهي من إصدار بيانات الشجب والتنديد بهذا التضييق المرفوض على الحقوق الأساسية للمرأة، حتى أصدرت وزارة الاقتصاد الطالبانية هذه المرة قرارًا آخر يوم السبت يحظر على النساء العمل في المنظمات المحلية والدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني.

وهدد القرار المنظمات التي لا تلتزم بالإغلاق. دون النظر إلى أن هذه المساعدات تمثل مصدر الغذاء الوحيد لما يقترب من نصف الشعب الأفغاني، أي 20 مليون مواطن، بعد انيهار الاقتصاد المحلي فور وصول الحركة للحكم.

المهم بالنسبة للحركة وقادتها تأكيد الهوية الإسلامية الجديدة للنظام، والمدخل لذلك هو إبعاد المرأة تمامًا عن المجال العام، حتى أن ظهورها في الشوارع أصبح في أضيق الحدود، فقط بصحبة قريب ذكر من الدرجة الأولى وفقًا لما تنص عليه "قواعد الشريعة".

وبعد أن خرجت أعداد قليلة من الشابات الأفغانيات للاحتجاج على تلك الإجراءات، واجهتهم القوات التابعة للحركة بالرصاص الحي في الهواء، كما لاحقتهن في الشوارع وأوسعت عددًا منهن ضربًا بعنف وقسوة، في مشاهد سجلتها هواتف المواطنين وبُثت على السوشيال ميديا.

وكما كانت مظاهر تمرد النساء الإيرانيات على حكم الملالي وإلزامهن بارتداء الشادور وتغطية الشعر هي شرارة الثورة الشعبية المتواصلة منذ شهور، فإن مشاهد قمع المرأة الأفغانية الآن قد تمثل بداية تحرك شعبي جديد ضد سياسات حركة طالبان.

بالطبع نال قادة حركة طالبان الكثير من التهديد والوعيد من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على رأسها  رفض الاعتراف بشرعيتها واستمرار تجميد الأموال الخاصة بأفغانستان في المصارف الأمريكية، ومنع حصولها على معونات دولية.

لكن كل هذا يبدو أمورًا هامشية للمتشددين في الحركة الذين يعرفون جيدًا أن واشنطن التي سعت للتخلص من الكابوس الأفغاني رغم كل الخسائر والانتقادات الحادة لطريقة الانسحاب الفوضوية، لن تعود إلى احتلال أفغانستان بالطبع من أجل حماية النساء.

الولايات المتحدة لم تحتل أفغانستان والبقاء فيها عشرين عامًا وانفقت المئات من المليارات من الدولارات وخسرت آلاف الجنود بين قتيل وجريح من أجل سواد عيون المرأة الأفغانية أو لتحويل البلاد إلى دولة حديثة. لكن الهدف الأساسي كان معاقبة طالبان على استضافة أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة والسماح بالتخطيط لهجمات سبتمبر 2001. حتى الآن، ما زالت الحركة متمسكة بتعهدها للأمريكيين في مفاوضات الدوحة بعدم دعم الجماعات الإرهابية التي تستهدف المصالح الأمريكية.

والنتيجة العملية عودة أفغانستان، كما الصومال من قبل، دولة فاشلة سيتركها المجتمع الدولي لشأنها من دون تدخل حقيقي يتجاوز إصدار بيانات الشجب والإدانة. فالمنطق الأمريكي في التعامل مع المغامرات العسكرية الخارجية يقوم على محاولة تحقيق الأهداف المرجوة خلال فترة من الوقت، لكن إذا طال الصراع وتبين أن تكاليف البقاء باهظة، فإن الانسحاب يكون الحل وبغض النظر عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه حلفاؤها الذين وثقوا بوعودها. هذا السيناريو شهدناه في فيتنام، وتكرر في الصومال والعراق ثم أفغانستان.

وفي حالة أفغانستان تحديدًا، كانت النساء أولى الضحايا، الهدف الأسهل دائمًا بالنسبة للمتشددين دينيًا في أي منطقة أو دولة يسيطرون عليها، وسواء رفعوا راية داعش أو طالبان أو القاعدة.

من هنا، ربما يكون المطلوب والأكثر تأثيرًا تدخل عاجل وسريع من قبل الدول والمنظمات الإسلامية لكي تحاول إقناع المتشددين في حركة طالبان بالتراجع عن تلك القرارات الخاصة بتعليم وعمل المرأة من أجل إنقاذ أفغانستان أولًا وقبل كل شيء.

حرمان نصف المجتمع من التعليم وقمع المرأة والنظر لها كوسيلة للإنجاب وشر لا بد من إخفائه في غياهب المنازل، هي أفضل بيئة لإنتاج العناصر المتطرفة المتشددة التي ستتحول قطعًا لممارسة الإرهاب ضد من يخالفها في الرأي لاحقًا.

ومثل هذا التهديد لن يؤثر على الولايات المتحدة فقط، لكنه سيمتد بكل تأكيد إلى الدول الأقرب في الشرق الأوسط. وهذا هو ما أثبتته التجربة العملية بالفعل بعد انتهاء احتلال الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان في 1989 وسقوط البلاد تحت سيطرة طالبان، إذ مثّل "العائدون من أفغانستان" من المجاهدين العرب العمود الفقري لكل التنظيمات الإرهابية التي واجهت أنظمة عربية وعلى رأسها مصر.

وربما يكون البيان المهم الذي أصدره شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب مدخلًا مناسبًا للتعامل مع حركة طالبان لكي لا تعود بأفغانستان لزمن ما قبل العصور الوسطى، خاصة وأنه أكد أن قرار حرمان الأفغانيات من التعليم الجامعي، "يتناقض والشريعة الإسلامية، ويصدم دعوتها الصريحة للرجال والنساء في أن يطلبوا العلم من المهدِ إلى اللَّحد". وأضاف "هذا القرار الصادم لضمائر المسلمين وغير المسلمين ما كان ينبغي ولا يليق أن يصدر من أي مسلم، فضلًا عن أن يتمسَّك به ويزهو بإصداره".

ما يريده قادة طالبان سجنًا كبيرًا للنساء والفتيات الأفغانيات بزعم "حماية الشريعة الإسلامية والفخر الأفغاني"، وفقًا لوصف وزير التعليم العالي في حركة طالبان ندا محمد نديم. وهذا المنطق السقيم الذي يرى أن "الفخر" لن يتحقق سوى بسجن المرأة لن يرد عليه بالحجة سوى الشعب الأفغاني نفسه بقيادة النساء، التي لا شك أنها لن تتخلى بسهولة عن حقوقها التي حصلت عليها بصعوبة بالغة على مدى السنوات العشرين الماضية.

صحيح أن غالبية الفتيات والسيدات الأفغانيات سيبقين بعيدًا عن فرص التعليم بسبب ظروف الفقر والعزلة، لكن التساهل مع الأفكار الطالبانية القائمة على قمع النساء وسجنهن كخطوة أولى نحو إقامة الدولة الإسلامية، أمر يجب على المسلمين أنفسهم مقاومته حماية لدينهم ومجتمعاتهم، وبغض النظر عن بيانات التهديد والوعيد الأمريكية والأوروبية.

المنصة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*