نضال نعيسة
مظاهرات عارمة من كوبنهاغن لبروكسل وباريس ولندن، وفي كل تلك الأحياء التي غزاها واحتلها واستوطنها "اللاجؤون" الهاربون من جحيم العروبة والإسلام، كلها ترفع شعاراً واحداً وهو، المطالبة بدولة الخلافة الإسلامية في قلب الغرب "الصليبي" الكافر العلماني المتنور.
ولا بد للمتابع العادي، وهو يراقب هذا السيرك والمسرحية السمجة التي يقوم بها هؤلاء "الدواعش" في قلب أوروبا إلا أن يحمد الله ويشكره أن هؤلاء باتوا يملكون واحداً من الحقوق الآدمية المحظورة والمحرّمة في ديار "الدواعش" والإسلام، وهو حق التظاهر والتعبير الحر عن الرأي، وهذا ما كانوا لا يملكون مجرد الحلم به في مضارب وعالم الإسلام، فالتظاهر يعني فيما يعنيه، شرعاً، الخروج على الحاكم وولي الأمر "وأطيعوا الله ورسوله وألي الأمر منكم"، (النجم59) فالحاكم هو ممثل و"خليفة" الله على الأرض ووارث هؤلاء الرعايا وحاكمهم المطلق، "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة 30 )، وكل ما يعنيه هذا الخروج من عواقب وخيمة تبدأ بالخروج على الحاكم المسلم، ممثل الله، وتصل التهمة بحد الردة، ما يعني، حكماً الموت بقطع الرأس بالسيف وهي عقوبة إسلامية "شرعية" مألوفة لا تثير الكثير من ردود الأفعال في البلدان المحكومة بالشريعة.
لكن وعلى أية حال، لا بد للمرء إلا أن يتساءل، والحال، ويطرح السؤال القهري التالي، لماذا فرّ هؤلاء إذن من تحت نير القوانين الإسلامية الجائرة، وحكم الشريعة التسلطي، ولماذا هربوا تحت جنح الليل بالقوارب المطاطية وتعرضوا لكل تلك المخاطر والأهوال للنجاة بأنفسهم وأرواحهم من جبروت الحكـّام الطغاة المسلمين، كآل سعود، الذين يستمدون كل طغيانهم واستبدادهم وغيـِّهم وبغائهم المطلق من الشريعة ذاتها التي يطالب بها هؤلاء؟
لكن بالمقابل، لا بد للمرء، ولكي يتفهم ويفكـّك هذه المعضلة، إلا أن يجيب على سؤال لماذا يطالبون أصلاً بحكم الشريعة وبدولة الخلافة الإسلامية؟
من المعلوم تماماً، أن الدولة الوطنية العلمانية الحديثة، التي تدرّج أنموذجها حتى وصل إلى ما هو عليه من المرحلة الذهبية الحالية في الغرب، عموماً، هي دولة المواطنة، ودولة سيادة القانون الوضعي المدني، ودولة العدالة والمساواة حيث يمنع وينتفي التمييز بكل أشكاله، الدينية، والعرقية، والمذهبية والطبقية، وما سواها.
وتقف على النقيض، وعلى العكس من ذلك، دولة الخلافة الإسلامية، الدولة التي تحكم بـ"شرع الله" دولة الاستبداد والقهر واللصوص والحرامية والتمييز العرقي والطائفي والعنصرية والعبودية، دولة الجماعة الخانعة والقطيع المنقاد بعصا الشريعة، لا دولة الفرد المتميز المبدع، دولة الرقيق والعبيد وتمجيد طائفة ومذهب ودين بعينه، وإعلائه وتمكينه على حساب بقية المكونات وادعاء التفوق العصمة والكمال وامتلاك الحق، دولة "الأخيار" الذين فضـّلهم إله المسلمين على العالمين: "وكنتم خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران 110).
ويقف المسلم، والحال، أمام احتمالين، إما ترك الإسلام وشأنه، والالتزام بالقانون المدني، والتنصل من "شرع الله" ومن تعاليمه، وما يعنيه هذا من ردة، وكفر وإلحاد ملعون ومخاطر محدقة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم والبخاري، وهذا قد لا يكون في وارد المسلم بالطبع وقد تمت برمجته من الصغر على التعاليم الإسلامية وصارت تدخل في الـDNA، والجينات الوراثية له ويستحيل فيها الفصل بينه وبينها وباتت جزءاً من تكوينه الخارجي والداخلي، وما قد يكون للردة من أثقال اجتماعية وبيئية وروحية تشده للبقاء في حظيرة الإسلام، ويبقى الاحتمال الآخر وهو البقاء والالتزام بـ"الشريعة" وهذا ما سيضعه في مواجهة المجتمع الجديد، وفي حال من الصدام المعرفي والإيديولوجي الدائم في المحيط الوليد بحيث لا يـُريح ولا يستريح.
وبسبب عملية غسل الدماغ والبرمجة الناجحة التي تجرى للمسلمين منذ الطفولة والتعليم الديني والشرعي الذي يتلقونه على الدوام وتحريم التعليم الدنيوي والعلمي ورفض الرياضيات والفيزياء والعلوم التطبيقية ووو، فقد كان من الصعب، بشكل عام على المسلم الملتزم تعلم أي شيء آخر، ومن ثم التأقلم أولاً والتكيف ثانياً مع القيم الحداثية والعصرية، ومن ثم مجرد التفكير بترك الإسلام. (بوكو حرام النيجيرية تعني التعليم الغربي حرام ولليوم آل سعود لا يقرّون مثلاً بكروية الأرض لأن كل مناهج العلم الحديث تتناقض مع مغالطات "علوم" القرآن الخاطئة علمياً والتي نسفها العلم من جذورها).
الإسلام يعفي المسلم، حقيقة، من أي التزام أخلاقي ومن أية مساءلة قانونية إذ يرفض كل القوانين والدساتير الوضعية، ولكي يكون المسلم مسلماً حقيقياً لا بد له من "إكمال" دينه، والقيام بكل تلك الفروض الإسلامية المعروفة "أركان الإسلام"، التي قد لا تبدأ بشهادة الزور المعروفة، أو السرقة والسطو الحلال "الأنفال أو الغنائم"، (ويَسْأَلُوَنَكَ عَن الأَنْفالِ قُل الأَنْفالُ لِلِّهِ والرَّسُولِ فاتَّقُوا اللَّهَ) "الأنفال 1" و(وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) "الأنفال 41"، والحديث النبوي (بعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي) صحيح البخاري، ولا بإعلان الحرب وقتال الآخرين "لجهاد"، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ، البقرة 216) وقال أيضاً: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، التوبة 41) أو ممارسة النخاسة والاتجار بالرقيق الأبيض واستعباد البشر "السبي" وهذا الحديث النبوي عن ابن عباس يفتح باب السبي على مصراعيه: " عن ابن عباس قال: كل ذات زوج، إتيانها زنا، إلا ما سبيت. "، (وطبعاً أسباب السبي والتكفير لا تعد ولا تحصى أي يمكنك سبي أية امرأة لو شئت والتهمة جاهزة، قصة خالد ومالك بن نويرة)...وجاء في القرآن (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ، النساء24)0ويخاطب الله نبيه بالقول: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، الأحزاب 50)، أو في ممارسة التمييز الجنسي والقوامة على المرأة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ ... النساء34)، أو في ممارسة احتقار المرأة الشرعي واعتبارها كالكلب والحمار ومساواتها بالغائط (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، النساء 43) وضربها، أو الذهاب أبعد من ذلك حتى، دون أن يتجرأ أي مأمور شرطة أو أي قاض مسلم أن يسأله عما يفعل وهذا ما فتح الباب سداحاً مداحاً على جرائم الشرف والقتل تلك الآفة المستعصية في ديار "الإيمان"، وقد لا تتوقف عند اغتصاب الصغيرات والزواج من القاصرات (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ، الأحزاب21) بزواجه من الطفلة عائشة، وحتى المثلية لها نصيب وإغواء ورشوة وإغراء في كتاب الله: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ الواقعة 17-18) وقول إله المسلمين: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ، الطور 24) أو ممارسة الدعارة الشرعية الحلال والزواج بأربع نساء (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، النساء3 ) وحيازة طوابير لا حصر لها من الغلمان والنساء (ملك اليمين) كما كان يفعل المبشرّون بالجنة وكبار الصحابة والخلفاء والتابعون ليوم الدين (يـُروى بأنه كان لهارون الرشيد أربعة آلاف غلام وجارية وطأهن جميعاً، بإذن الله، وكل الحمد والشكر لله)، وما يفعله اليوم دواعش الخليج الفارسي من أمراء وسلاطين وملوك وشيوخ، من جنس جماعي Group Sex فقد باتت سلالات وذرية هؤلاء خلائط من كافة الأعراق البيضاء والصفراء والسمراء ووالزرقاء، وسواها.
أما الخطاب الديني السائد من تكفير وتلعن وتسفيل وتحقير وتقريد وخنزرة للبشر، على الملأ وسبّ وشتم في الصلوات وخطب الجمعة والدعوات للقتل العلني للنصارى واليهود والمكونات الوطنية والمجتمعية الأخرى، وباتت تقاليد وطقوس يومية في ديار "الإيمان"، فحدث ولا حرج، ولكن لو فكـّر المسلمون مجرد التلفظ بخطاب الكراهية والعنصرية المتداول في ديار العروبة والإسلام وإعادة اجتراره في دول الغرب "الكافر"، لوجدوا أنفسهم في مواجهة القانون الوضعي الأكثر عدلاً وإنسانية وأخلاقية من "شرع الله"، ولباتوا مهددين بالسجن والطرد وبغرامات قد لا تفي أعمارهم لو عاشوا ألف عام بتسديدها. وهكذا رأى المسلمون أنفسهم في الغرب محاطين بدولة القوانين ودساتير تحرّم التمييز والعنصرية والقتل والإجرام فيشعر المسلم بأن إسلامه قد انتقص كثيراً ولا بد من إعادة الاعتبار إليه.
وطبعاً كي يكون المسلم مسلماً حقيقياً لا بد له من ممارسة كل هذا، ووحدها دولة الخلافة، وشرع الله، تبيح للمسلمين ممارسة هذه "الحقوق" وتوفر لهم هذه المزايا التفضيلية لأن: "الدين عند الله الإسلام"، فالقانون والشريعة الإسلامية هي وحدها التي تحمي المسلم، وتوفر له الحصانة القانونية والمظلة الشرعية لفعل كل تلك المخالفات القانونية والسلوكيات اللا أخلاقية الفظة المنحطة والمكروهة، وتكفل لهم ممارستها، فيقتلون ويكفـّرون البشر ويسلبونهم أموالهم ويستعبدونهم، ويمارسون الدعارة الحلال وكل الانتهاكات والموبقات المعروفة، ولم لا أليس هذا هو الدين الحق و"شرع الله"؟
About the Author
نضال نعيسة:
كاتب سوري ومترجم وناشط حقوقي، يكتب في موقع الحوار المتمدن، وجريدة عرب تايمز. شارك في برامج تلفزيونية على قناة الجزيرة وقناة العالم، وقنوات أخرى.