هل غسل الفم واليدين والرجلين يطهر الإنسان من نجاسة الشر والفسق والزنا والفجور والإلحاد الذي يحمله الإنسان في عقله وفكره؟
صباح ابراهيم
يعلّم الإسلام أتباعه منذ الصغر ان الوضوء شيء اساسي للطهارة قبل أداء الصلاة، وتجد في كل مسجد ومصلى مكان الاغتسال الجماعي للمصلين، يغسلون أيديهم ووجوههم وأرجلهم قبل كل صلاة لملاقاة الله بجسد نظيف اثناء الصلاة. اما في الكنائس فلا وجود مكان للوضوء.
يعتقد المسلم أنه بهذا الوضوء وغسل اليدين والرجلين والفم والأنف أنه تطهر واصبح جاهزا لمواجهة ربه وهو يصلي ويدعوه ان يستجيب له.
الله لا ينظر الى وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ان كانت نظيفة أو ملوثة بأوساخ المادة قبل الصلاة أو بعدها. الله ينظر الى عقولكم وافكاركم و قلوبكم، ان كانت نظيفة وغير ملوثة بأفكار الشر وأدران الخطيئة مثل الحقد والحسد والنميمة والتخطيط للجريمة والكراهية للآخر. الله يكره الشر النابع من الفكر و ليس ادران اليدين المادية أو الغبار العالق بالأقدام، أو الفم الغير مغسول بالماء.
الله لا يقبل صلاة من غسل يديه ورجليه بالماء والصابون ولوّث قلبه وفكره حقدا وحسدا وتكفيرا وكراهية للآخر. نظافة الجسد لا تدل على طهارة النفس والروح. الشر والخير مصدره العقل والفكر والنفس وهي الأمّارة بالسوء أو الفاعلة للخير. اما الجسد فهو اللباس المادي الملموس الذي يحفظ الروح الغير مرئية بداخله والذي يسيّر الإنسان، والجسد أداة لتنفيذ ما يقرره العقل والفكر من خير أو شر.
فما يطهر الإنسان عقلا وروحا ونفسا ليس الماء بالوضوء والاغتسال، بل الإيمان بالله والعمل الصالح والفكر النظيف الذي يمجد الله ويخدم الذات والآخرين.
في جلسة لتناول الطعام جلس السيد المسيح برفقة تلاميذه مع جماعة من اليهود المتشددين وشيوخهم ورجال الدين، وبدأوا في تناول الطعام دون ان يغسلوا ايديهم. فانتقدهم شيوخ اليهود على عدم غسل الأيدي قبل تناول الطعام . قائلين للسيد المسيح: «لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟»
أجاب السيد المسيح الجمع الحاضر قائلا: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. أَلاَ تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ؟وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. وَأَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».
هذا درس بليغ أعطاه السيد المسيح للناس ولمن يريد ان يعرف الفرق بين الطهارة والنجاسة، وكيف يحافظ الإنسان على طهارته الروحية. التخلص من النجاسة لا تتم بغسل الأيدي والأرجل والفم بالماء. بل بتطهير القلب والفكر من النجاسات التي يجمعها الإنسان الخاطئ في داخله.
ما يغضب الله ويؤذي الإنسان و الآخرين هو ما يخرج من الأفكار الشريرة من داخل عقل الإنسان وينفذها عن طريق الفم واليدين، وما جسد الإنسان إلا أداة للتنفيذ خيرا أم شرا.
كثير من المجرمين والقتلة والزناة يرتكبون جرائم القتل والإغتصاب والسرقة والفجور. فهل سيتطهر ذلك الشخص من جرائمه وخطاياه وذنوبه أمام الله إن توضأ واغتسل؟ هل ستكون صلاته مقبولة عند ربه؟
تذكروا جيدا بأن الله لا ينظر إلى وجوهكم وأجسادكم وما تحمله، بل ينظر لما تحمله نفوسكم وافكاركم من طيبة طاهرة أو خبائث نجسة، وهذا ما ستحاسبون عليه يوم الحساب.