سامية علام
لا شك أن الأمثال الشعبية من أهم موروثات الثقافة الشعبية الشفهية، وذلك لسهولتها وبساطة تعبيرها عن المجتمع.
تتحول من مجرد خبرات متوارثة عن السلف لقوانين واجبة الاتباع في بعض المناطق، وتنظم الحياة وترسم حدود العلاقات بين الأفراد.
وقد كانت المرأة دوماً مادة ثرية للأمثال الشعبية في كل الدول العربية، إلا أنها في المغرب تكتسب أبعاداً أكثر اختلافاً، إذ رأت الثقافة الشعبية المغربية المرأة مخلوقاً ناقصاً لا يكتمل بذاته، بل يحتاج لزواج وإنجاب وضمان بقاء تلك العلاقات حتى لا ينظر لها نظرة دونية.
اهتم الكثير من الباحثين المغاربة برصد وتحليل صورة المرأة المغربية في خطاب الثقافة الشفهية، والأمثال الشعبية بخاصة، لعل أشهرهم الكاتبة النسوية فاطمة المرنيسي وأستاذة علم اللغة فاطمة صديقي والكاتبة عائشة بلعربي والدكتورة نادية العشيري، والقائمة تمتد.
في دراسة بعنوان "صورة المرأة في الأمثال الشعبية، المرأة في مؤسسة الزواج كنموذج"، يؤكد فوزي بوخريص، أن اهتمام الباحثين بتحليل هذه الصورة في الأمثال لا يعكس سوى الاهتمام برد الاعتبار إلى المرأة المغربية التي ظلمتها تلك الأقوال الموروثة.
ونقل بوخريص في دراسته عن بلعربي قولها "اهتمامنا بهذا الموضوع ليس تلقائياً أو مجيباً للصدفة، لكنه مرتبط بدراسات وبحث متواصل حول التنشئة التباينية التميزية بين الجنسين في المجتمع المغربي"، معتبرةً أن أمثال القدماء أساس هذا التمييز.
تكريس دونية المرأة
تشدد الدراسة على أن خطاب الأمثال المغربية "ذكوري بامتياز، حتى تلك الأمثال التي تخص المرأة أو تقال على لسانها"، بل توضح أنها "لا تعبر عن دونية المرأة في المجتمع فحسب بل تسعى لتكريس ذلك".
وتضيف أن استخدام المرأة المستمر لما قيل عنها في الأمثال يجعلها "تستبطن" ما تحمله من رسائل وتنميط لدورها في الحياة وفي العائلة. فتؤمن أن الطبيعة خلقتها بطريقة معينة، وهناك ما يلائم فطرتها وما يخالفها، لتعيش حياتها ضمن هذه الحدود وتنقلها لأبنائها من الجنسين، حسبما يؤكد عبد السلام حيمر في مؤلفه "مسارات التحول السوسيولوجي في المغرب".
الأمثال خير مثال
وليس أدل على ذلك من المثل القائل: "أنا وخالتي مانمشوشي في راجل"، وهو ينطوي على دونية واعتراف على لسان المرأة بعدم مساواتها بالرجل وتميزه عنها.
ويلخص المثل القائل: "البنت تاكل ما تشبع وتخدم ما تقنع"، نظرة عامة لدور الفتاة في المغرب، فهي منذورة للخدمة والأعمال المنزلية، ورغم ذلك لا يقتنع أحد بقيمتها بل تتهم بالطمع والصفات السلبية.
وقيل كذلك "المرا اللي تطوف ما تغزل صوف" أي أن من تعتاد الخروج من المنزل لا فائدة منها.
وقيل أيضاً "دار البنات خاوية"، وهو مثل ينطوي على ظلم بيّن لإنجاب الفتيات، فمصيرهن للزواج والخروج من المنزل بينما الولد يعمر منزل والده. ويقال كذلك: "الله ينجيك من المشتاق إذا فاق، ومن البايرة إذا ضربت الصداق"، أي إذا كتبت الكتاب.
وقيل "أنا نطلقها وهي تفرش لي السرير"، لمن لا يأخذ الأمور بجدية، وتستخدم المرأة هنا كمثال للسذاجة إذ تستمر (حسب المثل) في خدمة زوجها والرغبة فيه وإن كان لا يريدها وينوي تطليقها.
و"بحال اللي عود همه لبنت عمه"، لمن يستمع لشكواك دون أن يفيدك أو يمنحك مشورته، فهو كالزوجة التي يشكو الرجل لها همه، فلا تفيد ولا تعطيه النصح أو الحل.
أفكار متطرفة
وتعكس الأمثال دونية المرأة بكل أبعادها، إذ ترسم صورة سلبية لها، لا تكاد تفارقها، عبر مراحل عمرها، ومن خلال أوضاعها وأدوارها الاجتماعية المتنوعة: بنت، زوجة، أم، مطلقة، بحسب الدراسة المذكورة.
ونرى أمثالاً أكثر اضطهاداً للمرأة، منها "بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف"، الذي يستحث الآباء على حرمان بناتهن من التعليم والحياة المستقلة حتى داخل جدران المنزل، فلا يُمنحن غرفاً منفصلة حتى.
"إلا طلقتيها لا توريها دار باها"، والمعنى أن الرجل إذا طلق المرأة يقطع عنها العون فلا يوصلها حتى لمنزل والدها، ويعكس هذا التصرف عدم احترام العشرة.
الكثير من الأمثال الأخرى تحمل معنى الإساءة للمرأة. فيقال: "ما فالشتوا ريح دافي، ما فالنسا عهد وافي"، وهو اتهام واضح للنساء بالخيانة وعدم صيانة العهد. ويقال أيضاً: "المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس"، وهو مثل ينسب للمرأة الشر والفسق.
"سوق النسا سوق مطيار يا الداخل رد بالك، يوريلك من الربح قنطار والديو لك راس مالك"، وبه تحذير من طمع النساء وعشقهن للماديات والمظاهر. ومثله قول: "أنا غنية وكنحب لهدية"، وقد استخدم المثل صيغة المؤنث معتبراً أن المرأة هي الطماعة، وإن كانت ميسورة الحال.
ويصل التطرف للقول: "البنت إما رجلها وإما قبرها"، أي ليس أمامها سوى الزواج، وإلا فالموت خيارها الوحيد. وبقاؤها في منزل والدها دون زواج عار، فيقال: "العاتق في الدار عار".
قليل من التكريم
مالت نسبة قليلة من الأمثال لتكريم المرأة، منها "اللي ما عندو بنات ما عرفو حد باش مات"، و"البنات عمارة الدار" و"ما يرتاح الراجل من همو حتى يلقى لمرا لي تلموا". بالإضافة إلى "أنا نكنيه وهي تسميه"، الذي يدل على قيمة العشرة الطيبة في نجاح الزواج بالتعاون بين الزوجين.
تكريم الأم في الأمثال ليس دائماً خيراً للنساء
وكالكثير من الأمثال العربية، توضع الأم في خانة مختلفة. ففي المغرب، تحث الأمثال على تكريمها حتى ينال الفرد الخير في الحياة والممات مثل: "بطن أمك جنينة ما تطرح غير الثمار لا توريها غيار"، "ايلا بغيتي الدنيا تعطيك قيمة تهلا فالميمة".
يكمن خطر تعظيم الأم في ربط قيمة المرأة بالإنجاب، فتُحرم من التكريم إن لم تُرزق طفلاً، يُقال: "لمرا بلا ولاد كحال الخيمة بلا وتاد".
وإن أنجبت وطلقت أو ترملت بوفاة الزوج، تفقد قيمتها، فيقال: "الهجالة ربات عجل ما فلح وربت كلب ما نبح"، أي أنها لا تصلح حتى لتربية أبنائها.
والمثل الأكثر قسوة وظلماً هو "لحم الهجالة مسوس وخا دير لو الملحة قلبي عافو"، إذ يطعن بجسدها، واصفاً إياه بأن لا قيمة له ولا يثير النفس، بل يعافه المحيطون بها.
تناقض وتعظيم
وحملت أمثالٌ أفكاراً متناقضة في شأن المرأة إذ وضعتها في خانة الشر والخير في آن واحد، أو حملتها حتى مسؤولية نجاح الرجل أو فشله، فيقال: "مرا تعليك ومرا تعريك"، و"الخير مرا والشر مرا"، و"الربح من لمرا والزلط من لمرا"، أو "مولاة الدار عمارة ولو كانت حمارة".