تحدي القرآن - مقالات
أحدث المقالات

تحدي القرآن

تحدي القرآن

محمد حسين الشيخ:

 

"حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأوّلين"، تقول الآية القرآنيّة الواردة في سورة الأنعام، والعبارة صاحبة البطولة في الآية هي "أساطير الأوّلين"، تلك التي كان يُجادِل بها كفّارُ قريش النبيَّ، في إطار تشكيكهم في مصدر تلقيه القرآن، كقَصَصٍ يحكي أخبار الأمم السابقة.

ما هي "أساطير الأوّلين"؟ هل كانت مجرّد سُبّة يقولها العرب لرجل منهم يرونه مدعياً للنبوّة، من قبيل أنه يردّد أوهاماً تشبه الأساطير؟ أم أن هناك فنّاً أدبياً عرفه العرب سمّوه "أساطير الأوّلين" واعتبروا أن القرآن من الناحية السرديّة ينتمي لهذا الفنّ؟ وإذا كانت "أساطير الأوّلين" فنّاً أدبياً، فهل كان هناك محترفون لهذا الفنّ؟ وما طبيعته؟

الباحث في الأدب العربي بجامعة فيلادلفيا محمد عبيد الله، أعدّ دراسة بعنوان: "أساطير الأوّلين: الجنس الأدبي الضائع في السرد العربي القديم"، واتجه خلالها إلى أن "أساطير الأوّلين" كانت جنساً أدبياً شائعاً لدى العرب، قُضِي عليه بفعل الإسلام.

وسرد عبيد الله شواهد تدلّ على أن "أساطير الأوّلين" كانت جنساً أدبياً شائعاً بين العرب كالشعر، له أدباء تخصّصوا فيه، أشهرهم وأقربهم إلى العهد النبوي هو النضر بن الحارث، وأن قريشاً اعتبرت ما يقوله محمد ينتمي إلى هذا الفنّ، ولذلك كان هناك حرص قرآني على دحض هذا الزعم، حتى تكرّرت عبارة "أساطير الأوّلين" ٩ مرات في مواضع وسُوَر مختلفة من القرآن، ما يدلّ على أن الأمر كان مقلقاً للنبي.

النضر بن الحارث آخر القصّاصين

في كتابها "القَصَص والقصّاص في الأدب الإسلامي" اعتبرت الدكتورة وديعة طه أن النضر بن الحارث كان "أقرب القصّاصين زمناً من ظهور الإسلام"، وتكاد التفاسير والمصنفات العربيّة تتفق أن النضر بن الحارث هو من أوّل من اعتبر القرآن ينتمي إلى "أساطير الأوّلين".

وقيل إن النضر هو من قال: "سأُنزل مثل ما أنزل الله"، وقال عنه ابن عباس، ابن عمّ النبي: "نزلت فيه ثماني آيات من القرآن... وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن"، كما وُصف النضر بأنه كان من "شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله وينصب له العداوة"، بحسب ما جاء في سيرة ابن هشام.

ويروي ابن هشام عن النضر أنه "قَدِم الحيرة (كانت إمارة بوسط العراق)، وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله مجلساً فذكّر فيه بالله، وحذّر قومه مما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خَلَفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن منه حديثاً، فهلّم إلي، فأنا أحدّثكم أحسن من حديثه، ثم يحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟"

ويبدو من خلال هذه الروايات أن النضر بن الحارث كان ينطلق من موقع التنافس والغيرة، فقبل مبعث النبي، كان يعدّ نفسه الأحسن حديثاً في المجالس العامة، بهذه الأخبار الغريبة التي يعرفها دون الآخرين، لكن ظهور محمد كان إيذاناً بأفول نجمه، وربما يفسّر هذا بعض أسباب عداوته وبغضه للنبي، يقول عبيد الله.

وأوّل ما يمكن الاستدلال عليه من ذلك أن النضر بن الحارث كان "قاصّاً"، يروي أخباراً ومرويات يجمع لها الناس في المجالس، فهو يؤدّي قصصه مشافهة، اعتماداً على قصص وأخبار اكتسبها من أسفاره ورحلاته إلى الحيرة وبلاد فارس، فهو لا يكتفي بالقَصَص العربي، وإنما يجلب قصصاً من أقوام أخرى، وقد يكون في هذه المثاقفة نوع من البحث عن الإدهاش بالحصول على الغريب والعجيب من الحكايات، لاستمالة السامع أو القارئ.

وتذهب بعض المصادر أبعد من ذلك، فتوضّح أنه لم يجلب القَصَص بالصدفة، وإنما بهدف إعادة إنتاجها كسرد يقصّه على الناس، ممتلكاً وعياً بالقيمة القَصَصيّة لما يقوله، فيدفع في سبيلها المال، فيشتريها ويكتبها، ثم يأتي بها في صحف أو كتب، فيقرأ منها على مسامع القوم المتشوّقين للسرد وفنونه.

يقول الواحدي النيسابوري في "أسباب النزول"، تعليقاً عـلى آية سورة لقمان "ومـن الناس مـن يشتري لهو الحديث ليُضِلّ عن سبيل الله" نقلاً عن الكلبي ومقاتل، أن الآية "نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم، فيرويها ويحدّث بها قريشاً، ويقول لهم: إن محمداً يحدّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون (يستحسنون ويتلذذون) حديثه ويتركون استماع القرآن".

وأكّد على ذلك أبو علي المرزوقي في "شرح ديوان الحماسة"، حيث يقول عنه: "وكان يشتري كتب الأعاجم فارس والروم وكتب أهل الحيرة، فيحدث بها أهل مكة، وإذا سمع القرآن أعرض واستهزأ به".

ما جاء في الآية (..لهو الحديث..) يدلّ على ولع النضر بالسرد، وشدّة اهتمامه به، كما يشير الخبر من جانب آخر إلى طبيعة الثقافة العربيّة قبل الإسلام، فقد عرفت تلك الثقافة شراء الصحف والكتب، مثلما عرف بعض أعلامها الكتابة منذ وقت مبكر.

طبيعة "أساطير الأوّلين" كمحتوى وأداء

تُنبِئُنا الروايات السابقة ببعض سمات المحتوى الذي كان يسرده النضر بن الحارث، وهي كالتالي:

-كانت قصصه مرتكزة على أساطير أجنبيّة تخصّ الفرس والروم، الحضارتين اللتين دار العالم في فلكيهما آنذاك.

- كان لدى النضر كتب يقرأ منها أو يستند إليها، ووفق رواية المرزوقي، فقد كانت تلك الكتب معه في مجالسه، يختار فصولاً منها ويقرؤها على مسامع القوم.

- من بين القَصَص الذي يرويه أو يُحدّث به، حكايات بطوليّة عن بعض الفرسان مثل: رستم السنديد، وأسفنديار، ومن يشبههما، وهؤلاء من أبطال القَصَص الفارسي، وقد أشار المرزوقي في كتابه "الأزمنة والأمكنة" إلى أسماء خيولهم، حيث قال: "وأما فرسان العجم فلم يذكر لهم خيل ولا فرس سابق، إلّا أدهم إسفنديار وشبديز كسرى، ورخش رستم، وذكروا عنها أحاديث طريفة".

ويلاحظ هنا انتقاء النضر لقَصَص تناسب الميل العربي إلى البطولة والفروسيّة، كما يلاحظ أنه لم يكن يعترض على قصص القرآن في حدّ ذاتها، بل كان اعتراضه على مصدر حصول محمد عليها، فهو يرى محمداً قصّاصاً منافس له، ولكنه يستعين بالسماء لإضفاء قداسة على قصصه، في حين أنه (النضر) لا يدعي ذلك.

- من حيث الأداء، يرجّح محمد عبيد الله أن النضر كان يروي حكاياته مغناة، ويكسبها أداءً تمثيليّاً، في نمط يشبه رواة السير الشعبيّة (الحكواتي، وشاعر الربابة)، استناداً إلى ما ذكره أبو حيان التوحيدي في "البصائر والذخائر"، من أن النضر كان يضرب العود، وعلى ما ذكره أبو الحسن المسعودي في "مروج الذهب"، من أن النضر هو من علّم أهل مكة ضرب العود.

القرآن مرتبط بالترتيل، "ورتّل القرآن ترتيلا"، والأداء الصوتي له يتطلّب حسن الأداء والصوت، ومع ذلك لا نجد المجتمع المكّي يستغرب طريقة أدائه أو ترتيله، كما كان يؤديه النبي، فهل كان هذا الأداء نمطاً آخر، جعل النضر يرى في القرآن عملاً يقارب عمله، وطريقة أدائه لقصصه وأنظمة أدائه وترنّمه بسرده؟ يتساءل عبيد الله.

"أساطير الأوّلين" فنّ قديم

قد يُظنّ أن الحارث كان يسرد قصصه خصيصاً نكاية بالنبي، وهو طرح غير منطقي، حيث يتطلّب أن يكون المجادل في أمر أدبي دقيق كهذا صاحب خبرة فيه، وهذه الخبرة لا تأتي بين يوم وليلة، إذ تتطلّب ممارسة طويلة وعميقة، وبجانب ذلك هناك رواية تؤكّد أن ولع النضر بـ"أساطير الأوّلين" تلك الحكايات السرديّة كان قديماً، وكان مشهوراً بها بين قريش، وكان يُستشار حولها.

ذكر الواحدي في "أسباب النزول" عن ابن عباس: "أن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف استمعوا إلى رسول الله، فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة: ما يقول محمد؟ قال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول، إلا أني أرى أنه يحرّك شفتيه يتكلّم بشيء، وما يقول إلا أساطير الأوّلين مثل ما كنت أحدّثكم عن القرون الماضية. وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى، وكان يُحَدّث قريشاً فيستملحون حديثه".

في هذا الخبر الذي رواه ابن عم النبي، يستشير القرشيون النضر دون غيره، بعدما استمعوا إلى محمد، ما يدلّ على نظرتهم إليه كخبير، ولكن جواب النضر جاء محمّلاً بالحيرة (ما أدري ما يقول)، ثم يذهب إلى نسبة ما سمعه إلى "أساطير الأوّلين"، ولعل هذا التصنيف أقرب إلى تصنيف الشكل لا المضمون، فالنضر يعرف نمطاً سردياً، أطلق عليه هذه التسمية (أساطير الأوّلين)، وهو مع عدم معرفته بمعنى ما سمع من النبي، رآه قريباً من الشكل الذي يتناسب مع معايير ثقافته، ومن هنا نفهم اجتماع حيرته مع محاولته تصنيف ما سمعه من النبي كشكل أدبي.

السؤال المنطقي: ألا توجد أي آثار لهذا الفن؟

المصادر العربية حدّثتنا عن الأخبار التي كان النضر يحدّث بها قومه، وأوردت أنها كانت مكتوبة يحملها معه في صحف وكتب، وأكّد على ذلك القرآن في آية سورة الفرقان:"وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها ...".

النضر ليس القصّاص الوحيد لدى العرب، ولكن ربما اشتهر بسبب عدائه للنبي، وقرب عهده بعصور التدوين، التي لم تسجّل حكاياته ولكنها حكت عنه.

وهناك أخبار تدلّ على أن حكايات الأوّلين كانت مدوّنة في صدر الإسلام، ومنها ما جاء في "مروج الذهب" للمسعودي، من أن معاوية بن أبي سفيان كان "يُحضِر الدفاتِر فيها سِيَر الملوك وأخبارها والحروب والمكايد" يقرأها عليه غلمانه ليلاً. ويوضّح المسعودي أن تلك الحكايات خصّت "العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها".

معاوية من صحابة النبي، ووجود كتب في حياته توثّق أخبار العجم والعرب الأوّلين، يشير إلى سابقة وجود التدوين للقصص على عهد معاوية، وقد تكون بعض القَصَص التي وصلتنا عن طريق كتب تراثيّة دوّنت في العصور الإسلاميّة مثل "الأغاني"، "العقد الفريد"، و"صبح الأعشى" جزءاً من هذا القَصَص.

وخلال ردّ بعض النقّاد والأدباء العرب، على الزعم بأن العرب لم يعرفوا فنّ القصّة إلا من الغرب حديثاً، جرى التأكيد من أكثر من مصدر على شيوع فنّ القَصَص لدى عرب ما قبل الإسلام.

يقول الدكتور أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام": إن عرب الجاهليّة كان لديهم قَصَص أخذوه عن الفرس والروم والأمم الأخرى، "صاغوه في قالب يتفق وذوقهم"، علاوة على قصصهم الأصيل الذي لم يأخذوه عن غيرهم.

وشدّد محمود تيمور على الأمر في: "محاضرات في القَصَص في أدب العرب: ماضيه وحاضره". وقال زكي مبارك في كتابه "النثر الفني في القرن الرابع": إن العرب كجميع الأمم لهم قصص وأحاديث، وخرافات وأساطير، يقضون بها أوقات الفراغ، ويصوّرون بها عاداتهم وطباعهم وغرائزهم".

وهنا ينبغي الالتفات إلى أمرين وهما:

- أن العرب لم يكونوا مجرّد ناقلين لقصصهم، بل "صاغوها على طريقتهم"، وهنا نحن أمام صنعة أدبيّة تحتاج إلى متخصّص.

- الأساطير كانت جزءاً من هذه الحكايات.

التحدّي السردي بين النضر والنبي

القرآن في عيون المسلمين معجزة لغوية، وهو "ليس بقول شاعر"، بنصّ الآية القرآنيّة، وكذلك هو ليس بخطبة وليس من الألوان الأدبيّة الحديثة كالقصّة والرواية والمسرحيّة، وهو أيضاً ليس كتاباً بحثياً، ولكنه في كل الأحوال سرد لغوي غير تقليدي، اعتبره القرشيون أقرب إلى "أساطير الأوّلين"، ولذلك تحدّاهم النبي فيه: "فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين".

وما عزّز من موقف النبي أنه كان أمي القراءة والكتابة، وبالتالي ليس لديه سلاح النضر بن الحارث، فلم يشتر الكتب الأجنبيّة ليحيك منها قَصَصه القرآني، وبالتالي كان الزعم بأخذه لقَصَصه عن "أساطير الأوّلين" أمر غير منطقي.

بل طوّر النبي هجومه وبادرهم بأن يأتوا بسورة من مثله، فلم يستطيعوا أن يأتوا بشيء يضاهي القرآن.

وما يعنينا في هذا المقام أن نؤكّد حضور السرد في إطار قضية التحدّي، وهذا الحضور يعني أن له شأناً في حياة العرب، وأنه أحد أبواب الفن التي طرقوها آنذاك، وسمّوه "أساطير الأوّلين"، وما كانوا ليصنّفوا القرآن ضمن هذا اللون، إلا لأنه نمط أدبي معروف لهم، له سمات وميزات فارقة.

ولا شك بأن تجربة النضر بن الحارث هي تجربة سردية في "أساطير الأوّلين"، وربما تكون الأحاديث الغائبة للنضر هي النماذج النادرة التي اجترأت على معارضة القرآن، وإجابة التحدّي، حتى لو لم تبلغ مستوى الإقناع، وربما كان لها دور في إحداث نوع من الالتباس استفاد منه النضر في نشر فنّه السردي، بدخوله الصراع الذي اختاره، وأدّى إلى تضرّر النبي من سماع الناس له، يقول محمد عبيد الله.

في المقابل، وبعد فشل قريش في تحدّي القرآن لهم، ظلّوا متمسكين بالنضر أيضاً كمثقف وفنّان يردّ على النبي، فأرسلوه بناءً على طلبه إلى أحبار اليهود في يثرب، ومعه عقبة بن أبي معيط، وقصّا عليهم أمر النبي، فكان ردّ أحبار اليهود، بحسب ما جاء في سيرة ابن هشام كالتالي:

سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل مُتَقَوِّل، فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه ما هي الروح؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.

فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فروا فيه رأيكم.

وبالفعل سألوه عن الأسئلة التي أوصاهم بها اليهود، فردّ عليهم النبي: أخبركم بما سألتم عنه غداً، فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدّث الله إليه في ذلك وحياً ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة (أي اضطربوا وخاضوا في الأخبار السيئة)، وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها، لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، بحسب ابن هشام.

وتسبّب ما سبق في حزن النبي، حتى نزلت سورة الكهف وفيها إجابة عن الأسئلة الثلاثة "فتية الكهف، ذي القرنين – الرجل الطواف، طبيعة الروح".

وكما نرى كان التحدّي الذي فُرض على النبي سردياً في أسئلته، إذ تطلّب الأمر منه إثبات نبوّته من خلال إثبات معرفته بقصّتين من قصص الأوّلين "أصحاب الكهف، وذي القرنين"، فأجاب هو أيضاً بسرد القصّتين.

نهاية النضر ونهاية السرد

النضر بن الحارث لم يكتف بالمقاومة السرديّة، ولا بالجدل والمعارضة بالحجّة، فشارك قريشاً في خروجها إلى المواجهة المسلّحة الأولى مع المسلمين بعد هجرة النبي إلى المدينة، وتحديداً في معركة بدر، وقيل إنه كان على رأس فرقة من كفار قريش.

وتكاد تجمع المصادر على أن المسلمين أسروه وأمر النبي بضرب عنقه في بدر، فمات النضر وماتت معه أيضاً تجربة السرد.

وهنا يتوقّف عبد الله إبراهيم في كتابه "السرديّة العربيّة: بحث في البنية السرديّة للموروث الحكائي العربي" أمام أمر النبي بقتل النضر يوم بدر، في الوقت الذي عفا فيه عن الشاعر أبي عزة الجمحي الذي هجاه بشعره، رغم أن الأخير له قرابة مع النبي، ما يكشف أن هذا القصاص كان يمثل ضغطاً على الرسول، ويعمل على تقويض نبوّته، بحسب إبراهيم.

الهدف من كلّ ما سبق، ليس وضع القرآن في مقارنة مع حكايات النضر بن الحارث، أو تصوير النبي كمنافس للنضر في فنّه، وإنما حاولنا التنقيب عن فنّ أدبي ربما كان سيتطوّر لدى العرب، لولا ظهور الإسلام.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث