- ليديا لو سكيافو
- جانلوكا سوليرا
منذ بدأت أزمة كورونا، انهالت الكثير من التساؤلات حول تأثير الفيروس على أسلوب حياتنا أو اقتصادنا أو غيرها، وبالرغم من تنوّع الأسئلة وبالتالي الإجابات، إلّا أن موضوع تأثير الفيروس على الأنظمة السياسية استفرد بجواب واحد فقط وهو: "علينا تطبيق حالة الطوارئ العالمية"، ليصبح بذلك فيروس كورونا شمّاعة الحكام نحو المزيد من التشديد وتقليل الحريات.
حضانة كورونا تزيد من حصانة السياسيين
سمح انتشار فيروس كورونا باستفراد رئيس وزراء المجر بالحكم مع صلاحيات إضافية وسلطة كاملة لفترة غير محددة، سيطر بها على جميع المؤسسات، بما في ذلك دور النشر ووسائل الإعلام، مضطهداً بذلك جميع من ينشرون، على حد وصفه، "بيانات كاذبة أو مشوهة" بحق الإجراءات الحكومية.
أما في الفليبين، فرصاص سلك الشرطة هو ما سيواجهه أي مواطن يتسبب بمشاكل تضر قواعد الحجر الصحي، أما روسيا التي أخفت أولى وفيات المرض على أنها حالات إصابة بالتهاب الرئة، فبدأت بفرض قيود صارمة على الحركة وعقوبات تصل إلى خمس سنوات من السجن، على المدنيين المتهمين بنشر معلومات كاذبة حول الفيروس، كما اعتقلت رئيس تحالف الأطباء، وهو اتحاد نقابي مستقل، أليكسي نافالني، المعارض للكرملين.
تتناظر هذه الأنماط من التلاعب المنهجي بعدد الوفيات عند الحليف الصيني، حيث تم إعادة 42000 جرة موتى إلى أسرهم في ووهان، يوم احتفال تشينغمينغ في 4 نيسان/ أبريل.
الكابوس الأمريكي
يبدو الحلم الأمريكي ككابوس يطال أغلب الشعب الأمريكي، ففي حين يحصل أثرياء البلاد على أفضل علاج ضمن العيادات الخاصة أو المنتجعات العامة، لا تتوافر تلك العناية للشعب الأمريكي، فأمريكا هي البلد المتقدم الوحيد الذي لا يقدم رعاية صحية، كما يفتقر لمعايير وطنية بشأن الإجازات المرضية المدفوعة، ناهيك عن عدد أطباء الرعاية الأولية والأسرة في المشافي، ما يجعل ديمقراطية البلاد تحت المجهر.
كورونا هدية للديكتاتوريات العربية
في حين تزداد إصابات الفيروس بشكل أسّي، يبدو أن انحسار الحريات سيتزايد بشكل أسّي أيضاً، فوجدت السلطات العربية في المرض طرفاً ممتازة لمعادلة نشر ثقافة الخوف والقمع المتبعة من قبل الأنظمة.
أثارت السلطات المصرية نظريات المؤامرة، حيث أجبرت سلطات الرئيس عبد الفتاح السيسي، صحافية بريطانية على مغادرة البلاد، بعد أن قدمت تقريراً تشكّك به بحصيلة مصر من الوفيات، أما في الأردن، فقد سبب حظر التجوال الشامل حالة من الفوضى، وأدى إلى حبس الأشخاص في منازلهم عدة أيام بدون طعام.
كورونا وأنماط الحراك الجماعي الجديدة
بالرغم من الصورة القاتمة للوضع حول العالم، تزايد الانغلاق وبطش الاستبداد والظلم الاجتماعي وتستر وتضليل الحكام المستبدين، لكن في حال استمرار هذه الأزمة الصحية لمدى طويل، فذلك يبشّر بانهيار الأنظمة غير الديمقراطية.
غالباً ما يظهر نمطان استثنائيان في أوقات الأزمات، كالأزمة التي نمر بها اليوم، الأول هو تضامن الجوار والتكافل الجماعي وازدياد مساحة المناقشة الصريحة والآراء المشتركة والنقد المعقول، فلا يوجد حاجز يمنع الناس من مساعدة بعضهم بعضاً، فالبشر سيجدون طريقة دائماً.
على سبيل المثال، ستجد أن المبادرات الطوعية ازدادت في إيطاليا بشكل كبير، حيث صنعت راهبات الأديرة أقنعة مجانية تقدم للمواطنين، في حين قامت مبادرة أخرى بطرح فكرة تسوق فريدة، تقوم على شراء ضعف ما تحتاجه أو أكثر مما تحتاج، وترك الكميات الإضافية في المحل أو في الشارع للأشخاص غير القادرين على شراء الطعام.
في حين أعطت البرتغال تصريح إقامة للمهاجرين، سامحة لهم بذلك للوصول لنظام الرعاية الصحية في الدولة وخدمات الضمان الاجتماعي.
بالرغم من بقائنا محتجزين في منازلنا، لكن حررنا الفيروس بطريقة ما من ثقافة المنافسة الفردية، كما مدّنا بطاقة غير اعتيادية حققنا بها أشكالاً من التضامن، فالتضامن هو العقد الاجتماعي بين المواطنين الأحرار والعمود الفقري للديمقراطية.
أما النمط الثاني الذي يظهر، فهو إعادة مكانة الحقيقة والعلوم، ويتم اليوم الاستماع للعلماء المؤهلين واحترامهم، سواء على شاشات التلفزة في المنزل أو في المنتديات السياسية، فالضباب الذي كان يحيط بالمعلومات المتناقضة والمختلفة وغير المؤكدة التي تحيط بالمواضيع الرائجة، كاتهام تغيير المناخ بأنه أكذوبة أو الإنكار المستمرة للروس بخصوص تدخلهم بالانتخابات في جميع أنحاء العالم، أضف إلى ذلك جميع الأخبار المفبركة التي تشوه حقائق الحروب الإقليمية في سوريا أو اليمن والتي تغمر الإنترنت، اليوم يطلب الناس الحقيقة من العلماء ويطالبون أصحاب القرار بالاستماع لهم.
كما قال الكاتب مونيوز مولينا، في صحيفة El país: "كان علينا أن ننتظر كارثة كالتي نعانيها اليوم لنملك الشجاعة والحاجة الملحة والأهمية العميقة للمعرفة المؤكدة والدقيقة، ولنسعى لفصل الحقائق عن الخداع والوهم".
أما عن السطحية التي أظهرها رئيس البرازيل جايير بولسونارو، بإشارته للفيروس على أنه نزلة برد خفيفة، جعلته يفقد مصداقيته بشكل كبير وبسرعة مذهلة، فتجاهله للتهديدات وقلة كفاءته جعلت منه إمبراطوراً رومانياً مهووساً جديداً للشعب البرازيلي، على أمل ألا يتضرر الشعب البرازيلي كما حدث للشعب الإيطالي قبل موته السياسي.
قيمة الإنسان في عصر الرأسمالية
تقف اليوم الحكومات الديمقراطية وجهاً لوجه أمام تحديات هائلة وعقبات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لتلبية مطالب المواطنين جميعاً وحقوقهم المعيشية وفي العمل، فالدرس الذي لقنته هذه الجائحة للديمقراطيات حول رعاية المجتمعات، جعلها تدرك أنه لا يمكننا النجاة بدون "رعاية" أو بدون توفير "الصحة" للجميع، ونعبر بذلك بشكل أدق: "خير مشترك للجميع ولكل شخص".
أظهر لنا الإغلاق حول العالم قيمتنا في أنظمة الرأسمالية التي تسعّر كل شيء ولا تعطي قيمة لأي شيء، فلا يمكن لعجلة الاقتصاد أن تدور بدون خدمات الأنظمة الصحية العامة والتعليم والأجور اللائقة للعمال، كما صاغها أوسكار وايلد، ما يؤكد أنه لا يمكن للرأسمالية البقاء على قيد الحياة دون "رعاية الدولة".
اليوم، على الحكومات الاستجابة للأزمة الاقتصادية، كتلك التي حدثت في عامي 2007 و2008، فالجائحة ضربت الاقتصاد الحقيقي من ناحيتي العرض والطلب، وأصبحنا اليوم بحاجة ضرورية للاستثمارات العامة وتدخل الدولة للتغلب على ما يبدو أنه "أزمة الرأسمالية الثلاثية"، وهي الأزمة الصحية التي تسببها الجائحة، الأزمة الاقتصادية اللاحقة وأزمة المناخ التي يجب استيعابها دون مزيد من التأخير.
درس تربوي بالطريقة الصعبة
لقد لقنتنا الجائحة درساً تربوياً وعملياً متناقضاً ومليئاً بالمشاكل، يتعلق بالجوانب المظلمة لتأثير النيوليبرالية على الحقوق الاجتماعية والمسارات الممكنة للتغلب على الطابع الاستغلالي للنظام الرأسمالي للمجتمع والطبيعة.
لكنه من جهة ثانية علمنا كيف نحيي المجتمعات الشعبية، فالحركات النسوية كحركة "ني أونا مينوس" التي تأسست في الارجنتين عام 2015، الحركات البيئية، حركات السكان الأصليين ومنظمات المجتمع المدني الملتزمة بالدفاع عن التنوع البشري والإيكولوجي، قد تجد اليوم وسيلة تعبئة جديدة لتقديم بديل ديمقراطي حقيقي، وخصوصاً بعد أن تعالت الطلبات لتوفير الراتب الأساسي للعمال خلال فترة الحجر الصحي، في حالة فقدان وظائفهم بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية واللاحقة مع نهاية الجائحة.
بدا ظهور فيروس كورونا كأنه انتقام الطبيعة من تغير المناخ وتغير المنظم البيئية فيما يبدو أن أوبئة جديدة في طريقها للظهور إلينا، إن لم نقلّل الأثر البيئي على الأرض أو إهدار مواردها، وترتبط بالـ "الإيكولوجيا السياسية" التي يبدو أنها تملك مفاتيح المستقبل.
بالرغم من اتهام شبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا باستبعاد الحياة الاجتماعية لمدة طويلة، لكنها تعود اليوم لتصبح تلك أهم داعم للعمال والطلاب، وفرصة لاستعادة السيطرة على المعلومات وتحررها لتكون ملكاً للعامة ووسيلة للخير العام.
سنجد على طاولة المستقبل اليوم كلا السيناريوهين: البائس ذو الحل الاستبدادي واليوتوبي الذي سيعيد الديمقراطية، وسيظهران طبقاً للأسلوب الذي ستعتمده الدول الديمقراطية لمعالجة هذه الأوقات العصيبة، في حين يُترك الكثير على كاهل النشطاء والحركات الاجتماعية والمنظمات المجتمعية التي عليها إنشاء منصات تعبئة عالمية لمواجهة الإغلاق، في ظل الظروف الصعبة من الانفصال المادي والاتصال عبر الإنترنت، تمهيداً لاستعادة وصولهم للأماكن العامة.
كما أكد الاقتصادي غايل جيرو: "سنجد في إعادة الهيكلة الاقتصادية بعد الخروج من هذه الجائحة فرصة غير متوقعة، لتنفيذ التحولات التي بدت حتى يوم أمس غير واردة لأولئك اللذين يتطلعون إلى المستقبل بمرآة خلفية من العولمة المالية، نحن اليوم بحاجة إلى إعادة تصنيع خضراء مصحوبة بإعادة توطين جميع أنشطتنا البشرية".
جانلوكا سوليرا والبروفسور ليديا لو سكيافو، هما مؤسسا جمعية ميدان للمواطنة المتوسطية.