الأخ رشيد:
قال جورج واشنطن أول رئيس أمريكي "إذا سلبت منا حرية التعبير، فسوف نقاد في صمت وغباء إلى الذبح كالأغنام"، إن الحرية هي الأساس الذي يقوم عليه وجودنا كبشر، الحرية هي "أن تعتقد ما تشاء وتعبر عما تشاء كما تشاء وقتما تشاء" مع استثناء العنف والكراهية والتحريض عليهما ضد البشر.
إننا للأسف كبرنا في بلدان لا تعرف معنى الحرية، الطفل في البيت لا يتعلم حرية التعبير، يتعرض منذ الصغر لقمع الأب وقمع الأخ الأكبر وقمع الشارع وقمع المدرسة وقمع المجتمع، أما البنت فهي آخر من يعرف الحرية، تمنع من حريات كثيرة منذ الصغر، خاصة حرية التعبير، فهي مجرد حرمة، ماذا تعرف أصلا؟ الرجال يجتمعون في المقاهي يناقشون السياسة والرياضة والفن والاقتصاد وكل مشاكل الشرق الأوسط وأمريكا، يناقشون كل شيء، والمسكينة سواء كانت أما أم أختا فنصيبها فقط التنظيف والمبطخ، ما الذي تفهمه في السياسة أو في الرياضة أو في أي شيء؟
أما إذا تحدثنا عن السياسة فالحرية التي نعرفها حرية مشوهة، حرية أن نتحدث في كل شيء إلا عن الحاكم، فكل حديث عن الحاكم مقموع باسم الاحترام، احترام المقدسات، احترام الزعيم والقائد، احترام شخص الملك، احترام ولي الأمر، ... الاحترام هو المشنقة التي قتلنا بها حرية التعبير، أقصى شيء يمكن أن تعبر عنه هو أن تنتقد حزبا أو مسؤولا سياسيا لا يملك من أمره شيئا، لكن أعلى سلطة في البلاد هي الخط الأحمر الذي لو اقتربت منه ستختفي في مكان ما وربما للأبد.
كثيرة هي الخطوط الحمراء التي وضعت في بلداننا فصرنا نفصل الحرية على مقاسنا، صار انتقاد أي شيء في التراث الإسلامي مثلا خطا أحمر، البخاري خط أحمر، الشعراوي خط أحمر، الأزهر خط أحمر، إذاعة القرآن خط أحمر، أما إذا اقتربت إلى الدائرة الضيقة مثل الصحابة وعائشة فالخط يصير أكثر احمرارا، وإذا أردت أن تفقد حريتك وربما رأسك فاقترب من القرآن ومن محمد.. إنه الخط الذي سيسيل فيه دمك الأحمر.
احترام المقدسات هو التبرير الذي يمكن أن نخفي خلفه كل قمع لحرية التعبير، ما هي المقدسات يا ترى؟ ومن الذي يحدد هذه المقدسات؟ فمقدساتي ليست هي مقدساتك، وما تعتقد أنه مقدس لا يعتقد الآخر أنه مقدس، فبوذا ليس مقدسا عند المسلمين ومحمد ليس مقدسا عند 6 مليار شخص في العالم، والمسيح ليس مقدسا عند أكثر من نصف العالم، وإذا كانت القداسة هي المعيار فيمكن لأي شخص أن يعبد أي شيء ويقدسه ويمنعك من انتقاده، لماذا سنعيب على كوريا الشمالية ديكتاتوريتها إذا كانت مغلفة بالقداسة؟ فزعيمها مقدس وقد قتل وزير دفاعه لمجرد أنه نام مكرها أثناء عرض عسكري حضره الزعيم فاعتبر ذلك إهانة لقداسته.
الحرية مؤلمة لنا أحيانا لأنه علينا احترام حتى الآراء التي لا تعجبنا ولا نستسيغها وربما تجرحنا وتؤلمنا، فالشخصيات العامة مثلا معرضة للسخرية والنقد، شخص كالرئيس الأمريكي حين يرى كمية الاستهزاء به والرسوم التي تحتقره والكوميديين الذين يلقون النكت عنه لا يعجبه ذلك، ولكنه لا يستطيع أن يصدر مرسوما رئاسيا بسجنهم لأن ذلك يتعارض مع مبادئ حرية التعبير التي هي الحجر الأساس الذي قامت عليه أمريكا. مشاعرك قد تُجرح حين تهان مقدساتك لكن ليس من حقك قتل الآخر أو تهديده لمجرد أنه جرح مشاعرك بتعبيراته، عليك أن ترد عليه في إطار حرية التعبير لا بالقتل والتدمير.
دون حرية التعبير لن تنجح السياسة، دون حرية التعبير لن نبتكر ولن نكتب، لن تنجح السينما ولا الرواية ولا الأفلام ولا الاقتصاد ولا الصحافة ولا الإعلام ولا أي شيء. انظروا إلى الإعلام العربي وانظروا إلى السينما العربية اقرؤوا الكتب الصادرة بالعربية وقارنوا بين إعلامنا وإعلام الغرب، بين أفلامنا وأفلام الغرب، بين كتبنا والكتب في الغرب، هل هم أذكى؟ طبعا لا، ما الفرق إذن؟ إنه سقف الحرية هو الذي يصنع المعجزات. لا تنتظر من دول وصلت فيها الرقابة حد النخاع أن ترتقي أو تتقدم إلى الأمام.
من المسؤول إذن؟ المسؤول هو الفرد الصامت والفرد المؤيد، الذي يرضى أن تموت حريته أو الذي ينادي بقطع الأعناق لحماية مقدساته، الذي ينادي بقمع كل لسان لا يعجبه وفي الأخير قد يفقد لسانه ممن لا يعجبهم، الفرد الذي يوافق على قمع الحرية هو نفس الفرد الذي يبحث عن الأفلام الأجنبية في نيتفلكس، ويبحث عن كتب أجنبية في أمازون ويبحث عن قنوات أجنبية وبرامج أجنبية التي لولا الحرية التي يقمعها ما كانت لتكون موجودة أصلا. هو نفس الفرد الذي يحتج على حكامه وسياساتهم وعلى القمع ويريد أن يعيش بكرامة. إنك يا عزيزي قد فقدت كرامتك يوم رضيت بالتضحية بالحرية، الحرية ليست في اتجاه واحد فقط، فهي إما أن تؤمن بها أو لا تؤمن بها، فإن رضيت بسلبها لخصومك عليك أن تقبل أن يسلبها منك خصومك أيضا.
يا صديقي تذكر شيئا واحدا: أنك لن تموت إذا انتُقِدَت مقدساتُك لكنك حتما ستموت إذا سُلبت حريتُك، فالحرية هي أساس الوجود ودونها تفنى كل غاية من الوجود.
About the Author
الأخ رشيد:
إعلامي، وكاتب، درس العلوم الاقتصادية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المغرب، ثم درس الإعلاميات، بعدها حصل على الإجازة في مقارنة الأديان، وحصل أيضا على ماجستير في العلوم السياسية. قدم الأخ رشيد منذ 2006 برامج تلفزيونية، خاصة برنامج "سؤال جريء" الذي تجاوز 550 حلقة، والآن يقدم برنامج بكل وضوح، وكتب ثلاثة كتب لحد الآن: إعجاز القرآن: دراسة وتحليل، داعش والإسلام: من منظور مسلم سابق، مستقبل الإسلام: أركان الإسلام الخفية.