ضريبة التفكير خارج صندوق الإسلام - مقالات
أحدث المقالات

ضريبة التفكير خارج صندوق الإسلام

ضريبة التفكير خارج صندوق الإسلام

منصور الحاج:

 

تحدثت في مقالي السابق عن تجربة تحرري من قيود العقيدة السلفية التي تشربتها في المدارس وحلقات تحفيظ القرآن في السعودية، والمصاعب والتحديات التي واجهتها خلال تلك الرحلة، كما تطرقت أيضا إلى الإسئلة المحرجة التي قادتني إلى تبني الأفكار الليبرالية، وما تتضمنها من مبادئ وحقوق تتعارض تماما مع أسس العقيدة السلفية

بعد أيام من نشر المقال، تلقيت العديد من عبارات الإشادة والتقدير من بعض الأصدقاء والزملاء الذين أبدوا اعجابهم بما كتبت، الأمر الذي أدخل السرور إلى نفسي وأدهشني في نفس الوقت، لأنني كنت أتوقع حدوث العكس تماما، فقد جرت العادة أن تنهال عليّ كل أنواع الشتائم والإتهامات كلما نشرت مقالا يتناول شأنا يتعلق بالدين الإسلامي، ويحث على التفكير خارج صندوق الإسلام

وما أعنيه بمصطلح التفكير خارج "صندوق الإسلام" الذي استعيره من سلسلة حلقات المفكر المصري، حامد عبد الصمد، على اليوتيوب هو الأفكار التي يطرحها من نشأوا في مجتمعات إسلامية، والذين تعرضوا بسببها إلى الإقصاء أو التعذيب أو التهديد بالقتل

أما تبعات تحولي من سلفي إلى ليبرالي ومن متدين إلى لا ديني، وهي موضوع هذا المقال، فتتمثل في معارضة الأهل والأصدقاء والمجتمع الذي نشأت فيه لتوجهاتي الجديدة، ورفضهم الإعتراف بحقي في اختيار الأفكار التي تروق لي، وإصرارهم على أنني قد ضللت الطريق، وبحاجة إلى التوبة والإستغفار، والعودة إلى حظيرة الإسلام

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل انهالت عليّ تهم الردة والإلحاد ومعاداة الإسلام، كما أرجع بعض المقربين مني سبب فقداني لوظيفتي ومروري بضائقة مالية في فترة من الفترات إلى توقفي عن الإلتزام بأركان الإسلام. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي الأسباب التي تدفع الكثير من المسلمين إلى معاداة من يفكرون خارج صندوق الإسلام؟ 

لا أملك إجابة قاطعة على ذلك، لكن من المؤكد أن تعاليم الإسلام التي تشربوها لعبت دورا كبيرا في ذلك، فالتراث الإسلامي يعج بالكثير من بالنصوص والمواقف والأحداث التي تشجع على معاداة كل من يقدم طرحا أو يتخذ موقفا لا يتوافق مع الفهم السائد في المجتمع الإسلامي، ومعاقبة كل من يعلن خروجه عن الإسلام

فعلى سبيل المثال، فإن نص الآية 22 من سورة المجادلة "لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ ". والحروب التي شنها الخليفة أبو بكر الصديق ضد من أسماهم بالمرتدين، والأحاديث التي تحكم بكفر تاركي الصلاة، وبقتل المرتدين ومواقف الصحابة من منتقدي الرسول، توفر الأساس الشرعي لمعاقبة ومعاداة من يفكرون خارج صندوق الإسلام

ولو توقف الأمر عند معاداة من يفكرون خارج صندوق الإسلام، لكان الأمر هينا، ولكن للأسف فقد تعدى المسلمون ذلك، وباتت حوادث قتل وسجن من تجرأوا على الإفصاح عن إرائهم، أمرا شائعا في المجتمعات المسلمة، وليس حكرا على الجماعات الإرهابية

وبالنظر إلى واقع من يفكرون خارج صندوق الإسلام في المجتمعات الإسلامية، نلاحظ تعرض الكثير منهم إلى الإقصاء والتوبيخ والنبذ والتعذيب والسجن والقتل، الأمر الذي دفع كثيرين إلى عدم الإفصاح عن معتقداتهم وآرائهم في الكثير من القضايا، خوفا على حياتهم فيما اضطر بعضهم إلى الهجرة إلى الدول التي تحترم حقوق الإنسان، وتكفل حرية الإعتقاد والتعبير

إن تفشي ثقافة القمع والإقصاء والتهديد ضد أصحاب الأفكار الجريئة في مجتمع ما، دليل على تخلف وضيق أفق تلك المجتمعات، وإن كانت تلك المجتمعات تتعامل مع أفرادها بتلك الطريقة، فإن من المنطقي القول بأنها مجتمعات لا توفر الحد الأدنى من الحقوق التي تكلفلها المتجعمات المتحضرة

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث