تركيا أردوغان والإخوان المسلمون عدو لمصر والأردن والسعودية ودول الخليج، ولقبرص واليونان وأوروبا والأكراد، ولنحو ثلث من شعبها، وللولايات المتحدة وإسرائيل. العرب يعرفون هذا؛ قبرص واليونان في مواجهة منخفضة الشدة نشطة مع أردوغان، والأكراد في تركيا نفسها وفي سوريا يشعرون بثقل ذراعها، والقسم المفتوح والديمقراطي في بيتها الداخلي يختنق تحت أصابعها القمعية، والأوروبيون يتنكرون، في هذه الحالة أيضاً، للواقع ويفضلون مصالحته. أما الرئيس ترامب فيرتكب في شأنها الخطأ المتواصل الأخطر لسياسته في المنطقة، وإسرائيل لم تستوعب جسامة الخطر تماماً.
تركيا أردوغان هي نقيض تركيا الكمالية التي اقتلعت الإمبراطورية العثمانية العفنة والمتفككة من الجذور قبل نحو مئة سنة، وسارت بها نحو الانخراط في العالم الحديث، في نظام طور علائم ديمقراطية بالتدريج. في محيط درج حوله الادعاء، بالخطأ، وكأن ثقافتها السياسية الدينية والحتمية، اجتازت دولة إسلامية في الشرق الأوسط ثورتين ثقافيتين في أثناء أقل من مئة سنة: ثورة أتاتورك وثورة أردوغان. الأولى بنت تركيا الحديثة، والثانية تقوض أساساتها. المشكلة تكمن في شخصية الحاكم، وفي طبيعة الإخوان المسلمين، وفي قسم كبير من المجتمع التركي. أردوغان هو مشعل نيران مواظب؛ “الإخوان” هم الحركة الأخطر في المنطقة. والمجتمع، في معظمه، لم يستوعب القيم التي حاول أتاتورك غرسها ويسير أسيراً خلف الرؤى الطموحة والتزمت الديني. ينبع خطر “الإخوان” من قدرتهم على التمويه طالما ليسوا في الحكم، وعلى تزمتهم خلف تضليل الأسلوب المعتدل. وهذه الحيل ضللت أوباما ليرى في حكم مرسي خطوة مرغوباً فيها نحو التحول الديمقراطي لمصر. ولولا أن السيسي أنقذ (بالطرائق المتبعة في المنطقة) من حكم “الإخوان”، لتدهور الشرق الأوسط إلى مصائب خطيرة حتى أكثر من تلك التي شهدها في العقد الأخير. ترامب هو الآخر لا يفهم الخطر كما هو. وجدير بالمشككين أن يتعلموا من البربرية ومن الخراب الذي جلبه “الإخوان” على الكيان العربي الوحيد الذي يخضع لحكمهم – في قطاع غزة. ليس صدفة أن يدعمه أردوغان، وليس صدفة ترفع أعلام تركيا في أرجاء القطاع وفي أعمال الشغب على الحدود مع إسرائيل. وفي السعودية أيضاً وفي دول الخليج يخافون، عن حق، من “الإخوان” ومن أسيادهم في تركيا وقطر.
لقد ورط طموح أردوغان تركيا في جملة من النزاعات. في مصر والأردن هو عدو يؤيد تهديدات “الإخوان” على النظام. وفي اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل هو عدو يسعى إلى الهيمنة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، في محاولة للسيطرة على الذخائر الاقتصادية. في مصر هو عدو أيضاً بسبب زعمه العسكري لحكومة السراج في طرابلس، التي تسيطر على حدود ليبيا مع مصر. وهو لا يتردد في الاستفزاز، حتى عسكرياً، لشركائه في الناتو، قبرص واليونان، بسبب انهزامية أوروبا، حين لا تكون إلا فرنسا مستعدة لأن تساعدهما بشكل محدود. كما أن أردوغان يفرض الاحتلال العسكري على شمال قبرص في “دولة” مرعية تركية. وداخل بلاده انتهج نظاماً قمعياً، ألقى بعشرات الآلاف من أبناء النخب إلى السجن، معلمين، أكاديميين، ضباطاً، قضاة، صحافيين، موظفين كباراً وشخصيات عامة، ثم فرض الموالين له على أجهزة التعليم والقضاء وفي الخدمة العامة، وزور الانتخابات وثبت لنفسه مكانة وعلائم السلطان. أما الأقلية الكردية الكبيرة في الداخل فقمعها بشكل وحشي. وتجمعات الأكراد ومؤسساتهم في الخارج حاول تحطيمها في غزو عسكري واسع لشمال سوريا.
يشكل نظام أردوغان تهديداً لحلف الناتو أيضاً، وللاستقرار الاجتماعي والسياسي في عدة بؤر في أوروبا، ولمصالح استراتيجية أمريكية، وحاجات مهمة لإسرائيل. كل هذه جديرة ببحث منفصل. وما يجعل صراعها صعباً ضد تركيا هو عدم استيعابها جسامة التهديد. وإن ما يسهل على الصراع هو عزلة أردوغان – طموحه غير الملجوم، وحشية أسلوبه، وجنون العظمة الذي يوجه خطاه. كل هذا يرفعه إلى الطريق الذي أفشل مشعلي حرائق إقليميين سبقوه مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين.
بقلم: دان شيفتن
إسرائيل اليوم