النسب الشريف.... مذكر! - مقالات
أحدث المقالات

النسب الشريف.... مذكر!

النسب الشريف.... مذكر!

سناء العاجي:

 

في حديث مع شابة متعلمة تنتمي عائلتها لما يسمى بـ"الشرفاء"، باعتبار "نسبهم" للرسول، أجابت هذه السيدة: "أنا أعتبر النسب الشريف تكليفا وليس تشريفا".

تترجم هذه الجملة الكلاسيكية نوعا من القبول الضمني باعتبار ما يسمى بـ "النسب الشريف" مكسبا أو تميزا لأسر بعينها، لمجرد نسبها المحتمل لرسول الإسلام. تراتبية في التصنيف المجتمعي لمجرد الولادة، يقبل به ويدافع عنه أشخاص يفترض أن لهم مستويات تعليمية وحدا أدنى من الوعي لكي يقتنعوا أن قيمة كل فرد هي بسلوكه وقيمه كفرد، وليس بانتماءه للقبيلة أو لعرق معين.

أليس التبجح بنسب معين هو، بشكل ما، عنصرية عرقية؟ خارج العنف والقتل باسم العرق، ما الذي يفرق (فكريا) هتلر أو أي شخص يؤمن بسمو العرق الآري، عن شخص يؤمن بسموه أو سمو غيره لمجرد نسب محتمل للرسول؟

هذا دون أن ننسى أنه، في فترات معينة من التاريخ، وبسبب المميزات الاجتماعية التي كانت تقدمها بعض الأنظمة الحاكمة لأصحاب "النسب الشريف"، قام الكثيرون بتزوير شجرات النسب وبطائق انتماء لفئة الشرفاء (تخيل دولة مواطنة، يملك فيها بعض المواطنين بطاقة "النسب الشريف" كتميز مجتمعي!). وبالتالي، فمن المشروع اليوم وضع علامات استفهام كثيرة حول مدى صحة هذا النسب (هذا إذا قبلنا، عرضا، بتميز أفراد معينين بسبب نسب يعتبر أسمى من غيره).

من ناحية ثانية، يحمل مفهوم النسب الشريف تناقضا ضمنيا ويكرس النظرة الدونية للمرأة: منذ قرون عديدة، ينتقل "النسب الشريف" حصريا من الذكور. بمعنى أن الرجل الذي ينتمي لـ "نسب شريف" ينقله لأبنائه، لكن أخته التي تنتمي لنفس "النسب الشريف"، تستفيد منه كميزة خلال حياتها، لكنها لا تنقله لأبنائها... لأنها امرأة! أوليس النسب الشريف هو في مجمله (ومرة أخرى، إن قبلنا به عرضا) إرث تناقلته الأجيال من.... امرأة؛ ألا وهي فاطمة الزهراء ابنة النبي وزوجة علي؟

لنتأمل إلى أي حد يمكن "استعمال" المرأة وتوظيفها لخدمة قضية معينة، ثم التبرؤ منها مباشرة، وفي نفس القضية، باعتبار دونيتها في نقل النسب! ناقلة النسل الأصل هي امرأة... لكن غيرها من النساء لا يملكن الأهلية لنقل نفس النسب.

هل وجود سور في القرآن تحمل اسم "المائدة" و"البقرة" و"النمل" تعني أن الله كرم المائدة والبقرة والنمل، كتكريمه للنساء؟

اعتمادا على هذا المنطق الذي يعتبر المرأة غير ذات أهلية لنقل النسب (مع أن المرأة هي، منطقيا، الناقل الوحيد للنسب... بدون شبهات!)، فيفترض أن منطق "النسب الشريف" هو منطق مهزوز منذ بداياته!

لكن الحقيقة أن هذا المنطق يترجم تصورا معينا للمرأة "الناقصة العقل والدين"...

مرة أخرى، سيأتي علينا من يقول إن "الإسلام كرم المرأة"، وإن "هناك سورة في القرآن تحمل اسم "النساء". هل يعني هذا أن الله لم يكرم الرجال ما دام القرآن لا يشمل آية تحمل اسم "الرجال"؟ ألا يفترض أن يكون تكريم الإنسان هو الأصل، خارج أسماء الآيات؟

ثم، هل وجود سور في القرآن تحمل اسم "المائدة" و"البقرة" و"النمل" تعني أن الله كرم المائدة والبقرة والنمل، كتكريمه للنساء؟ أولئك النساء أنفسهن اللواتي لا يستطعن نقل "النسب الشريف" الذي يتوارثه الرجال حصريا... من امرأة أخرى؟

باختصار، ما لم نواجه بشكل جدي تصوراتنا الثقافية عن الإنسان بصفة عامة، خارج التصنيفات الجنسية، فسنبقى غارقين في وحل التخلف الفكري والإنساني... متدثرين بشعارات التكريم والكرامة، حتى وبعضنا يؤمن أنه أسمى، لمجرد أنه ينتمي لنسب معين!

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*