خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحوّل تمرد إسلامي في منطقة نائية من موزمبيق إلى حرب مفتوحة، مع ورود تقارير عن حصول مذابح وقطع للرؤوس والاستيلاء لفترة وجيزة على بلدتين في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية، حسبما يخبرنا محرر الشؤون الافريقية في بي بي سي، أندرو هاردينغ.
سار المسلحون بهدوء على العشب، مارين أمام مبنى أبيض كبير، غير مكترثين على ما يبدو بصوت إطلاق النار.
حمل معظمهم بنادق آلية وارتدوا أشكالا مختلفة ممّا بدا أنه زي الجيش في موزمبيق. سُمع صوت طلقات نارية أخرى من مسافة بعيدة، فصاح أحدهم "الله أكبر" كأنه يرد على صوت إطلاق النار.
ظهر المشهد في مقطع فيديو، تمّ تصويره الشهر الماضي بهاتف محمول في منطقة مويدومبي. ويُشكّل الفيديو دليلاً جديداً قوياً على أنّ نزاعاً غامضاً في معظم مناطق موزمبيق الشمالية قد انتقل الآن إلى العلن بطريقة مذهلة ومثيرة للقلق.
وأظهر مقطع فيديو آخر، تمّ تصويره قبل ذلك بعدة أسابيع، رجلاً ميتاً – بدا أنه شرطي - في بركة من الدم. بعدها انتقلت الكاميرا للكشف عن جثة ثانية، ثمّ ثالثة تحت سيارة شرطة سوداء، وبعدها جثة رابعة في العراء، وأخيراً كومة كبيرة من الأسلحة الآلية في ما يُشبه مخزنا للشرطة أو الجيش.
ما مدى الارتباط بالدولة الإسلامية؟
تمّ تصوير هذه اللقطات في ميناء موسيمبوا دا برايا الاستراتيجي الذي استولى عليه المسلحون لفترة وجيزة - وبشكل مثير - في 24 مارس/ آذار. ولقد استولوا بعد ذلك بيومين على بلدة مهمة أخرى، هي كيسانغا.
وقال الأسقف الكاثوليكي في بيمبا، لويز فرناندو لشبوا، إن "لديهم الآن أسلحة ومركبات، لذا يتحركون بسهولة ويمكنهم تنفيذ الهجمات على نطاق واسع. كما أنهم يستخدمون زي الجيش. ولذلك، الناس في حيرة من أمرهم وخائفون للغاية".
هذان الهجومان المسلحان الكبيران والمعقدان دليل على تغير جذري في استراتيجية الجماعة المعروفة محلياً باسم "الشباب"، على الرغم من عدم وجود روابط معروفة بالجماعة الصومالية الجهادية المرتبطة بالقاعدة والتي تحمل الاسم نفسه.
عملت الحركة خلال العامين الماضيين في الظل، حيث هاجمت قرى نائية في شتى أنحاء المقاطعة، ونصبت كمائن لدوريات الجيش على طرق معزولة، وغرست الرعب في العديد من المجتمعات الريفية، وهو ما أجبر حوالى 200 ألف شخص على الفرار من منازلهم. ولكنها نادراً ما أعطت أي إشارة بشأن دوافعها أو قيادتها أو مطالبها.
وسرعان ما تمّ استخدام لقطات الفيديو من موسيمبوا دا برايا ومنطقة مويدومبي في ما يسمى بالأفلام الدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي تبثها وكالة أنباء "أعماق" التابعة له.
وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عن سلسلة من الهجمات الأخيرة في موزمبيق، التي يشكل سكانها المسلمون حوالي 18 في المئة من العدد الاجمالي للسكان. ويبدو أنّ التنظيم يعزز انخراطه هناك كجزء من عملية "الأفرُع" التي وسع من خلالها وجوده في عدة أنحاء من أفريقيا.
وأعطى المقاتلون، الذين بايعوا تنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي، مصداقية لفكرة أنّ التمرد في كابو ديلغادو هو في جوهره جزء من حركة جهادية عالمية.
وتوفر العلاقة مميزات لكلا الجانبين.
ولكن في مقطع فيديو منفصل، تمّ تصويره العام الحالي وتمّ تداوله على نطاق واسع عبر تطبيق واتساب في موزمبيق، قدم أحد زعماء الحركة شرحاً أكثر دقة لأفعالها.
السكان المحليون يشكون من التمييز
قال الرجل الطويل الذي كان وجهه مكشوفا وكان يرتدي زياً باللون الكاكي ومحاطاً بمقاتلين آخرين: "نحن نحتل [البلدات] لنثبت أنّ حكومة اليوم غير عادلة. إنها تهين الفقراء وتعطي الربح للرؤساء".
وتحدث الرجل عدة مرات عن الإسلام ورغبته في "حكومة إسلامية وليس حكومة من غير المؤمنين"، لكنه تحدث أيضاً عن انتهاكات مزعومة قام بها جيش موزمبيق واشتكى مراراً من أنّ الحكومة "غير عادلة".
ويقول مراقبون إنّ تطور التمرد في موزمبيق مشابه بشكل ملحوظ لظهور جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا، وذلك بوجود جماعة مهمشة تستغل المظالم المحلية وتروع العديد من المجتمعات ولكنها تقدم أيضاً مساراً بديلاً للشباب العاطلين عن العمل والمحبطين جراء وجود دولة فاسدة ومهملة وشديدة البطش.
ويرى إريك مورييه-جونو، وهو أكاديمي مقيم في بلفاست وخبير في القضايا المتعلقة بموزمبيق، أن بيان الزعيم المتشدد "مهم للغاية".
"إنه يشرح أنه من موزمبيق. وهو يرد على الحجة القائلة بأنّ جميع المقاتلين من الأجانب وينكر ذلك ويندد بالوضع الحالي على أنه غير عادل وغير شرعي"، بحسب مورييه-جونو، الذي يرى كذلك أن عدم تغطية معظم الوجوه في الفيديو يشير إلى "مكتسب واضح من الثقة".
ويقول الأستاذ الجامعي والمؤرخ الموزمبيقي يوسف آدم: "لقد تحدثوا لأول مرة إلى عامة الناس"، مشيرا إلى أن الفيديو أعطى وزناً أكبر للحجة القائلة بأنّ الصراع في كابو ديلغادو ناتج في جوهره عن قضايا محلية.
ويضيف: "قام الجيش منذ البداية بضرب الناس وأخذهم إلى السجن وعذبهم. هناك الكثير من الخوف من الإسلام [في مقاطعة كابو ديلغادو ذات الأغلبية المسلمة]. يتمّ التمييز ضدهم لأنهم شماليون - فالناس تعتقد أنهم أغبياء".
ويوضح أن: "المشكلة هي أنّ لدينا عددا كبيرا من الشباب - وليس لديهم وظائف. إذا حللنا ... إساءة استخدام القوة، والفساد، وإذا كان لدينا نظام عدالة جاد، أنا متأكد من أننا سوف نحل بسرعة ذلك (التمرد في كابو ديلغادو)".
توظيف الحكومة للمرتزقة الأجانب
سعت حكومة موزمبيق في البداية إلى التقليل من شأن التمرد، واعتبار المسلحين مجرمين، ومنع الصحفيين من الوصول إلى المنطقة. لكن هذا يتغير.
وقال مورييه-جونو: "لقد رأينا تحولاً من سياسة الإنكار. معظم المجتمع والسياسيين يتقبلون الآن وجود تمرد إسلامي".
وفي وقت لاحق، بدأت الحكومة في توظيف متعهدين أمنيين أجانب - يُزعم أنهم من روسيا والولايات المتحدة وجنوب افريقيا - لمساعدة الجيش على سحق التمرد، ولكن دون أي نجاح كبير.
هناك مخاوف من أن الصراع، إذا أسيء التعامل معه، يمكن أن يمتد إلى تنزانيا المجاورة، وربما إلى جنوب افريقيا حتى.
وبدأت شركات غاز عالمية - كانت تستعد لاستثمار المليارات في حقول الغاز البحرية المكتشفة على طول ساحل كابو ديلغادو – تتردد في المضي قدما بمخططاتها. ويرجع هذا جزئياً إلى تراجع الأمن، ولكن أيضاً بسبب انخفاض أسعار الغاز.
ويعتقد العديد من المراقبين والمحللين أنّ حل الصراع، بشكل أساسي، يكمن في الحكم الجيّد وفي محاولة شفافة لمعالجة المظالم الاقتصادية والاجتماعية عميقة الجذور، بما في ذلك الإتاحة العادلة للأراضي والوظائف وحصة من أي عوائد مستقبلية من الغاز.
وقال أسقف بيمبا: "(الشركات) متعددة الجنسيات تريد أن تعرف أن بإمكانها أخذ نصيبها، لكن عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار السكان المحليين".
وأضاف: "ويجب أن تعلم الحكومة أن من الضروري جداً استخدام الموارد الطبيعية في موزمبيق من أجل تحسين حياة شعبها وليس التسبب في الفساد".
بي بي سي