قائمة سجناء سرية من جينشيان تقدم نظرة مفزعة على إجراءات القمع الحكومية ضد الإيغور. وحكومة الصين تتحدث عن الحرب ضد الإرهاب، فيما تدل الوثيقة المسربة على شيء آخر. التفاصيل في هذا التحقيق الخاص بـ DW.
لم تحصل محاكمة. ومقابل ذلك تدوينات حول لباس زوجته التي غطت وجهها بحجاب. فما تفعله النساء المسلمات في كثير من بلدان العالم يكفي في جينشيان لاعتقال شريك الحياة. وفي الـ 23 حزيران/ مايو 2017 تم إرسال الرجل الإيغوري إلى معسكر. والأيغور هم أقلية متحدثة بالتركية ويقيمون تحديداً في منطقة الشمال الغربي في جينشيان. وكمسلمين سنة يتعرضون للقمع من طرف الحزب الشيوعي الصيني.
وحسب تقرير سري لوزارة الخارجية الألمانية من 22 كانون الأول/ ديسمبر 2019 يتم اعتقال مليون على الأقل من بين عشرة ملايين إيغوري في جينشيان. وتتحدث وزارة الخارجية عن "معسكرات إعادة تأهيل فعلية". وفي العلن يظهر الانتقاد أقل.
قائمة المعتقلين السرية
وحالة الرجل مع المرأة المحجبة هي فقط أولى قائمة معتقلين شاملة حصلت عليها DW ووسائل إعلام أخرى. وبالاشتراك مع قنوات إذاعية ألمانية أخرى تحققت DW من الوثيقة وترجمتها وحللتها. وليس في الوثيقة ما يوحي بأن الإجراءات ضد الإيغور ـ كما تدعي بكين ـ تحارب في المقام الأول التطرف. فقط ثلاثة أشخاص مذكورين في قائمة المعتقلين الطويلة ينتمون مثلا لحزب التحرير وهي منظمة محظورة أيضا في المانيا. بل إن اللائحة المسربة من جينشيان تؤكد أن الدولة الصينية تضطهد بصفة منهجية الأيغور بسبب دينهم وثقافتهم.
جانب من معسكر اعتقال معزز بكاميرات مراقبة في جينشيان
مراقبة كاملة، موثقة بالتدقيق
تكشف الوثيقة عبر مدة زمنية طويلة مصير 311 معتقلا ألقي القبض عليهم لأسباب تافهة كإطلاق اللحية والصلاة وارتداء الحجاب ومكالمة إلى الخارج وعدد كبير من الأطفال. وجميع السجناء تم إرسالهم في 2017 و 2018 إلى معسكرات اعتقال. وحوالي الثلثين حصلوا لاحقا على إمكانية مغادرة المعسكر مجددا. ويخضعون للمراقبة في سكنهم بدون حرية.
وبالنسبة للرجل الإيغوري في الحالة رقم واحد تؤكد الوثيقة "تحولا إديولوجيا ملموسا"، إذ أنه اعترف في معسكر إعادة التأهيل بأخطائه وعبر عن الندم. والرجل "لا يمثل حاليا خطرا". ولذلك توصي السلطات بأن "يعود بعد إتمام تكوينه إلى سكنه ويخضع هناك للمراقبة". وسلوك العائلة له تأثير كبير في قضية من يتم إطلاق سراحه ومتى. فبالنسبة للرجل رقم واحد تدون السلطات أن الأبناء الأربعة والبنتين لهم "سلوك جيد". والزوجة في المقابل تم وضعها في حزيران/ يونيو 2017 في السجن، لأنها شاركت في تجمع غير قانوني.
وعمليات الاعتقال من شأنها إجبار العائلات على التصرف كيف تشاء الدولة الصينية. والوثيقة تبين الحجم الكبير للمراقبة. والقائمة لا تشمل فقط 300 سجين، بل مئات الأعضاء من العوائل والجيران والأصدقاء. وفي المجموع يتم تدوين أكثر من 1800 شخص بأسماء كاملة وأرقام البطاقة الشخصية ومعلومات عن السلوك الاجتماعي، منها على سبيل المثال:هل يؤدي المعني الصلاة في البيت أو يقرأ القرآن أم يذهب إلى المسجد لأداء كل ذلك. ومئات الأسماء الإضافية مسجلة بدون هذه المعلومات. والدولة الصينية تصل إلى المعلومات عبر التقنية الحديثة مثل تطبيقات المراقبة أو الكاميرات الأمنية بالتعرف على ملامح الوجه. وإضافة إلى ذلك تراهن الحكومة على الزيارات البيتية والاستنطاقات بحق العائلات. وتوجد شبكة من مراكز الشرطة والجواسيس.
لا شكوك في الصحة
"تبدو مفصًلة بشكل لافت" يصف خبير جينشيان، ريان توم الوثيقة. وتوم يدرس بجامعة نوتينغهام ببريطانيا وتخصص في سياسة سلطات الصين تجاه الأيغور . "تحتوي على كم كبير من البيانات الخاصة من بلدة صغيرة في جينشيان". وينطلق توم من أن قائمة المعتقلين ليست إلا قمة جبل الجليد. "يجب فقط تخيل أن هذا الشيء موجود لكامل جينشيان. وتجميع البيانات مروع". والقائمة دليل على أن الصين تعاقب الأيغور جماعيا:" الزج بمليون شخص في معسكرات اعتقال ليس حلا معقولا لأعمال عنف قلة من الناس".
وقائمة المعتقلين تتكون من 137 صفحة حصلت عليها DW في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 من عبد الولي أيوب، وهو أكاديمي مقيم في المنفى النرويجي. وهوية مصادره الشخصية يجب أن تبقى سرية لدوافع أمنية. والقوة التفجيرية للموضوع كانت فورا واضحة بالنسبة إليه:" ظننت فقط أنهم يعتقلون الناس بدون أي سبب ملموس".
والقائمة لا تحمل أي خاتم أو توقيعات. لكن المضمون واللغة تتطابق مع وثائق سرية أخرى مثل "وثائق جينشيان" المنشورة مثلا من طرف نيويورك تايمز أو تلك الوثائق التي نشرتها شبكة الصحفيين الاستقصائيين. وتمكنت DW من العثور على أقارب وأصدقاء بعض السجناء الإيغور الذين يؤكدون بيانات شخصية ومعلومات هامة عن ظروف حياة المعتقلين.
حملة الإجراءات القاسية
ويعتبر الإيغور أنفسهم السكان الأصليين لجينشيان ويصفون وطنهم تركستان الشرقية. والكثيرون يشعرون بأنهم قريبون من دول آسيا الوسطى أكثر من الصين. ويطالبون بالاستقلال أو على الأقل الحكم الذاتي لمنطقتهم. وبعضهم يلجأ إلى السلاح من أجل ذلك. وبالنسبة إلى الدولة الصينية تبقى جينشيان مهمة من الناحية الاقتصادية. فالمنطقة غنية بالموارد الطبيعية مثل الفحم والغاز والنفط. ويرجع قمع الإيغور وأقليات مسلمة أخرى إلى عقود من الزمن. لكن في السنوات الماضية زاد حجم المضايقات بقوة. وكسبب رئيسي لذلك يتم بالأخص ذكر اعتداء نفذه أيغور في أيار/مايو 2014 حين أدى انفجار سيارة مفخخة إلى مقتل أكثر من 30 شخصا في أرمقي، عاصمة منطقة جينشيان.
وردت الحكومة الصينية "بحملة الإجراءات القاسية". وفي جينشيان نشأت شبكة كثيفة من السجون والمعسكرات التي تحمل رسميا اسم "مراكز التكوين المهني". والحكومة تتحدث عن "تلاميذ" وليس معتقلين. لكن صور أقمار صناعية تكشف من عامي 2017 و 2018 معسكرات بجدران عالية وأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة. وحسب الرواية الصينية تهدف الحملة لمحاربة الإرهاب الاسلامي.
أيغور يتظاهرون في برلين للفت الانتباه لظروف عيش شعبهم
وأحد "التلاميذ" هو شاب اعتُقل، لأن مطعمه خلال شهر رمضان الكريم كان "في الأوقات العادية" مغلقا. والوثيقة تصفه بأنه شخص "يمكن التأثير عليه بسهولة بالأفكار المتطرفة". ومنذ أن تم إطلاق سراحه من معسكر إعادة التأهيل، يخضع في سكنه للمراقبة. وحسب معطيات السلطات المحلية "لا يشارك في الأنشطة الدينية غير القانونية، وهو قادر على الاعتراف بأخطائه والندم عليها".
عدد كبير من الأطفال واتصالات محظورة بالخارج
وسبب الاعتقال المذكور لغالبية المذكورين في قائمة المعتقلين هو خرق سياسة السكان الصينية. فطبقا لقانون التخطيط العائلي الصيني يحق للإيغور في المناطق القروية الحصول على ثلاثة أطفال وفي المدن طفلين. والقائمة تؤكد أن الدولة تستهدف بشكل مقصود الشباب. فالأيغور الذين وُلدوا بعد 1980 تصنفهم الحكومة الصينية بأنهم أشخاص "غير موثوق فيهم" أو "مثيرين للقلق". وأكثر من 60 في المائة من المعتقلين تتراوح أعمارهم بين 20 و 40 سنة. "وهذا له تأثير قوي على النمو الديمغرافي ونسبة الولادات"، كما يقول ريان توم من جامعة نوتنغهام. فمن يوجد في السجن ليس بإمكانه إنجاب أطفال. وغالبية المعتقلين من الشباب والذكور. ويقول خبراء بأن هدف الحكومة الصينية من وراء هذه الإجراءات هو إضعاف السكان الأيغور وتقليل عددهم.
الصين:" لا يوجد اضطهاد في جينشيان"
ويقول خبراء بأن الحكومة الصينية تمنع على الإيغور ممارسة شعائر دينهم الاسلامية لاقتلاع إرثهم الديني والثقافي. وهذا ما يؤكده تدمير المساجد والمقابر الاسلامية.
وقد طلبت DW من وزير الخارجية الصينية خلال زيارته الأخيرة إلى برلين في الـ 13 شباط/ فبراير 2020 اتخاذ موقف تجاه اتهمات خرقات حقوق الانسان المنهجية وعلى إثرها وصف تلك التقارير بأنها "أكاذيب" و"أخبار مزيفة"، ولا توجد "معسكرات اعتقال" ولا "مليون معتقل".
وليام يانغ، زاندرا بيترسمان/ م.أ.م
دي دبليو