الرياض السعودية:
بينة الملحم
عنوان المقال ليس من باب الهزل وكل من شهد وعرف لبنان الجمال والفكر والثقافة قبيل اختطافها يُدرك حقيقة مغزى العنوان وأبعاد ذلك الاختطاف والأثر الذي خلّفته حكومة ميقاتي، واختطاف حكومة تلو أخرى منذ تاريخ اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ثوار الأرز، ومنذ ذلك الحين وحتى تشكيل الحكومة اللبنانية الأخيرة ولا شاهد أكبر من أن إيران هي النظام الوحيد الذي هنّأ بتشكيل الحكومة اللبنانية وبحرارة شديدة، ولا عجب لأنها حكومة تم تشكيلها في طهران وتمثيلها عن النظام الإيراني في الولاية اللبنانية الإيرانية وبركات وحراسة ميليشيا الحكومة الحقيقية القابعة في الضاحية بينما الحكومة المتشكلة الجديدة ليست سوى حكومة الظل والشكل!
في قراءة لكتاب (في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي) لمحمد حسين فضل الله وقراءة الكاتب والباحث الأستاذ فهد الشقيران أفرد المؤلف فصلاً كاملاً وعنونه "الجمهورية الإسلامية اللبنانية" وحينما تحدث عن محاولات حقيقية بغية صبغ اللون الفارسي على بلاد الشام لم تكن نبوءة منه في ذلك التاريخ السابق لأحداث وواقع لبنان المختطف والماضي في حرائقه وضياعه حتى أن بعضاً كان يرى أن ما ذهب إليه المؤلف السيد فضل الله من باب المبالغة أو المزاح حتى أنّه علّق مبرراً استشرافه لمستقبل لبنان المحترق أن محاولات اختطاف لبنان بدأت باكرة جداً لأن المشروع بدأ فعلياً منذ عام 1982 وكل تلك المحاولات تؤسس للنظرية التي تؤكد على أن لبنان لا يزال مجرد "ساحة" ولم يدخل بعد مرحلة تكوين "الدولة" وإذا كان اتفاق القاهرة 1969 قد ساهم في جر لبنان إلى أن يصبح أحد ملاحق قضية فلسطين فإن العديد من الذين طرحوا "مشروع لبنان الدولة" انتهت آجالهم بالتصفية والاغتيال، وبعد أن أصبح لبنان "الساحة الإقليمية" بات وكأنه ساحة كبرى تأتيها ثيران متنوعة تتناطح حيناً من الدهر ثم تنفض الغبار عن جلدها وتمضي. ولبنان فعلياً أصبح اليوم "ساحة أولى" لإيران؛ فعملياً نجد في لبنان دولة إسلامية صغيرة وهي الإمارة التي يحتكرها حزب الله في مناطقه والتي تُمنع الدولة من دخولها، وهذه هي قوة الأحزاب الإسلامية حينما ترطّب حديثها وتجد في "المسألة الأمنية" مدخلاً لفرض منظومة أفكارها وتسيير مشروعها البعيد من أجل إقامة جمهورية لبنان إسلامية، وذلك عبر مزاحمة ثقافات الطوائف الأخرى أو آراء الآخرين وتهريب المنطق اللطيف لتزييت العقول، ومن ثم احتلالها على حين غرة وهذا ما حدث فعلاً!
ولعل السبب الرئيس الذي لا تزال تعاني منه لبنان المخطوفة بالدرجة الأولى هو ذلك الفراغ السياسي الذي ينخر في الساحة اللبنانية وبات محل استبشار من قبل أصحاب كل المشروعات الأيديولوجية وأصبح "الفراغ" يستخدم كفزاعة لغرض إرغام الناس على الاقتناع على حزم المشروعات المتكاثرة، ولعل فضل الله أراد عبر مواضع متعددة من كتابه المذكور أن يبرهن للمسيحيين أن حمايتهم لن تتحقق بشكل كامل إلا في ظل نظام إسلامي وفي ظل "الجمهورية الإسلامية في لبنان"، ولو رأينا الكلام والبيانات الصادرة عن قادة ومكاتب حزب الله نجدها تؤسس لصناعة منظومة سياسية تساهم في تلوين المطالبات والقرارات بطبائع دينية وهو ما يقضي على "مدنية" الدولة اللبنانية التي لم تتكون بعد فالدولة اللبنانية الحالية مهما يكن من أمر فإنها "دولة وثائق" ودولة "هدنة" ولم تحقق بعد البناء الحقيقي للكيان اللبناني.
كان الله في عون لبنان الذي يئن ويعاني وسيعاني كثيراً، لكن ورغم كل ذلك أبقى متفائلة أنّ لبنان مثل طائر الفينيق الذي ينهض من الرماد، قد تكون الأوقات القادمة حارقة أكثر ولكن لبنان يستطيع أن يتخلص من كل ذلك إن أراد أبناؤه الحقيقيون ذلك!