مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية - مقالات
أحدث المقالات

مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية

مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية

نوال السعداوي:

 

قضيت فى ديرهام سنتين، أقوم بتدريس فصل «المرأة والإبداع» من عام 1993 إلى عام 1995. إحدى طالباتى اسمها «فينيسيا» كانت مهتمة بشكل خاص بقضية الاغتصاب، بالأمس جاءتني مكالمة من «فينيسيا» تسأل عن أحوالى الصحية، وتخبرني أنها قد حصلت على الدكتوراه فى موضوع «الآثار النفسية للاغتصاب الجسدي». صوتها الدافئ مثل شمس ديرهام، واشتياقها إلى لقاءاتنا، وكيف أنها ممتنة لمساعدتي لها في موضوع الدكتوراه، أو في قضية المرأة بشكل عام، ورغبتها في المجىء إلى مصر، لرؤيتي والاطمئنان على صحتي، وإعطائي نسخة من بحثها، كلها أشياء جعلتني أدرك أكثر الجمال في قيمة الوفاء، ورُب صديقة واحدة من مدينة بعيدة تكون أكثر قربا من عشرات الأشخاص نساء ورجالًا، يشاركونني الوطن.

استعدت مع مكالمة «فينيسيا»، كيف كانت أشعة الشمس، في تلك المدينة البعيدة، تتسلل إلى جسدي بنعومة، وحنان، وكم كنت أشعر بالألفة مع هذه الخيوط الذهبية ذات الملمس القطيفي، يسمونها في أمريكا، شمس الجنوب، حيث تقع مدينة ديرهام في ولاية نورث كارولينا الجنوبية. بينى وبين «الجنوب» نوع من الود. الجنوب هو الوطن، هو قريتي على شط النيل وسط الدلتا، الجنوب هو البشرة السمراء، لون بشرتي وبشرة الفلاحين والفلاحات. «الشمال» هو الصقيع، واحمرار الأنف، والاستعمار، واللغة الغريبة، امتداد الأنف ينم عن التدخل فى شؤون الغير، والاعتداء المسلح علينا لاغتصاب الأرض أو القطن أو البترول. عبر الهاتف أخبرتني «فينيسيا» بأنها ستحضر إلى القاهرة، خلال أسبوع، لأنها لا تريد السفر قبل حضور الاحتفالات والمشاركة فيها، يوم الأربعاء القادم، 15 يناير، ذكرى مولد مارتن لوثر كينج الخامسة والتسعين. هذا اليوم عطلة رسمية قومية فى جميع الجامعات والمصالح فى الولايات المتحدة الأمريكية، تمجيدا لهذا الزعيم الأمريكي الأسود، الذى دفع حياته ثمنًا لتحرير إخوانه من الأفارقة السود في أمريكا، وأصبح رمزا من رموز النضال في العالم كله، ضد العنصرية، ومن أجل العدالة والحرية وكرامة الإنسان. تم اغتيال مارتن لوثر كينج، فى 4 إبريل 1968، فى عمر التاسعة والثلاثين، حيث مولده فى 1929. من بين طالباتي أيضا «هايدي» سوداء البشرة، تكشف عن أسنانها البيضاء في ابتسامة عريضة وتقول: «أنا مدينة بحريتى لمارتن لوثر كينج، لولا نضاله ونضال غيره من الزعماء السود أمثال مالكوم إكس، ما استطعت دخول جامعة مثل جامعة ديوك». فعلًا، كانت جامعة ديوك جامعة عنصرية للبيض فقط من الطلبة. فى خريف1961 دخل أول طالب أسود يحصل على الدكتوراه، وفى خريف 1963 دخل أول طالب يحصل على البكالوريوس. ورغم تزايد عدد الطلاب السود فإن البيض هم الأغلبية.

لا أنسى ذلك المساء الذى دعتني فيه «هايدي» لمشاهدة مسرحية عن مارتن لوثر كينج، ومالكوم إكس، حيث التقى الزعيمان الأسودان، في غرفة فقيرة في فندق بحي هارلم، في نيويورك في عام 1965. لقد عشت في حي هارلم بعض الوقت، في 1965، حينما كنت أدرس الماجستير فى جامعة كولومبيا. وبعد ثلاث سنوات من لقاء الزعيمين، قُتل مارتن لوثر كينج، أطلق عليه الرصاص، وهو يُلقي خطبة، 4 إبريل 1968، ومثلما أيضا قتل مالكوم إكس، وهو يخطب بين الناس، في 21 فبراير 1965، وكان تقريبا في العمر نفسه، فمولده فى 19 مايو 1925.

وفى اليوم التالى ذهبنا نحن الثلاثة، أنا وفينيسيا وهايدي، لمشاهدة فيلم مالكوم إكس، من إخراج سبايك لي، وهو مخرج أمريكي أسود، اشتهر بتبنىي قضايا السود والنضال ضد العنصرية عن طريق السينما. جزء من الفيلم تم تصويره في مصر، وشارك فيه بعض شباب المخرجين المصريين، من ضمنهم قرأت اسم ابني عاطف حتاتة. على الشاشة رأيت الأهرامات وشوارع الوطن وحرارة العواطف. مالكوم إكس كان يناضل مع الأفارقة السود المسلمين في أمريكا ضد الظلم والقهر، وقام بتوحيد جهوده مع مارتن لوثر كينج، ضد البشرة السوداء والتفرقة العنصرية. كل هذا وأكثر، جاء بخاطري في صور حية متتالية، أعادتني إليها مكالمة سريعة من إحدى طالباتي، التى أتشوق إلى استضافتها قريبا فى بيتي، قبل أن تنتهي شمس يناير. وإذا كانت أشهر مقولة لمارتن لوثر كينج هي «عندي حلم» في خطبته عند نصب لينكولن في 28 نوفمبر 1963، يحلم بأن يأتي المستقبل دون معاناة النساء والرجال السود، من التفرقة العنصرية، فأنا الأخرى «عندي حلم» بأن يأتى وقت تسقط فيه التفرقة الذكورية بين النساء والرجال.

المصري اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث