كراهية اليهود : عنصر أساسي حيوي في ثقافة العرب - مقالات
أحدث المقالات

كراهية اليهود : عنصر أساسي حيوي في ثقافة العرب

كراهية اليهود : عنصر أساسي حيوي في ثقافة العرب

سيلوس العراقي:

 

إن عالم الفكر والسياسة والاقتصاد بحركاته ومصطلحاته يعتبر من العوالم الغريبة على العالم العربي والاسلامي. فالحركات الفلسفية والسياسية والفكرية والثقافية في عصرنا الحديث كالاشتراكية والقومية والفاشية وغيرها هي من نتاج المجتمعات الغربية، وتعتبر حديثة العهد، إن لم تكن غريبة على العالم العربي.

ربما يمكننا أن نستثني من الحركات الغربية غير الحديثة على العالم العربي، "معاداة اليهود / معاداة السامية ".

من المعروف ومن دون أي شك أن العالم العربي (والاسلامي) لم يفتقرا أبدًا للفكر المعادي لليهود، ويمكن أن نجد صورًا نموذجيّة لهذه المعاداة ليس في الفكر والأدب والكتابات العربية في العصر الحديث (لغاية هذه اللحظة) فحسب، بل للعالم العربي تراث وكنز وفير، إن صحّ التعبير، وخبرة طويلة في "معاداة اليهود" منذ ظهور الاسلام، حيث أصبح تقليدًا من تقاليد العرب والمسلمين عبر العصور، وإن خمدت هذه المعاداة في بعض الأوقات (براغماتيًا ومرحليًا أو وقتيًا) لكنها كانت جاهزة حية دائمًا في متناول العرب (مسلمين ومسيحيين) خاصة والمسلمين عامّة.

إن للفكر أو للايديولوجية العربية المعادية لليهود في العصر الحديث بدايتهما الواضحة بين مسيحيّي سوريا الذين كانت تربطهم علاقات ثقافية وتجارية مع العالم الغربي وتمكّنوا من تحقيق نجاحات مهمة في هذه النشاطات، ومنها معاداة السامية "اليهود" حيث كانوا يشتركون مع المسلمين في احتقار اليهود وكراهيتهم، ليس هذا فحسب، بل تبنّوا معاداة الساميّة الأوربية من بعض التجار والمرسَلين الفرنسيين.

التهمة التشهيرية (الفِرية) الزائفة باليهود blood label باتهامهم بأنهم يستخدمون دمَ مسيحيٍّ في طقوسهم الدينية في أحد أعيادهم ، التي ظهرت في العديد من الدول الأوربية في العصور التي تسمى بالوسطى، كانت قد ظهرت بين مسيحيّي حلب في سوريا منذ القرن السابع عشر بنطاق محدود في أول الأمر، لكنها أصبحت علنية وشهيرة في عام 1840 في أحداث حلب الشهيرة التي كان للقنصل الفرنسي بينوا دو راتي دورًا وتدخلا واضحًا.

ومنذ ذلك الوقت، وتحديدًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر، ستنطلق معاداة السامية (بشكلها الأوربيّ) عربيًّا في الكتابات العربية والأدب العربي، من خلال المسيحيين السوريين واللبنانيين بشكل رائدٍ خاصّ، حيث كان لتأثير الثقافة والكتابات الفرنسية عليهم تأثيرًا كبيرًا. فظهرت بجهودهم في هذه الفترة ترجمات الى العربية لمؤلفات أجنبية معادية لليهود، فظهر في بيروت لنجيب الحاج كتاب : في الزوايا خبايا أو كشف أسرار اليهود، عام 1893 وهو تعريب من الفرنسية لكتاب جورج كورنيلهان:"اليهود والانتهازية: اليهودية في مصر وسوريا" الصادر في 1889 . وبالرغم من أن معاداة اليهود نمت تدريجيًا في الكتابات الأدبية والعربية المعادية لليهود في هذه الفترة التي كانت محصورة تقريبًا لدى الكتاب المسيحيين لكنها ستكون النواة التأسيسية للنشاط الفكري والأدبي والترجمي المعادي لليهود في القرن العشرين، حيث ستؤثر في العقلية العربية والفكر العربي لاحقًا في تأسيس نظرته العدوانية والعدائية الراديكالية لكلّ ما هو يهودي. خاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار مكانة وتأثير أعلام الفكر المسيحية السورية واللبنانية المسيحية باعتبارها ريادية وقيادية في نهضة الفكر العربي الحديث في مجال الفكر والكتابة والأدب والترجمة والصحافة، ولم يقتصر تأثير هذه الأعلام السورية واللبنانية المسيحية في سوريا الكبرى فقط، بل في مصر أيضًا التي أصبحت مركز التحديث أو الحداثة للعالم العربي التي ستظهر منها مطبوعات لكتبٍ معرّبة من كتبٍ أوربية شهيرة بمعاداتها لليهود لتقدمها للعالم العربي مُغذيّة فيه فكر وعقلية الكراهية والمعاداة للسامية واليهود بشكلٍ محدد، ومنها كتاب رولنغ "يهودي التلمود" الذي سيحمل عنوانًا بالعربية في مصر عام 1899 "الكنز المرصود في قواعد التلمود"، وللكتاب عدة طبعات في القرن العشرين مع أنه أصبح من الكتب القديمة. والكتاب الآخر الذي كان له تأثيرًا في معاداة اليهود (السامية) الأوربية وهو الكتاب سيء الصيت "بروتوكولات حكماء صهيون"، تمت ترجمةً كاملة له الى العربية من قبل القسّ اللبناني الماروني أنطون يمّين، وتمت طباعته في القاهرة عام 1925، وتم توزيعه في كل الدول العربية لتحفيز نمو كراهية اليهود على مستوى شعبي كبير ولغرض تغذية معاداة اليهود.

وسيكون الظهور البارز والكبير للمؤلفات والأدب العربي المعادي لليهود، وبغزارة كبيرة، في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد تأسيس دولة اسرائيل، وايقاع الهزائم بالدول العربية في عام 1948 و 1956 و 1967. بالاضافة الى مئات الكتب التي صدرت حول الصراع العربي مع اسرئيل، التي تزخر بشتى صور العداء لليهود، اضافة الى مئات الكتب المُغرضة حول اليهود واليهودية والمليئة كليًا أو جزئيًا بمعاداة اليهود. وظهرت أيضًا بعض الكتب العربية (المزيفة) ككتاب "المفسدون في الأرض: جرائم اليهود السياسية والاجتماعية عبر التاريخ" لمؤلفه س. ناجي، الذي طبع في دمشق عام 1965، ويظهر اقتباس مؤلفه من مراجع ألمانية وفرنسية طبعت في الثلاثينات والأربعينات محشوة بالزيف والأكاذيب حول الشعب اليهودي، ودافعها الوحيد الكراهية ومعاداة السامية ـ اليهود ـ ليس إلا.

ما تشترك فيه الأدبيات والمترجَمات العربية ضد اليهود بشكلٍ عام، هو اتهامهم بالعنصرية. حيث تمّ تصوير العنصرية كمبدأ وعنصر أساسيين في المعتقد اليهودي، مستندين بذلك الى الكتاب المقدس والى التلمود، وتمّ التصويب على التلمود بشكل خاصّ كهدفٍ لمهاجمته. ففي كتاب "التلمود: شريعة اليهود" لمحمد صبري المطبوع في القاهرة نموذج لهذا الجنس من التأليفات والأدبيات العربية. وتم تصوير التلمود كمرجعٍ يسمح فيه لليهود في الكذب على الأمم gentile وخداعهم وسرقتهم، وعلى أن التلمود يَعتبر غير اليهود حيواناتٍ لها شكلٌ بشريّ لغرض خدمة اليهود وانتهاك نساءهم (الأمم) ولاباحة هدر دماء أبناء الأمم.

بعض من هذا الجنس من الكتب المعادية لليهود كان لها نكهة أكاديمية زائفة، ومثال عليها هو كتاب صبري جرجس "التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي" والذي يتفذلك في أنه يروم ويهدف لأن يكون دراسة في التحليل النفسي، أو كتاب حسن ظاظا ومحمد عاشور "اليهود ليسوا تجارًا بالنشأة" والذي قصد كاتبيه من تأليفه أن تتم قراءته على أنه تاريخ اجتماعي ـ اقتصادي، وكلا الكتابين تمت طباعتهما في سبعينات القرن العشرين في القاهرة.

غدت معاداة الشعب اليهودي ومعاداة اليهودية جزءًا أساسيًا في الثقافة العربية، ليس فقط في الكتب المترجمة، بل في المؤلفات العربية، وفي كتب المناهج المدرسية في الدول العربية والاسلامية، في المسلسلات التلفزيونية، وفي مفردات الاعلام المتلفز والمقروء والمذاع، على ألسنة العامة وفي المقالات التي تملأ الصحف العربية ومواقعها الالكترونية، من شتى انتماءات الكتاب، من الماركسيين والشيوعيين واليساريين، الى القوميين والعروبيين والسلفيين والاصوليين، علمانيين ورجال دين مسلمين ومسيحيين على مختلف مذاهبهم، على ألسنة ومفردات الشعب اليومية رجالا ونساء وأولاد وبنات....

حتى غدت معاداة الشعب اليهودي واليهودية (وإن لبست رداء معاداة اسرائيل أو الصهيونية فالأمر سيان فالفارق في التسمية فقط ، لكن المحتوى ـ الكراهية هو ذاته، لأن الشعب الذي يوجهون كل جام كرههم نحوه هو ذاته) هي الشغل الأكبر الذي يشغل العرب أكثر من الالتفات الى حاضرهم ومستقبلهم ومصيرهم ومصالحهم الشخصية وتطورها.

سيكون لنا محطات أخرى في عرض للعنصرية وثقافة الكراهية المتأصلة في المجتمعات العربية والاسلامية وكراهيتها لليهود وللمسيحيين، وللكورد، بشكل خاص.

جزء كبير من المقال معرّب بتصرف من الموسوعة التاريخية للاضطهاد والحكم المسبق: معاداة السامية، ريتشارد ليفي.

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث