مريم بوزيد سبابو:
تنشغل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في موضوع غلق الكنائس البروتستانتية الجزائرية. وأثار غلق آخر ثلاث كنائس في منطقة «تيزي وزو» جدلا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي كذلك.
وأحيانا ينقل الخبر على أن الاثنتي عشرة كنيسة، كلها في منطقة «تيزي وزو». لكن هذا مجانب للحقيقة. فاتخذت كل فئة نبرتها في التعامل مع الموضوع. تنقل لنا قناة «البلاد» خلفيات الموضوع كاملة، كما تدعي مع تعليقات أكاديميين حول الغلق. فالأستاذ ناصر جابي صرح في صفحته قائلا: «استفزاز أبناء مناطق القبائل، ومن ورائهم الجزائريون مستمر، بعد منع الراية، جاء دور الكنيسة، وعلى من يكون الدور يا ترى في الأيام المقبلة؟
ورد عليه أكاديمي آخر زميله في التخصص، هشام السبع، الباحث في علم الاجتماع قائلا لا يمكنه التعميم إلا من خلال دراسات مسحية شاملة على مجتمع البحث، والكنائس غير المرخص لها لا يمكنها النشاط إلا في السرية، خشية جمع حقائق ومعطيات أنثروبولوجية عن المجتمع، الذي تتغلغل فيه. فكيف للدكتور ناصر جابي أن يعمم بقوله استفزازا لكل الجزائريين؟!
لكن مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، واليوتيوب تشكل فيها التطاولات والإهانات والبذاءة أقصاها بين مؤيد ومعارض في ثنائية القبائل والعرب!
مواضيع من هذا القبيل، التي تشكل «الترند» السياسي والاجتماعي، تجعل الكثير يغيرون مواقفهم واعتبار مثل هذه الأحداث مواد دسمة للانتشار السهل، بواسطة التكنولوجيا لأفكارهم والخروج من روتين الأخبار المألوفة.
يبدو أن الكاثوليك، ليست لديهم أي مشكلة مع السلطة بشأن حرية ممارسة شعائرهم، وهذا ما صرح به أسقف الجزائر بول دوفارج منذ سنة لوكالة الأنباء الجزائرية، حيث قال: إنني أتكلم بصفتي مسؤولا عن الكنيسة الكاثوليكية وأؤكّد أنه ليست هناك أي مشكلة في حرية ممارسة الشعائر الدينية. وإن الكنيسة الكاثوليكية تتوفر على أماكنها المخصصة للعبادة، التي يعترف بها القانون.
إذا كانت أماكن شعائر الكنيسة الكاثوليكية منظمة ومضبوطة، فإن نشاط الكنيسة البروتستانتية يبدو أنها تتم بعشوائية أكبر، وأي فضاء يمكنه أن يتحول إلى مكان للعبادة، وعادة ما تتم تهيئته دون تصريح، إضافة الى شكاوى المواطنين في المنطقة، هؤلاء الذين لا يظهر صوتهم ولا تتم محاورتهم والاستماع لهم. مثلهم مثل باقي الجزائريين لا يمكنهم استيعاب وجود كنائس لغير النصارى الأوروبيين وليسوا لمن غيروا ديانتهم.
وتبقى الحرب الأهلية اللبنانية سببا في تعرف الجزائريين على وجود مسيحيين عرب. وكان الجزائريون في عمومهم يربطون العربية بالدين. فيعتبر العربي مسلما بالضرورة. كل هذه المعطيات الحاضرة الغائبة تجعل المشرع في حيرة بين حرية المعتقد للوافدين على الجزائر من غير المسلمين ممن يقر الدستور باحترام معتقدهم، كما عبر عن ذلك الحقوقي عشي حبيب في برنامج «النقاش الواسع» على قناة «أمل تي في»، فالقانون يفرق بين المسلم من يرتد على دينه لديانة أخرى والمسيحي الوافد بديانته.
تغيير الديانة ممنوع ويعاقب عليه القانون. لذلك طالت عقوبات العديدين ممن غيروا الإسلام بالمسيحية، كما حدث في تيارت مثلا وغيرها من المناطق.
فبالرغم من أن الإسلام دين الدولة، كما يقر بذلك القانون فإن المادة 42 من الدستور تنص على أن حرية ممارسة الشعائر مضمونة في ظل احترام القانون. فهل احترمت الكنيسة الإنجيلية القوانين وأعراف المجتمع؟ وهي المعروفة بنهجها التبشيري والموصوفة بالصهيونية المسيحية؟!
وهذا ما جعل صحيفة «لاكروا» تكشف عن سر تمويلها لهجرة اليهود إلى فلسطين.
وفي تقرير آخر، يضيف برنامج «البلاد»، لوكالة «رويترز» تشير فيه الى يد المساعدة، التي يقدمها أتباع هذه الطائفة للمستوطنين الصهاينة قصد الاستحواذ على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
وختمت «البلاد» برنامجها بالقول إن غلق الكنائس غير القانونية في «تيزي وزو» سيكون حاضرا في تقارير الدول الغربية تحت ما يسمى بالحريات الدينية، وكما هي العادة لا تأبه هذه الدول بالشرعية الحكومية للدول إذا تعلق الأمر بخارج حدودها.
إذا كان هذا موقف قناة «البلاد»، فإن النقاش على قناة «أمل تي في» أخذ منحى آخر. فمن باب التسامح الديني مع اليهود أو أي ديانة أخرى لا بد أن نعامل ونتعامل بالمثل. فمثلما يبني الجزائريون مساجدهم في البلدان غير المسلمة، فلماذا في بلدنا تصبح القوانين متشددة؟ لماذا عندما نكون في الخارج نطالب بالحريات ونحرمها على من يطالب بها في بلدنا؟
وبما أن عدد المسيحيين قليل جدا لا يعد بالملايين. فلنعتبرهم ضيوفا عندنا. وعلينا تكريس التنوع الديني والاثني.
يدور الحوار ويعود ليلقي المشكل على المدرسة الجزائرية، التي أوجدت مواطنا متعصبا. وإننا ما زلنا مبتدئين في المواطنة، ولم ننضج بعد بما فيه الكفاية.
كما أن المجتمع الجزائري مغلق يسهب عبدو سمار. فمن يعيش في الشمال، البليدة مثلا لا يعرف الجنوب، ولا يعلم بوجود جزائريين سود البشرة، لذلك يذهل في الشارع لرؤية أفارقة من دول الساحل.
وهذا يعود أيضا للعامل الاقتصادي، وضعف مستوى المعيشة، فالتذكرة بين الجزائر العاصمة وتمنراست في أقصى الجنوب تفوق سعر تذكرة الجزائر مرسيليا.
الكل يصب في الكل، وفي نهاية المطاف الكثيرون تمسحوا بأسباب الحياة المعيشية المتردية والأحوال الأمنية المتدهورة، التي عاشتها البلاد في العشرية الدموية. في تلك الفترة التي لم يسلم منها أحد، ولو كان إماما على منبره. فهل تم تعميد المتنصرين الجدد؟ وهل فعلا تم استقطاب أفراد النخبة للمسيحية في كل تفرعاتها؟ سؤال يطرحه بعض رواد الفيسبوك من المهتمين بالظاهرة الدينية من زوايا مختلفة.
استجاب سكان العاصمة لدعوات ضرب «المهراس» (يُسمّي الجزائريّون كلّ آنية نحاسيّة أو حديديّة أو خشبيّة تُهرس فيها الأشياء، من قهوة وتوابل وحبوب «المهراس») للتضامن مع معتقلي الرأي، يوم الخميس الماضي، وبتوقيت الثامنة الى الثامنة والنصف ليلا تزامنا مع بث نشرة الأخبار الرئيسية على القنوات الرسمية.
الدعوة كانت على مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف «الجزائريين الذين قالوا «ارحلوا». وهي طريقة مساندة جديدة، كما جاء في صفحة المجموعة على الفيسبوك. وهذا التاريخ، أي السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 1961 هو ذكرى المجزرة، التي ارتكبها البوليس الفرنسي في حق متظاهرين جزائريين في باريس، والذين نظموا مظاهرتهم بإيعاز من فدرالية حزب جبهة التحرير في فرنسا، فالتاريخ رمزي والتوقيت رمزي أيضا، أي الثامنة مساء للتعبير عن عدم انتظار نشرة بلسان من لم يرحلوا.
كانت الانطلاقة من العاصمة لتعمم على كامل الولايات في الأول من الشهر المقبل. الكثيرون عبروا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية عن استحسانهم للفكرة لرمزية «المهراس» وحضوره في الأحداث المفصلية، التي عاشها المجتمع الجزائري إبان الثورة التحريرية أو للقيام ببعض الطقوس كطقس جلب المطر، أو للاحتجاج وردود أفعال على سلوكيات المستعمر أو تنبيه بعضهم البعض لقدوم طائرة العدو…الخ، كما جاء في مقال عبد الرزاق بوكبة في موقع «الترا الجيريا»، بينما ربطه الآخر بحادثة غلق الكنائس والتضامن مع المسيحيين ومقارنة صوت «المهراس» بصوت «النواقيس»، وهذا ما جاء في عديد الهاشتاغات والتغريدات على «تويتر». كما تساءل الكثيرون وبتذمر عن هذه الطريقة التي ليست سوى تذكير بماض مؤلم لحفلات القدور، التي استحدثتها منظمة الجيش السري الفرنسي عام 1961. كونسار دو كاسرول تلبية لنداء مؤسس المنظمة سالان. بينما كان ضرب العامة من الفرنسيين في الجزائر على المواعين وغيرها من الأدوات، التي تحدث نغمات موسيقية بأبعاد قصيرة وطويلة، كان المتطرفون من الأقدام السوداء والحمراء يذبحون وينكلون بالشعب الجزائري بالسلاح الأبيض ويرمون بالجثث في الآبار وغيرها، ولم يسلم منهم حتى الإسبان، الذين هربوا من قمع فرانكو والفرنسيين، الذين استسلموا للظروف السياسية ووقف إطلاق النار بموجب اتفاقيات «إيفيان».
قد تبدو المقارنة بين الضرب على «المهراس» والأواني وغيرها مجحفة، لكن الذي يريد اللعب على الرموز لا بد من أن يفكّكها حتى لا يقع في المحظور. وهل فعلا سيسمع المعتقلون في زنزاناتهم صوت المهارس وزغاريد النساء في العاصمة، وهل فعلا الطريقة مبتكرة أم مقلدة تقليدا يسيئ للتضامن وللحراك ولمبادئه المناهضة للفساد، أم أن «الحابل اختلط بالنابل»؟
٭ كاتبة من الجزائر