هيثم حسنين:
في الواحد والعشرين من أغسطس، أبلغت قطر "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بانسحابها من رسالة متعددة الأطراف كانت قد وقّعتها للإعراب عن تأييدها للإجراءات الصينية المتخذة ضد أقلية الأويغور المسلمة في مقاطعة شينجيانغ المضطربة. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما الذي حفز هذا التراجع، إلا أنه يصعب اعتبار القرار دلالة على أن الدوحة تتهيّأ لإدانة الصين علنية أو تقليص علاقاتها الثنائية معها. وأوضح السفير علي المنصوري، ممثل قطر الدائم لدى الأمم المتحدة خطوة بلاده قائلا: "نود أن نحافظ على موقف محايد، وأن نعرض خدمات الوساطة والتسهيلات". والواقع أن هذه الصياغة الدقيقة ليست بالأمر المستغرب بالنظر إلى أن الأمير تميم بن حمد آل ثاني اجتمع مرتين بالرئيس الصيني شي جينبينغ خلال الأشهر الستة الماضية ووافق على تعزيز التعاون الاستراتيجي مع بكين.
والأهم من ذلك، أن الموقف القطري يلقي الضوء على اتجاه أوسع نطاقا، وهو أن كل حكومة عربية في منطقة الخليج وخارجها، عندما تُمنح لها الفرصة لعرض القضية إلى جانب الأعضاء الآخرين في الأمم المتحدة، اختارت إما أن تتجاهل انتهاكات الصين لحقوق الإنسان بحق مسلمي الأويغور ـ الذين يعيش مليونان منهم في مقاطعة شينجيانغ وحدها ـ أو الإعراب عن دعمها. فكيف يمكن إذا تفسير واقع أن الكثير من الدول ذات الغالبية المسلمة تسمح فعليا للصين بالإفلات بفعلتها بالرغم من الانتهاكات الموثقة جيدا التي ترتكبها بحق إخوانها المسلمين؟
رسائل متنافسة من الأمم المتحدة
في شهر يوليو، وقّع تحالفان [منفصلان] رسالتين متعارضتين إلى "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بشأن قضية الأويغور، إحداها تنتقد سياسات الصين في شينجيانغ والأخرى تدعمها. وقد دعت الكتلة الأولى، التي تضم 22 دولة، الصين إلى وقف حملة الاعتقالات الجماعية والمراقبة والقيود المفروضة على الأويغور والأقليات الأخرى في المقاطعة.
أما الكتلة الثانية، التي تضم سبعة وثلاثين دولة، فقد وجّهت رسالة تُشابه في بعض الأحيان البيانات الدعائية الصينية. وبعد الإشادة بـ "الإنجازات البارزة التي حققتها بكين في مجال حقوق الإنسان"، جادلت الرسالة بأن حملة القمع التي تنفَّذ في شينجيانغ تهدف إلى مكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف الديني ـ وهي ثلاث مشاكل "أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" في المقاطعة، بما في ذلك "الحق في الحياة والصحة والتنمية". وخصّت الرسالة بالثناء بعضا من "الإجراءات" المحددة التي اتخذتها الصين "لمكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف"، مثل "إنشاء مراكز للتدريب والتعليم المهني".
والملفت هو التباعد الجغرافي بين هاتين الكتلتين. فالكتلة الأولى تألفت بشكل أساسي من دول أوروبية، بينما هيمنت الدول الأفريقية والشرق أوسطية، من بينها الجزائر والبحرين ومصر والكويت وعمان وقطر والسعودية والسودان وسوريا ودولة الإمارات، على الكتلة الثانية.
لماذا الصمت العربي؟
كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم، ترسم الحكومات العربية سياساتها الخارجية بناء على الظروف الاجتماعية السياسية الخاصة بكل منها وعلى مجموعة كبيرة من الأهداف التي غالبا ما تكون متناقضة. ومع ذلك، يبدو أن استعدادها الشامل لتأييد المعاملة الصينية للأويغور أو تجاهلها تبدو نابعة من عدة مخاوف مشتركة.
التضامن على عدم التدخل: قبل انسحاب قطر، كانت جميع الدول الأعضاء الست في "مجلس التعاون الخليجي" قد وقّعت على رسالة مؤيدة للصين، على الرغم من خلافاتها الحادة حول العديد من القضايا الأخرى. وأحد التفسيرات هو أن لجميع هذه الدول حكومات استبدادية إلى حد ما ولا تروق لها التدخلات الخارجية في شؤونها. ومن وجهة نظرها، فإن التدخل في الشؤون الداخلية للصين من شأنه أن يتركها عرضة لتدخل مماثل. على سبيل المثال، لا تريد السعودية استحثاث أي ضغط دولي أكبر مما تواجهه بالفعل فيما يتعلق بقضية جمال خاشقجي. وبالنسبة إلى الدول الموقعة الأخرى في "مجلس التعاون الخليجي"، فإن مصر تشعر بالقلق من النداءات الدولية لتحسين ظروف احتجاز آلاف السجناء السياسيين لديها، وبالتالي فإن انتقاد الاعتقالات الجماعية في الصين ليس واردا.
الخوف من الإسلام السياسي: اشتد هذا القلق بين العديد من الحكومات العربية بعد عام 2011، عندما تزامنت الانتفاضات في جميع أنحاء المنطقة والقوة التي اكتسبها مؤيدو الإسلام السياسي مع ارتفاع حاد في الإرهاب الجهادي الذي زعزع استقرار العديد من الدول. ومنذ ذلك الحين، ازداد انزعاج الزعماء العرب من النزاعات القائمة على العقيدة الدينية، وأصبح معظمهم يربط الإسلام السياسي بالإرهاب. وعلى هذا النحو، فإن جهودهم المحلية لمكافحة الإرهاب جعلتهم يتعاطفون مع الادعاء الصيني بأن حملة القمع ضد الأويغور هدفها مكافحة الإرهاب. ولهذا السبب لا تمانع دولة كمصر في السماح للسلطات الصينية باستجواب المواطنين الأويغور في القاهرة، كما لا تمانع في الثناء على بكين لاحتجازها مئات الآلاف منهم في شينجيانغ.
الخوف من الحركات الانفصالية: لطالما كان لمقاطعة شينجيانغ التي يعيش فيها الأويغور أهمية استراتيجية بالنسبة للصين كونها تشكل جسرا يربطها بآسيا الوسطى والشرق الأوسط. إلا أن التنوع العرقي والثقافي في المنطقة جعل من الصعب جدا على بكين ممارسة الحكم وإرساء الاستقرار في المنطقة. وبعد عام 2011، بدأت الصين تشعر بالقلق من أن تترك الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي مضاعفات على مناطق المسلمين في شمال غرب شينجيانغ، فتشجّع بذلك الحركات الانفصالية الموجودة في المقاطعة على المطالبة بالاستقلال بحدة أكبر. واليوم، تدّعي بكين أن الجدال القائم بشأن الأويغور هو مؤامرة يروّج لها الغرب تهدف إلى عرقلة التقدم الذي تحرزه الصين عبر إحداث انقسامات بين الأقليات العرقية داخل حدودها ـ على غرار ما يحدث في العديد من الدول العربية حيث تميل الحكومات إلى اعتبار حركات الأقليات الكردية وغيرها على أنها محاولات تؤججها الدول الغربية بهدف زرع الفتنة الداخلية وتشجيع النزعة الانفصالية. إن الزعماء العرب والصينيون على حدٍّ سواء يؤمنون إيمانا راسخا بضرورة قمع أي حركات مماثلة داخل حدود بلدانهم.
الرغبة في التطور الاقتصادي: تسعى مبادرة "الحزام والطريق") "المبادرة") الصينية المستمرة إلى ربط آسيا وأوروبا بمجموعة طموحة من مشاريع البنى التحتية البرية والبحرية، والعديد منها في الشرق الأوسط. وحتى الآن توصّلت بكين إلى اتفاقيات تعاون في إطار هذه "المبادرة" مع 18 دولة عربية، بينما وقّعت شركات صينية عقودا هناك بقيمة 35,6 مليار دولار، منها 1,2 مليار دولار مخصصة لقطاعات الطاقة والتصنيع المحلية. وفي الوقت نفسه، بلغت تجارة الصين مع الدول العربية 244,3 مليار دولار العام الماضي، وتجري الحكومة حاليا تحضيرات لعقد مؤتمرين استثماريين في مطلع الشهر المقبل هما الدورة الرابعة لـ "معرض الصين والدول العربية" والدورة الثالثة لـ "القمة الاقتصادية الصينية العربية". ومثل هذه العلاقات تعطي الدول العربية سببا فعالا آخرا لتجنب انتقاد الصين، وهذا ما اعتادت بكين تذكير تلك الدول به. ففي 21 أغسطس، على سبيل المثال ـ أي في اليوم نفسه الذي انسحبت فيه قطر من الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة ـ أشاد السفير الصيني الجديد إلى الدوحة بالعلاقة بين الدولتين وأشار إلى أن "قطر هي ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الصين".
الاعتقاد بأن الصين أكبر من أن تُجابَه: ترتبط الدول العربية بالعديد من العلاقات السياسية والعسكرية مع الصين أيضا، ومن وجهة نظرها، فإن الدفاع عن الأويغور لا يستحق المجازفة بهذه العلاقات. وتتمتع الصين بالكثير من النفوذ العالمي، ومن الواضح أنها لا تخشى من تأكيده، لذا فإن الدول العربية تخشى من مساءلة الصين عمّا يحدث في شينجيانغ خوفا من حثها على اتخاذ عدد من الإجراءات العقابية ضدها.
ما الذي يمكن أن تفعله واشنطن؟
في العام الماضي انسحبت الولايات المتحدة من "مجلس حقوق الإنسان"، لذلك كان هناك القليل الذي كان بإمكانها القيام به فيما يخص الرسالتين المتضاربتين إلى الأمم المتحدة. ومع ذلك، لا يزال بوسع واشنطن فعل الكثير لرسم معالم الحوار الدولي حول قضية الأويغور. وقد كان تكليف مواطن أميركي من الأيغور [بالمسؤولية عن] الملف الصيني في "مجلس الأمن القومي" الأميركي خطوة ثنائية واعدة، ولكن يجب على المسؤولين الأميركيين أيضا تسخير المزيد من الجهود والأموال للتصدي للمنظور الصيني على الساحة الدولية.
ويشمل ذلك تعزيز الإدراك العربي والإسلامي لما يحدث في شينجيانغ ـ ولما يحدث محليا للناشطين الأويغور في دول كمصر. وبشكل عام، يميل العالم العربي إلى عدم الاهتمام بشؤون الصين الداخلية، وهذه مشكلة بحد ذاتها لأنها عززت من جهل الرأي العام الواسع النطاق بالتطورات التي من شأنها أن تكون ذات صلة به. إن زيادة الفهم بين الرأي العام يمكن أن يجعل بدوره من الصعب على الحكومات العربية الرضوخ بتزلّف للجوانب الأكثر إثارة للقلق في سياسة الصين الخارجية.
هيثم حسنين كان زميل "غليزر" في معهد واشنطن في الفترة 2016 ـ 2017.