السلفيون والإخوان المسلمون في اليمن... علاقات معقّدة حول أولويات السياسة وقتال الحوثيين - مقالات
أحدث المقالات

السلفيون والإخوان المسلمون في اليمن... علاقات معقّدة حول أولويات السياسة وقتال الحوثيين

السلفيون والإخوان المسلمون في اليمن... علاقات معقّدة حول أولويات السياسة وقتال الحوثيين

صالح المحوري

لم يكن الشيخ مقبل الوادعي يدرك أن ترحيل السلطات السعودية له على خلفية اتهامه بالوقوف وراء أحداث التمرّد داخل الحرم المكي، عام 1979، والتي قادها جهيمان العتيبي، سيمهّد لتأسيس أول مدرسة للسلفيين في اليمن.

ولكن هذا ما حدث عام 1982، عندما تأسس مركز دار الحديث في بلدة دماج، جنوب شرق محافظة صعدة اليمنية.

ظهور السلفيين لم يكن مرتباً له مسبقاً، لا من السلفيين أنفسهم ولا من الحكومة اليمنية، وبالتالي جرى تشكيل الكيان الديني الجديد بطريقة عشوائية نوعاً ما.

السلفيون والإخوان... النشأة والتكوين

دعمت الحكومة اليمنية في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح مركز تعليم القرآن، وكان صالح يسعى للاستفادة من السلفيين كحليف مستقبلي.

كان صالح أيضاً يريد أن يستفيد من وقوف السلفيين إلى جانبه، وفق القاعدة الدينية التي يمضون عليها وهي تأييد ولي الأمر.

في البداية، دعمت الشخصيات التي تنتمي للإخوان المسلمين في اليمن السلفيين، ولكن لاحقاً ساءت العلاقة بين الطرفين.

لم يكن الإخوان موجودين كتنظيم حينذاك، وكانوا حاضرين عبر شخصيات قبلية ودينية وعسكرية لها علاقة بالتنظيم الدولي للجماعة، على غرار الشيخ القبلي عبد الله بن حسين الأحمر، ورجلي الدين عبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي، إضافة إلى الرجل العسكري القوي علي محسن الأحمر.

وجد الوادعي، وهو مجدد السلفية في اليمن، أن الإخوان يتخذون المنهج السلفي مساراً لهم، لكنه اعتبر أنهم لا يلتزمون به، كما أنهم يحرّفون في مسائل المشاركة في الحكم والالتزام بالعقيدة الصحيحة.

ومع حلول عام 1990، كان السلفيون والإخوان المسلمون في اليمن على موعد مع مرحلة مختلفة في مسيرتيهما. أصبح الإخوان المسلمون الذين كانوا قبل ذاك العام عبارة عن تركيبة بشرية منتشرة في مفاصل الدولة، حزباً أُطلق عليه اسم التجمع اليمني للإصلاح.

وفي المقابل أسس عمر عبده قائد، ومحمد المهدي، وعبد العزيز الدبعي، جمعية الحكمة الخيرية في 21 أغسطس من نفس العام.

وبعد تأسيسها، دب الخلاف داخل أروقة الجمعية بسبب محاولات البعض ربطها بعلاقات مع السعودية وبالولاء لها، ما دفع بالشخصيات التي كانت تساند خيار تمتين العلاقات مع السعودية إلى تأسيس جمعية الإحسان التي انطلقت من محافظة حضرموت عام 1991. ولكن السعودية استمرت بدعم الجمعيتين معاً.

انقسم السلفيون في اليمن، وبرز تياران إلى جانب التيار التقليدي، وهما التيار السلفي الجديد الذي يتخذ من المشاركة السياسية سُلّماً لتحقيق أهدافه السياسة شريطة الالتزام بالمنهج السلفي الصحيح. وبتأسيسه جمعيات، ظهر هذا التيار بصورة منظمة وصار عمله مؤسسياً، لا بل أخذ جانباً من نظام الأحزاب المحلية من حيث النظام والتراتبية.

أما التيار السلفي الثاني فقد قرر استخدام العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافه في إقامة مناطق نفوذ في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.

ونجح حزب الإصلاح في استثمار التيار الجهادي أكثر من السلفيين التقليديين، والسبب في ذلك يعود إلى أن قادة في الإصلاح كانوا يرتبطون بعلاقات جيدة جداً مع مقاتلي الأفغان العرب الذين قدموا من أفغانستان وشاركوا بجانبهم في حرب عام 1994 ضد جنوب اليمن، إلى جانب قوات علي عبد الله صالح.

وشهد عام 2001 تغيّراً في المشهد السلفي في اليمن. توفي الشيخ مقبل الوادعي، مجدد السلفية في البلاد ومؤسسها في العصر الحديث، وحلّ مكانه يحيى الحجوري، وهو أحد تلامذته.

ثم أتت أحداث عام 2004 لتفرض تحالف ضرورة بين السلفيين التقليديين والإخوان المسلمين، بعد محاولة الحوثيين إخراج السلفيين من مركز دار الحديث في دماج. قاتل الطرفان جنباً إلى جنب، بدعم من السعودية، ضد الحوثيين حتى طردوا من المحافظة.

لكن الحرب التي بدأت مع الحوثيين لم تنته. فمنذ عام 2004، صار اليمن يشهد كل نحو عامين تجدداً لهذا الصراع، ويشهد بالتالي تجديداً لحلف الضرورة بين السلفيين التقليديين والإخوان.

السلفيون والإخوان بعد 2011

بينما كان التجمع اليمني للإصلاح يحشد أنصاره وحلفاءه عام 2011 ضد نظام صالح، كان التيار السلفي التقليدي يقف إلى جانب الرئيس اليمني السابق، وفق قاعدة عدم الخروج على ولي الأمر.

هذا التيار التقليدي كان لا يزال محتفظاً بتركيبته القديمة التي تستند على الدعوة والعلم، ولا تنضوي شخصياته ضمن أية هيئات أو جمعيات.

خلال الاحتجاجات ضد صالح، كان تيارا السلفية التقليدي والجديد يرفضان محاولات الإخوان المسلمين استقطابهما ضد النظام. وإذا كان معروفاً عن التيار التقليدي التزامه "الديني" برفض التظاهر والتحزّب، فإن التيار الجديد بدوره كان يحاول أن يكون محايداً في الأمور التي تناقش أوضاع رئيس الدولة، وإنْ اكتسب بعض الخبرة السياسية.

وبعد رحيل صالح بموجب المبادرة الخليجية، أسس عبد الوهاب الحميقاني ومحمد العامري وهما قياديان سلفيان في جمعية الإحسان الخيرية التي تنتمي إلى التيار الجديد، حزب الرشاد السلفي، عام 2012، كأول حزب سلفي في اليمن.

وفي عام 2014، تأسس حزب السلم والتنمية وهو امتداد لجمعية الحكمة الخيرية.

ومع أن حزبي الرشاد والسلم والتنمية ينتميان إلى التيار الجديد إلا أن تشكيلهما كيانين منفصلين يعود إلى تضارب مسار الجمعيتين التي انطلق منهما الحزبان، في مسائل الارتباط بداعمين خليجيين، رغم أن كلاهما يتلقى حالياً دعماً من حكومة هادي ومن السعودية.

شارك حزب الرشاد في مؤتمر الحوار الوطني عام 2013. ورغم أن أداءه ظهر فاتراً بسبب قلة خبرته، إلا أن هذه المشاركة كانت نقطة الالتقاء الأولى بين التيار السلفي الجديد والإخوان في العمل السياسي، وإنْ ظهرت تباينات في ما يخص مواقفهما من نظام صالح.

ويختلف السلفيون والإصلاح في أدوات العمل. فبينما يستخدم السلفيون مجال الدعوة كوسيلة يستندون إليها في نشر تعاليم السلفية العلمية من خلال المدارس التابعة لهم، تبقى وسيلة الإصلاح الأمثل التغلغل في أوساط المجتمع، عبر جذب أكبر عدد من المتحزبين لصالحه بواسطة جمعيات خيرية تمرر الدعم إلى الفئات المستهدفة.

وينتقد السلفيون الإصلاح لأنه برأيهم يستثمر الدخول في السياسة والتحزب في تحقيق مصالحه التي تتعلق أساساً بتعزيز نفوذه السياسي وتهميش القوى الأخرى. لكن الإصلاح يعتقد أن عزوف التيار السلفي التقليدي عن الدخول في معترك السياسة أضر بتركيبة السلفيين عامة وساهم في تصدعها من الداخل.

وعندما حاصر الحوثيون مركز السلفيين في دماج، جنوب شرق محافظة صعدة، عام 2013، قبل أن يتعرضوا للتهجير من مركزهم الرئيسي، مطلع عام 2014، شعر السلفيون التقليديون أنهم تعرّضوا للخذلان من قوى سياسية كثيرة والإخوان إحداها.

لكن الأمر بدا وكأنه رد للدين بشكل غير مباشر من جانب الإصلاح للسلفيين الذين رفضوا عرضه عام 2011 للتحالف ضد صالح.

السلفيون بعد التهجير

بعد التهجير، انتشر السلفيون في أرجاء متفرقة من اليمن خصوصاً في المناطق الجنوبية ومحافظات وسط اليمن (البيضاء، تعز ،إب)، وأصبح الإخوان في وجه الحوثيين، بعدما تحوّلوا إلى هدف للحركة الشيعية المدعومة من طهران.

وعندما بدأت الحرب بين الحوثيين والقوات الحكومية، تم تحييد مدرسة الشيخ محمد الإمام ومدرسة محمد المهدي، وتتبعان السلفية التقليدية في محافظتي ذمار وإب اليمنيتين، من قبل الحوثيين. توافق الحوثيون مع قادة المدرستين على ألا يتم التعرض لهما بشرط أن يظل الوضع في المدرستين تحت المراقبة.

أما السلفيون الذين طُردوا من دماج، فقد كانوا يتأهبون للانتقام من الحوثيين. لكنهم، حتى مع بداية المعارك قرب عدن، لم يتخذوا خطوات صريحة، إلى أن اختلف الوضع مع إعلان السعودية ومعها دول أخرى انطلاق عمليات "التحالف العربي" العسكري ضد الحوثيين.

مجدداً، تحالف السلفيون التقليديون مع الإصلاح ضد الحوثي، كما كان يحدث منذ عام 2004، وسعت السعودية إلى إحداث تقارب بينهما بغية تعزيز الجبهة السنية التي تقودها ضد الحوثيين الذي يمثلون المؤسسة الشيعية.

لكن هذا التحالف لم يكن متماسكاً ولم يحمل شكلاً رسمياً، إنما كان تحالف ضرورة رعته السعودية بشكل غير مباشر لإيقاف الحوثيين.

ينتشر السلفيون التقليديون المقاتلون، ومعظمهم كانوا طلاباً في معهد دماج، في مناطق جنوب اليمن وتعز، ومناطق الساحل الغربي للبلاد، وبشكل عام يتفقون مع حزب التجمع اليمني للإصلاح على قتال الحوثيين.

ولكن أحياناً، يدبّ الخلاف بينهما، كما الحال في تعز، حيث تقاتل الطرفان قبل فترة لمدة أسبوعين.

ففي تعز، تتواجد فصائل أبو العباس الذي ينتمي إلى المدرسة السلفية التقليدية المقاتلة، وهو فصيل مدعوم من الإمارات.

وفي حين تدعم السعودية فصائل سلفية تقليدية تقاتل على جبهات مختلفة ضد الحوثيين وتبدو علاقاتهم بالإخوان جيدة، ما يبرز كيف أن سياسة المملكة تسعى إلى ترميم صفوف حلفائها في مواجهة الخصم الشيعي، فإن الإمارات لا ترغب في أن تصبح للإخوان مناطق نفوذ تهدد تواجدها عند الساحل الغربي للبلاد وفي محافظات تعز وعدن.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*