فلتكن المساجد مثل الكنائس - مقالات
أحدث المقالات

فلتكن المساجد مثل الكنائس

فلتكن المساجد مثل الكنائس

د. نجاة السعيد:

 

في كل مرة أذهب بها للعمرة، وحتى عندما ذهبت للحج، أعاني من تدفق الحجاج بقوة وتخبطهم ببعضهم البعض، ومن الروائح الكريهة التي تفوح منهم ورميهم للقاذورات في كل مكان وعدم إعطائهم فرصة للصلاة في صحن الحرم أو حتى لمس الحجر الأسود، هذا عدا الأسلوب الفظ وغير الحضاري الذي يتعامل به الرجال مع النساء. وبالرغم من كل الجهود التي تقوم بها السعودية في الحرم والخدمات التي تقدم إلا أن هناك مشكلة ثقافية تسود المجتمعات المسلمة لن تصلحها أكبر الخدمات مهما صرف عليها من أموال.

لا نجد غياب النظام والترتيب فقط في الحرم المكي، بل في المساجد عموما. فلو كانت أجواء المساجد تهذب السلوك والانضباط في الصلوات الخمس، لكان الوضع أفضل أثناء أداء مناسك الحج والعمرة. نجد أن أصوات الغالبية في المساجد عالية مما يفقد المكان سكينته، هذا عدا حمامات المساجد التي تمتلئ بالمياه بعد الوضوء وتصبح كأنها حمامات سباحة وبعد ذلك يدخل المصلون للصلاة والمياه تتقطر من الأرجل لتدوس على السجاد وتنتشر الروائح الكريهة، ومن ثم يضع المصلون جباههم وأنوفهم وقت السجود على سجاد عفن مليء بالجراثيم.

وعلى النقيض، عندما نزور أي كنيسة، حتى في الدول العربية، نرى أن الوضع مختلف تماما. يتضح ذلك من الإضاءة الخافتة والهدوء والتحدث بصوت منخفض حتى لا يفقد مكان العبادة روحانيته. توجد أيضا مقاعد مريحة يجلس عليها النساء والرجال بكل أدب واحترام بمظهر محتشم ونظيف، وهذا يدعونا للتساؤل لم لا تكون المساجد مثل الكنائس؟

لو مهما نظمت الندوات وورش العمل ووزعت المنشورات والكتيبات عن تنظيم سلوك المسلمين وقت أداء مناسك الحج والعمرة لن تؤثر بشكل واسع، كما لو كان التعليم بطريقة تطبيقية من خلال تحديث التصميم الداخلي للمساجد والتوعية من داخل المساجد بالآداب والسلوكيات وطريقة التعامل بين الرجال والنساء. خصوصا وأن المصلين يذهبون خمس مرات في اليوم لأداء الصلاة، وبالتالي فإن المساجد هي أفضل وسيلة لنشر الحداثة والتنوير بإطار إسلامي روحاني.

دينيا، لا يوجد ما يمنع تغيير التصميم الداخلي للمساجد، وهو التصميم الموجود حاليا في العالم الإسلامي اليوم. فالتصاميم تختلف من مسجد إلى آخر. فالحرم المكي تغير تصميمه الخارجي على مر العصور إلى أن أصبح بهذا المنظر المتجدد محاطا بناطحات سحاب من أحدث طراز وساعة شبيهة بساعة بيغ بن الشهيرة في لندن. ففي حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَه".

إن الهدف من فكرة تغيير التصميم الداخلي للمساجد ليس فقط إجراء تغيير عمراني أو تحديث شكل المساجد بل المهم هو كيف يمكن لتصميم المساجد أن يغير سلوك المصلين. لذلك أهم ما يجب البداية به هو أن تتواجد إدارة في كل مسجد توضح تعاليم آداب الدخول إلى المسجد من حيث المظهر، الذي يتطلب النظافة، وتهذيب السلوك وطريقة الوضوء، والتحدث بصوت منخفض وكيفية التعامل بين الرجال والنساء.

أما بالنسبة للتصميم الداخلي، فمن أجل يتوافق مع بناء سلوك حضاري للمسلمين ولكي يعتادوا على الأجواء المختلطة أثناء أداء مناسك الحج والعمرة، لا بد من إقامة مساجد مختلطة تجمع بين النساء والرجال معا. وبالتالي هذا يتطلب مقاعد منقسمة إلى قسمين متوازنين، جهة للنساء وجهة للرجال، فالاعتياد على الجلوس على المقاعد بنظام وعلى الدعاء بصوت منخفض يهذب سلوك المسلمين بالتدريج. كذلك، أن تتم إضافة إضاءة هادئة إلى منصة الخطيب في المحراب وهو ما يخلق نوعا من الروحانية والهدوء النفسي. وفي وسط المسجد وأمام المقاعد، يكون مدرج مرتفع قليلا بمساحة واسعة للصلاة، منقسم إلى قسمين: للرجال والنساء.

إنه لمن الغرابة أن المساجد غير مختلطة وهناك بعض الفتاوى العجيبة التي تحرم الاختلاط في المساجد، مع أن مناسك الحج والعمرة في الحرم المكي مختلطة مما يثبت أن الإسلام لم يحرم الاختلاط. وبسبب هذا الفصل نجد سلوك بعض الحجاج والمعتمرين غير منضبط يصل أحيانا للتحرش نتيجة لعدم الاعتياد على ذلك.

إن تغيير الأجواء الداخلية للمساجد هو لتهذيب المجتمع وتنويره من خلال تعاليم الدين الإسلامي التي تحث على الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة في المعاملة، لا انفصال كل واحد عن الآخر، كأنهما من كوكبين مختلفين.

فنظرة غالبية المسلمين إلى المرأة، للأسف، هي نظرة جسدية جنسية بعيدة عن الروحية والعقلية بسبب هذا الانفصال التام وبناء مساجد بهذا الشكل، واللقاء في بيئة روحانية على نحو مستمر يهذّب العلاقة بين الجنسين مما يجعل وقعه إيجابيا وحضاريا على المجتمع كله.

إن فكرة إقامة مساجد مختلطة ليست جديدة وقد طبقت في أوروبا وأميركا لكن تأثيرها سيكون مختلفا تماما لو طبقت الفكرة في الدول العربية والإسلامية. لقد بقي الدين الإسلامي الوحيد، مقارنة بالأديان السماوية الأخرى، الذي لم يواكب الحداثة، وليس هو السبب، بل معتنقوه. وحتى يتغير طبع أهل هذه المنطقة، ومن المفترض تطبيق التقدمية في أماكن العبادة التي لا يعارضها الدين الإسلامي.

لقد تحدث كثيرون عن تجديد الخطاب الإسلامي في الكتب والمحاضرات وفي الإعلام لتطوير سلوك المجتمع وتهذيبه، لكن هذا لن يجدي نفعا إن لم يكن بطريقة تطبيقية من داخل البيئة الروحانية في المساجد والتي بدورها تقوم بتنمية الحداثة الاجتماعية وترسيخ الاحترام المتبادل بين الجنسين.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*